إعلان

مسلسل الاختيار وتدين الشهيد المنسي

د. أحمد عمر

مسلسل الاختيار وتدين الشهيد المنسي

د. أحمد عبدالعال عمر
07:01 م الأحد 17 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بعيدًا عن جماليات العمل الدرامي، وما يدخل في باب النقد الفني، أرى أن أهم وأجمل ما في "مسلسل الاختيار" أنه حول شهداء الواجب في معركتنا جميعاً ضد الإرهاب، من أسماء وأرقام تُذكر عند كل حادثة إرهابية أو في ذكرى حدوثها، إلى "شخصيات مفاهيمية" بالمصطلح الفلسفي، أي جعل كل منهم يُجسد مفهومًا مفتقدًا عن الوطن والوطنية والواجب والتضحية والشهادة، وحول الشهداء الأبطال - وعلى رأسهم الشهيد الأسطورة أحمد صابر منسي - إلى نص إنساني ووطني مفتوح، وجعل كل منهم قصة تستحق أن تُروى بمفردها.

كما أن المسلسل قدم نماذج مصرية وطنية سوية، لديها إحساس أصيل وعميق بالواجب الوطني، وجعلها مؤهلة لكي تكون قدوة ومثلاً أعلى للأجيال الجديدة، على العكس من الدراما التلفزيونية التي ابتُلينا بها في السنوات العشرة الأخيرة، التي قدمت نماذج مشوهة إنسانيًا وفكريًا واجتماعيًا، وصنعت من أصحابها أساطير زائفة بلا معنى ولا قيمة ولا رسالة.

أما الملاحظات التي أُثيرت حول الحلقات الأخيرة من مسلسل الاختيار، ومن أبرزها حرص صناع المسلسل على إبراز الحس والسلوك الديني العالي والراقي للشهيد أحمد صابر منسي، ومحاولة تغيير الصورة النمطية السلبية عن الإمام أحمد بن تيمية، فهي ملاحظات لا يُمكن أن تُضعف من قيمة وأهمية هذا العمل، ومردود عليها.

فتدين الشهيد أحمد صابر منسي هو النمط التقليدي الوسطي الذي تربى عليه أبناء الطبقة الوسطى المصرية، ومنهم بالطبع ضباط وجنود الجيش المصري. وإبراز هذا البعد الديني في شخصية الشهيد منسي، ولدى ضباط وجنود الجيش المصري، مهم جداً ومطلوب دراميًا ووظيفيًا للغاية؛ لأن الإرهاب المتأسلم الذي نواجهه يُؤسس وجوده ومعارضته المسلحة للدولة المصرية على فهم مغلوط ومتطرف للدين الإسلامي، وعلى تقديم نفسه بوصفه مدافعًا عن الإسلام في مواجهة جيش طواغيت.

ولهذا كان من الضروري إبراز وجه الإسلام الإنساني والحضاري في سلوك ضابط مصري مسلم من أبناء الجيش المصري؛ لتكذيب دعواهم الزائفة، وأنهم لا يُمثلون الإسلام، بل مرضى على المستوى الفكري والديني، وأصحاب أهواء شخصية، وألعوبة في يد أجهزة دولية.

وهذا أيضًا- في ظني- ما يُعطي طرح المسلسل لوجهة نظر مغايرة عن شخصية وفكر الإمام أحمد بن تيمية وجاهة كبيرة؛ لأنه يحرر ابن تيمية من أسر الإرهابيين والمتطرفين، ويفكك مرجعيتهم الدينية والفكرية.

ولان قيمة ودور ابن تيمية في تراثنا الديني والفكري لا يمكن اختزالهما في قراءة أحادية البعد مُؤسسة على بعض الفتاوى الدينية الخاصة به، وسوف يظل تراثه وشخصه بحاجة لقراءات جديدة ومنصفة تربطه بسياقه وعصره.

قراءة جديدة تُعلمنا قيمة الحوار وقبول الآخر، ولا تُعيد إحياء الماضي بنفس صرعاته القديمة بين الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والفلاسفة والصوفية؛ فتجعل بالضرورة الفقيه والمُحدث اليوم في صراع جديد مع الفيلسوف العقلاني، والفيلسوف في صراع مع الفقيه والصوفي، والجميع ضد الجميع.

قراءة تحرر الإسلام وتراثه من أسر المتطرفين والإرهابيين، ومن الجريمة التي ارتكبها في حقه أصحاب الإسلام الجهادي والسياسي، بتشويههم لملامح ودور الإسلام الحضاري وتغييب بعده الإنساني، وجعل الإسلام في عداء مع الدولة الوطنية، وجعل الكثير من الناس في عداء نفسي وفكري مع الدين الإسلامي ذاته، وليس مع بعض التأويلات القاصرة والنماذج المُضللة والمريضة التي تدعي تمثيل الإسلام.

إعلان