إعلان

ما يكشفه "كورونا" عن الطبائع ومسيرة الكون ..

د.هشام عطية عبد المقصود

ما يكشفه "كورونا" عن الطبائع ومسيرة الكون ..

د. هشام عطية عبد المقصود
09:00 م الجمعة 06 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. هشام عطية عبدالمقصود

إن ما يحدث في مختلف أرجاء العالم من حالة استنفار واستعداد واحترازات في مواجهة فيروس الكورونا المستجد، وما يرتبط بذلك من إجراءات وصلت إلى مرحلة إغلاق الحدود وبناء ترسانة فحوصات أمام حركة تنقل البشر دوليًا جوًا وبحرًا، إنما يعود بنا إلى عصر اكتشاف البشرية للأوبئة في فترات حدوثها الأول، وكيف تعاملت معها حيرة وفزعًا، وكانت تنقصها المعرفة والتراكم والخبرات.

لكننا الآن في القرن الحادي والعشرين وقد صعدت البشرية الفضاء وجابت المجرات وابتدعت الروبوتات؛ لتعمل وتتكلم، واخترعت ما ييسر التنقل بين أرجائها عملاً وسياحة، ثم ها هي تقف فزعة مترددة متشككة كأنها تضع القدم الأولى في خطى الإنسان البدائي الأول في اكتشاف كوكبه الأرضي، تواجه الحيرة وتنشر القلق وتوسع مجال الفزع كونيا في مواجهة خطر تلك الفيروسات الميكروبية المجهرية.

بالطبع يجدر بل يجب التعامل الموضوعي والمتأسس على معارف وحذر وإجراءات وقائية؛ لمنع كل ما قد يسبب ضررًا للإنسان والحيلولة أمام انتشاره، لكن ما يدهش هو ذلك الظهور المفاجئ والمباغت والمحير معًا لفيروسات تنتشر كل عامين أو أكثر تحت مسميات ما؛ لتظهر فجأة وتنتشر فجأة وتتوسع مساحات الفزع بشأنها ثم تخفت رويدًا؛ ليحل غيرها بوتيرة زمنية صارت متقاربة، وبينما يبدو كل التقدم العلمي ومؤسساته الكونية الكبرى وقد فقد أهم آلية علمية وهي الرصد والاستشعار المبكر، لا تفسير هنا واضح.

لا شك أن التقدم الطبي كونيًا صنع تحولات مهمة في التعامل مع مختلف الأمراض، لكن ما يحير أيضًا أنه في عصر "نقاء" البشرية الأول واجتهادها للتعامل مع الأوبئة والأمراض الفتاكة من كوليرا وطاعون وملاريا وغيرها، وقد عمل علماء أفرادًا وضمن فرق صغيرة ومعامل محدودة الإمكانيات ليست مجهزة بقواعد بيانات، واكتشفوا لها الأدوية القاضية عليها تمامًا، لكن كل ما تراكم لدى البشرية الآن من هذه المعارف والمهارات لم تمنح شركاتها الكبرى المهيمنة والصانعة للدواء ذات الانتشار العملاق في أرجاء الكون وصاحبة الأرباح العملاقة أيضًا أن تقضي عبر عقود على عدد من الأمراض المزمنة الشائعة التي تصيب أغلب البشرية، واكتفت بتقديم الأدوية "المسكنة" لعلاج طويل الأمد لا ينهي المرض أو يوقفه بل يصنع حالة تعايش مزمن معه، ولتكون حبة الدواء المغلفة داخل العلب التي تحمل أسماء الشركات حالة حياتية ضمن مفردات وجبة الطعام قبل الأكل وبعده.

ويجيء "كورونا" الآن وتتناقل جغرافية الكون حالة الفزع وتطرحها أفقًا واسعًا يقفل المجال أمام كل مكتسباتها في الحركة والحياة الآمنة، وحتى صارت أحداثها وشائعاتها أيضا هي المحور الأساسي لنشرات الأخبار دوليًا والمجال المركزي لحديث الناس على منصات التواصل كونيًا، وهكذا تعود البشرية لمرحلة طفولتها خوفًا من عوائد وغوائل الحياة ومستجداتها، وكأنها لم تكتسب من كل خبرات التقدم والنمو شيئًا، تبدو ضعيفة متحيرة شكاءة خائفة.

لا جديد إذا في حالة حيرة الكائن الحي الأول أمام البرق والرعد التي كانت مبررة بحكم الجهل بآلية عمل الظواهر الطبيعية ومسبباتها، لكنه يبدو هنا متخليًا عن كل مسيرته في الحياة تقدمًا وعلمًا وتراكمًا، وبدلا من أن يمنح الطمأنينة ينشر الفزع والخوف، حتى بانت شوارع وميادين إحدى الدول الأوروبية التي تزيد بها نسبيًا معدلات الإصابات خالية من الناس، الذين دخلوا كهوف عزلتهم خوفًا ثم تفردت بهم وسائل التواصل ونشرات الأخبار وهي تنقل خريطة تحرك الفيروس كونيًا؛ ليزيد الفزع والتقوقع.

يحضر هنا مشهد نقلته إحدى قنوات الأخبار الدولية من أمام بوابة متحف اللوفر، وحيث وقف سائح قادم من إحدى الدول الأوروبية المجاورة ومعه طفله يشكو قائلا: لقد أغلق العاملون المتحف أمام الزائرين، وقد جئنا خصيصًا لزيارته، وأضاف لكن هل هذا معقول أو حل، فقد أتينا عبر وسائل مواصلات عامة وصعدت الأسانسير مع آخرين وسرت معهم أين المشكلة؟، كان السؤال وجيهًا تمامًا استحضر في ذاكرتي الحديث النبوي الشريف "أعقلها وتوكل"، أي أنه يجدر أن يتم اتخاذ كل الاحترازات اللازمة والإجراءات الوقائية، ولكن دون مبالغة أو فزع، ثم لا بد أن تمضي الحياة، فتوقفها وسكونها هو الوباء ذاته.

إعلان