إعلان

عندما لفظَت صداقتنا الشهيق الأخير

د. براءة جاسم

عندما لفظَت صداقتنا الشهيق الأخير

د. براءة جاسم
09:00 م السبت 23 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كانت الذاكرة تمارس قهرها معي، وتفرض عليَّ مشاهدَ ومواقفَ كثيرة، كنت قد حاولت جاهدةً التخلُّص منها، أدرتُ وجهي.. نظرتُ إلى نافذة الطائرة محاولةً نفض ذلك القهر؛ لم أرَ سوى سوادٍ، ماتت الأضواء منذرة أننا ابتعدنا عن تلك البلاد.. حسنًا أيتها الذاكرة لكِ ما شئتِ.

توقفَت ذاكرتي عند اللحظة التي حكم فيها على ما بيني وبينها بالإعدام رميًا برصاص تصرفاتها وكلماتها، فلفظَت صداقتنا الشهيق الأخير، وشُيعَت ذكرياتنا في تابوتٍ ثقيلٍ، كانت تثرثر بلا توقف، بذلتُ مجهودًا أكثر ممَّ تتحمله نفسي للاستماع إليها، شعرتُ، لأول مرَّة، أنها تتحدث لغةً لا أفهمها، ولا أجيدها، كلما تكلمَت كانت تسقط من عيني أكثر.

أصدر عقلي فرمانًا يأمرني بمواجهتها، أما قلبي فرفض الانصياع لذلك الفرمان، طأطأت رأسي مُلغيةً صوت عقلي مُنصتةً إلى قلبي.

أنا لن أواجهها؛ لأن بيننا زمنًا من الحُب، وزمنًا من الذكريات، تنهدَت تنهيدةً عميقةً فقاطعتها، قلتُ: اسمعي يا من كنتِ صديقتي "إن الصداقة اختيارٌ، وليست اضطرارًا، شكرًا لِألمٍ أهداني إياه مروركِ في حياتي، لم يعد لي مكانٌ هُنا".

أدرتُ ظهري في هزيمة.. مضيتُ، وبرغم ألم لطمتها، فلم أذرف دمعة، فقلبي لا يبكي الزيف ولا الأعذار.

استيقظتُ على إشراقة شمس تعلن بِدء يومٍ جديدٍ، هبطَت الطائرة، نزعَت عنّي حزام كرسيٍّ كان يقيدني، ويحبسني، وقفتُ.. كانت بمثابة دقيقة حداد، ودعتُ معها كل الذكريات.

إعلان