إعلان

سيلينا

سيلينا

د. جمال عبد الجواد
09:01 م الجمعة 06 يوليو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لدي قطة، في الحقيقة لدي أكثر من قطة، لكل منها حكاية، ولكني سأركز على قصة واحدة منها فقط.

سيلينا قطة عجوز ولدت في أمريكا، وانتهى بها الحال في بيتنا في القاهرة. ألمح في أعين القراء علامات الأسى لهذه القطة المسكينة التي نقلت رغما عنها من أمريكا أقوى بلد في العالم لمصر أم الدنيا؛ لكن حقيقة الأمر غير ذلك.

في عام 2012 تبنت ابنتي الكبرى القطة سيلينا من أحد ملاجئ الحيوانات الأليفة في نيويورك أثناء دراستها هناك. تقبل ملاجئ الحيوانات الأليفة في أمريكا كل الحيوانات التي تصلها، لكنها لا تستطيع أن تحتفظ بها إلى الأبد.

يحصل الحيوان المسكين على الرعاية اللازمة، ويجري عرضه على الراغبين في التبني، فإذا لم يتقدم أحد لتبنيه بعد فترة معينة، يكون الملجأ مضطرا لإنهاء حياة الحيوان المسكين من أجل إفساح المجال لحيوان آخر، الأمر الذي يرفضه أصحاب القلوب الضعيفة من محبي الحيوانات، والذين يشنون حملات الانتقاد ضد الملاجئ التي تتصرف بهذه الطريقة. يرى المنتقدون أن إعدام الحيوانات البريئة عمل فيه قسوة لا يمكن قبولها مهما كانت التبريرات، ومع هذا فإن هؤلاء لا يقدمون حلا مقنعا لمشكلة محدودية الموارد، والحاجة اليومية لاستيعاب أعداد إضافية من الحيوانات التي يهملها أصحابها.

تبنت ابنتي القطة سيلينا، وأنقذتها من حقنة الموت التي كانت تنتظرها. عادت ابنتي إلى القاهرة، ونقلت معها سيلينا، بعد أن أعدت للقطة كل الأوراق الثبوتية والسجلات الطبية اللازمة. رحلت سيلينا عن بلاد العام سام لتنتهي في بلدنا الطيب. انتقال سيلينا من أمريكا إلى مصر أطال حياتها عدة سنوات إضافية، فما زالت سيلينا ضيفة في بيتنا منذ ذلك الحين.

رجعت ابنتي إلى نيويورك، وتركت سيلينا في ضيافتنا، مع أنني لم أتمنَ أبدا أن أعيش مع حيوان، حتى لو كان أليفا، تحت سقف واحد. مهما كان مقدار اعتراضي على الاستضافة الإجبارية لسيلينا في بيتنا، فابنتي مطمئنة تماما إلى أن اعتراضي لن يصل أبدا إلى حد تطبيق حكم الإعدام في القطة المسكينة، ولهذا غادرت عائدة إلى أمريكا وهي مطمئنة إلى الرعاية التي ستلقاها قطتها في ضيافتنا.

سيلينا الآن قطة عجوز، تجاوز عمرها العشرة أعوام، بما فيها الأعوام الستة التي فازت بها بعد إنقاذها من ملجأ القتل الأمريكي. مع التقدم في السن تأتي أمراض الشيخوخة، بالضبط كما يحدث مع البشر. سيلينا مصابة بمرض السكر وأمراض كثيرة أخرى، ولا بد لها من الحصول على رعاية طبية خاصة. بالأمس أصيبت سيلينا – مرة جديدة - بانخفاض شديد في مستوى السكر في الدم، وتخشبت تماما، وكان لا بد من نقلها لعيادة الطبيب لتزويدها بالمحاليل وضبط مستوى السكر، وإسعافات كثيرة أخرى. كنت وحدي في المنزل عندما أصيبت القطة سيلينا بالأزمة الصحية الحادة، فتوليت نقلها لعيادة الطبيب. لحقتني ابنتي الصغرى هناك، وبقينا إلى جانب سيلينا حتى نجح كريم حجازي الطبيب الشاب في استعادة سيلينا للحياة مرة أخرى.

يقول العلماء إن الإنسان نجح في تدجين القطط أربعة آلاف عاما قبل الميلاد. يستدل العلماء على ذلك بهياكل العظم ومومياوات القطط التي ظهرت في مواقع المستوطنات البشرية التي ترجع إلى ذلك التاريخ.

أفهم ما يقوله العلماء من أن الإنسان قد نجح في تدجين الخيل ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد لاستخدامها في الركوب والتنقل؛ وأن الإنسان قد دجن الحمام والفراخ ألفي عام قبل الميلاد من أجل لحمها وبيضها؛ ولكن لماذا يهتم الإنسان بتدجين القط، ذلك الحيوان الجميل معدوم الفائدة؟

الإنسان كائن مغرور، يتصور نفسه مركزا للكون، ويظن أن أفعاله ومخططاته هى السبب في كل ما جرى على وجه الأرض، وهو ما يقوده مرات كثيرة إلى استنتاجات خاطئة حول حقيقة ما يجري في الكون من حوله.

لم ير العلماء الإنسان وهو يدجن القط، ولم يجدوا أي رواية تاريخية قديمة تحكي عن الطريقة التي خدع بها الإنسان القط، وأغراه حتى أقنعه بالعيش معه داخل البيت، أو للبقاء في فناء البيت الخارجي معتمدا على الغذاء والرعاية التي يقدمها الإنسان. الأرجح هو أن القط هو الذي دجن الإنسان قبل حوالي سبعة آلاف عام، فأخذ "ينونو" مستعطفا أصحاب القلوب الرحيمة، وراح يتمسح في أرجلهم، ويلاعب الأطفال، حتى وقع بنوالإنسان في غرام القطط، وأدخلوها بيوتهم، وراحوا يزودونها بالغذاء والدفء والطبطبة، وهي المؤامرة التي نفذتها القطط جيلا بعد جيل بنجاح، لينتهي بي الحال مسئولاً عن رعاية القطة العجوز سيلينا.

إعلان