إعلان

ووكميس 2018 والهوية الوطنية في أوروبا

ووكميس 2018 والهوية الوطنية في أوروبا

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:00 م الإثنين 23 يوليه 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

شاركت، منذ أيام، في المؤتمر العالمي لدراسات الشرق الأوسط في نسخته الخامسة، وهو يعرف اختصارا باسم ووكميس Wocmes، ويعقد كل ٤ سنوات، وهو مصمم بحيث يضم عددا كبيرا من ورش العمل والندوات التي تعقد بالتوازي، وذلك إلى جانب العديد من الفعاليات الثقافية والفنية التي تعقد على هامش المؤتمر.

شارك في هذا المؤتمر هذا العام أكثر من 1800 خبير في مجال دراسات الشرق الأوسط، ورغم مرور عدة أشهر على الاستفتاء الذي نظمه إقليم كتالونيا في إسبانيا، فالمناقشات الخاصة بمستقبل هذا الإقليم ظلت حاضرة خارج نطاق الورش والندوات الرسمية، ودارت معظم تلك المناقشات حول ضرورة إعادة النظر في سياسات الهوية التي اتبعتها إسبانيا، منذ سقوط حكم فرانكو في 1975.

كان الحديث يتجه نحو ضرورة الاعتراف بالتعددية الثقافية للشعب الإسباني، وبحق شعب كتالونيا في الاحتفاظ بنظام تعليمي يضمن استمرار لغتهم وثقافتهم في إطار الدولة، وذلك مع الإقرار بوجود تيارات متطرفة بينهم تدعو للاستقلال التام، وهي التيارات التي كانت وراء تنظيم الاستفتاء في أكتوبر 2017.

واللافت للانتباه هو طرح الخبراء الكتالون الذين شاركوا في هذه المناقشات لضرورة الاهتمام بجدية بتعليم النشء التاريخ الإسباني في المدارس خاصة الذي يغطي المرحلة الإسلامية منه، حيث كان هناك امتعاض من تجاهل هذه الحقبة في العملية التعليمية طوال العقود الماضية، فضلاً عما صاحب ذلك من عدم اهتمام الإعلام الإسباني بالترويج للمناطق السياحية الإسلامية، وهو ما أدى بدوره لتشويه الهوية الإسبانية من خلال محو مكون رئيسي مرتبط بتاريخ الدولة.

ويعد اهتمام الكتالون بالثقافات الأخرى الموجودة في إسبانيا محاولة منهم لنقل صراعهم السياسي مع الدولة من كونه على الكتالون فقط إلى كونه يشمل باقي فئات الشعب الإسباني الذين ينتمون لثقافات أخرى.

هذا النوع من المناقشات حول الهوية الوطنية مهم جدًا خلال هذه المرحلة، حيث أصبح واضحًا أن الهوية الأوروبية التي كانت الشغل الشاغل لقادة الاتحاد الأوروبي منذ نهاية الحرب الباردة أسهمت في تشويه الهوية الوطنية لبعض الدول ذات التنوع الثقافي والتاريخي.

ومع تكرار الأزمات التي يواجهها الاتحاد أصبحت تلك الدول ومنها إسبانيا تدرك أن بقاءها واستمرارها يتطلب تقوية مجتمعاتها من خلال علاج التشوهات التي لحقت بهويتها، فبدلًا من العمل على تعزيز الهوية الأوروبية وفكرة المواطن الأوروبي أصبحت هناك دعوات لإعادة تشكيل الهوية الوطنية لإسبانيا، بما يعكس تاريخها. ويعد البريكسيت تجليا آخر لهذه الأزمة التي يمر بها الاتحاد.

هذه المناقشات تظل مرتبطة بالمجتمع الأكاديمي، ويظل طرحها سياسيا يتطلب جرأة من صناع السياسة.

إعلان