إعلان

مجدى الجلاد يكتب:‎ السباحة في البانيو..!

مجدى الجلاد يكتب:‎ السباحة في البانيو..!

مجدي الجلاد
08:02 م السبت 30 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أول درس يلقنه مدرب السباحة لتلاميذه «اضرب بذراعيك للأمام بقوة.. لن تتقدم ولن تكسب إلا بقطع مسافات لا يتوقعها المنافسون..!».

‎المدرب وتلميذه لا يتفوقان بالعضلات وحدها.. ثمة عقل لدى كل منهما.. ودون العقل لن ينجحا.. ومن العقل تولد الرؤية والإبداع..!

‎الإعلام المصرى بلا عقل.. لذا فهو منذ سنوات طويلة يسبح فى البانيو.. يضرب ذراعيه تحت إبطه مبتسماً وملوحاً بعلامة النصر.. القائمون عليه يخدعون أنفسهم بتحقيق بطولة العالم فى السباحة طويلة المسافات.. والجمهور ينصرف تدريجياً عن العرض الهزلى.. والمحصلة أننا جميعاً ممثلون هواة لا نجيد حتى أداء أدوارنا فى هذا العرض الكوميدي.. نحن نمثل أن لدينا إعلاماً ومحطات فضائية.. فيمثل معنا وعلينا المواطن وكأنه يشاهدنا ويتأثر بنا.. حتى الشاشة تمثل علينا وهي تبث صورة خافتة لأشباح لا تدرك ما تفعل وتقول..!

‎هذه شهادة مواطن مصري قضى عمره كله في صناعة كان يظن واهماً أنها تتقدم للأمام.. فاستيقظ فجأة ليدرك أنه يسبح في البانيو مع أشخاص لا علاقة لهم بهذه الصناعة الخطيرة..!

‎يمكنك أن تعتبرها شهادة صدق.. أو اعترافاً قد يغضب البعض.. أو لحظة مواجهة للذات ولزملاء وأصدقاء تجمعهم أزمة كبرى.. أزمة في سؤال: هل لدينا إعلام حقيقي؟!

‎دعنا نبحث عن الإجابة سوياً: إعلام ماسبيرو يلفظ أنفاسه الأخيرة.. ليس لأن الدولة ذاتها لا تريده.. وإنما لأنه لايزال يعيش مرحلة الإعلام الموجه والموظف.. لذا فحين ظهرت المحطات الخاصة انصرف إليها المشاهد، لعلها تعبر عن شئ في صدره ظل مكبوتاً نصف قرن كامل.. المفارقة أن القائمين على الفضائيات الخاصة لم يصدقوا أو لم يشاءوا أن تكون محطاتهم «خاصة».. فأداروها بـ«جمود ماسبيرو».. وارتجال مصانع وشركات «بير السلم» وسطحية المضمون العابر للتفاهة.. وليتهم نجحوا تجارياً فى تسويق وبيع السطحية والتفاهة.. إذ حققوا خسائر بالمليارات تهدد الصناعة في استمرارها ووجودها..!

‎حين يعمل القطاع الخاص بطريقة القطاع العام يفقد مرونة وكفاءة «الخاص».. ويعجز عن أداء مهام «العام»..!

‎تنفق المحطات الفضائية المصرية سنوياً وفقاً لموازنات عامي 2016 و2017 حوالى 5 مليارات و600 مليون جنيه.. ولا يتجاوز الإنفاق الإعلاني مليارين و800 مليون جنيه.. تحصل القنوات على مليارين و100 مليون جنيه منها.. وتحصل الوكالات والشركات الإعلانية على الباقي.. والفارق ديون متراكمة على المحطات..!

‎الإعلام المصري يموت، لأن القائمين عليه يديرونه بنفس أسلوب ماسبيرو.. لا هم يفهمون «إعلام» ولاهم «شطار في البزنس».. والنتيجة أن المحطة المحظوظة ديونها تتجاوز نصف المليار جنيه..!

‎سألوا أحد كبار العاملين في وسيلة إعلامية «إلى متى سيستمر هذا الانهيار؟!».. فأجاب وهو ينفث دخان سيجارته «لحد ما تخلص فلوس المالك».. ثم ضحك وضحك الجميع..!

‎المسلسل الحصري بـ 120 مليون جنيه.. ليييييه يا عم هو قناة السويس؟!.. علشان البطل أجره لوحده شاكب راكب 45 مليون جنيه!!.. البرنامج للنجمة اللى مش فاتنة خالص بـ 90 مليون جنيه 13 حلقة؟!.. ليه يا سيدى هو مترو الأنفاق؟!!.. علشان النجمة أجرها توتو ع كبوتو 30 مليون جنيه..!! طيب الفلوس دى منين وإزاى وإمتى وادينى أمارة؟!!.. والله ما عارف.. المهم القناة تتعاقد والدفع مش قضية..!

‎المنافسة ساخنة بين الفضائيات.. ولكنها في «بانيو».. أما البحار والمحيطات والماراثون فله أبطاله.. مليارات المحطات المصرية عجزت عن إطلاق فضائية إخبارية تنافس الجزيرة والعربية وسكاي نيوز.. والسبب أن كل شبكة تطلق فضائيتها الإخبارية لصفط اللبن ومنيا القمح ونجع حمادي.. ثم نبكي ونصرخ لما تفعله الجزيرة القطرية ضدنا.. عباقرة صناعة الإعلام المصري الخاص منهمكون في قنوات النفاق والتطبيل.. ولا يلتفتون لخدمة مصالح الدولة بمحطة إخبارية مؤثرة على الرأي العام العالمي..!

‎سألوا تيد تيرنر، مؤسس المحطة العالمية CNN، ذات يوم: «كيف ينجح المستثمر فى الإعلام؟!».. فأجاب «حين يؤمن أن مهمته الوحيدة استقطاب أفضل من يفهم في الإعلام».. تيرنر والعالم كله يدركون أن «أهل الخبرة» وليس «أهل الثقة والولاء» وحدهم يصنعون النجاح.. أما نحن فمازلنا نصنع الإعلام بنكهة ماسبيرو.. ومازلنا نسبح ونضرب أذرعنا بقوة.. ولا أحد يرفع رأسه وصوته ليقول للجميع «يا جماعة.. إحنا في البانيو..!!».​

إعلان