إعلان

انفجار الوطن العربي 2018

د. عبد المنعم المشاط

انفجار الوطن العربي 2018

د. عبد المنعم المشاط
09:22 م الخميس 01 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ماذا تعني قمة الرياض العربية الإسلامية الأمريكية بالنسبة للصراع في الوطن العربي؟ تأجيج مزيد من الصراع والإعلان الفعلي عن حرب جديدة في الشرق الأوسط بين أطراف القمة من ناحية، وإيران وأنصارها من ناحية أخرى. لم يتطرق القادة إلى استراتيچية حل الصراع اليمني السعودي أو الليبي أو السوري أو العراقي أو السوداني أو الصومالي، وهي صراعات داخلية وإقليمية ودولية، بل لم يتطرقوا إلى كيفية القضاء على داعش التي شكلت الولايات المتحدة ضدها تحالفًا دوليًا من 68 دولة.

علينا أن نستعرض بتأني المعطيات الإقليمية والدولية المؤدية إلى الانفجار الكبير عام 2018 في الوطن العربي والشرق الأوسط بكامله تمهيدًا لإعادة ترتيب أوضاعه ورسم حدوده الجديدة، وتقسيم دوله وإعادة انتشار سكانه، وهذه ليست -لو تعلمون- مؤامرة، ولكنها استراتيچية واضحة وجلية في نظرية "حل الصراع". 

تشير الأدبيات والوقائع التاريخية إلى أن الصراع المحتدم في الوطن العربي بدءًا من احتلال الولايات المتحدة للعراق وتقسيمه الفعلي، والثورات العربية منذ 2011 ثم انهيار ليبيا والحرب اليمنية السعودية وإنشاء ودعم داعش وبدء تقسيم سوريا واحتمالات تقسيم جديد للسودان، واستمرار العنف في الصومال، واحتمالات العنف في تونس والجزائر، لا يمكن احتواؤه ناهيك عن حله إلا في حالتين؛ الأولى- ظهور أطراف عاقلة تنهي تلك الصراعات، وهذا غير متوافر، الثانية- التصعيد التام إلى مرحلة الأزمة أي الحرب الشاملة ثم الجلوس والتفاوض من أجل إعادة ترتيب الأوضاع، وخلق حقائق جديدة على الأرض تمهد للتوافق والمصالحة، وهذا هو السيناريو الأقرب للواقع؛ فالدور الأمريكي لم يكتمل بعد ودور إسرائيل لم يتحدد ويستقر بعد، ومصير إيران الإقليمي مازال معلقًا، كما أن المصالح الروسية والصينية مازالت تتشكل بهدوء، كما أن التحالفات الدولية/ الإقليمية كإعادة وضع تركيا وعلاقات إيران بباكستان مازالت في طور التكوين. 

فإذا أضفنا إلى كل ذلك الانتخابات الرئاسية المصرية في منتصف عام 2018 لاكتملت الصورة؛ فالولايات المتحدة ودول غربية عديدة وإسرائيل وبعض الدول العربية لا يروق لها أن تتم الانتخابات خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية الصعبة، وفي ضوء إحجام دول عديدة عن تقديم مساعدات أو تشجيع الاستثمارات بمصر، إذ يعلم الجميع أن مصر مركز الوطن العربي والشرق الأوسط، وأن استقرارها وقوة نظامها ينعكس على التماسك الإقليمي واللحمة العربية، وأن زيادة التحديات التي تواجهها تؤثر على دورها الإقليمي المركزي وتحد من قوة وتماسك النظام العربي، من ثم؛ يتوافق التصعيد الإقليمي إلى حد الانفجار مع زيادة التحديات التي تواجه مصر، وينفجر الوطن العربي في حروب شاملة تمس كلها الدولة المصرية والمصالح القومية لها، وتضعها في مآزق عدة ما بين الوقوف على الحياد الإيجابي وما بين التورط الاستراتيجي.

ويصير الهدف عدم إتمام الانتخابات الرئاسية من ناحية، وتطويق الدور الإقليمي المركزي المصري لصالح أطراف أخرى، وعلى رأسها إسرائيل من ناحية أخرى، وفي هذا الصدد، علينا أن نتذكر ولو للحظة وثيقة استراتيچية إسرائيل في الثمانينيات لأوديد يانون، والذي قال فيها إن مصلحة إسرائيل الكبرى تستلزم إضعاف الدول العربية ومنها مصر.

وأول انفجار يتمثل في حرب إقليمية كبرى بين إيران والدول العربية، وهذا ما انتهت إليه قمة الرياض، وهي حرب لن تخسرها إيران ولن يكسبها العرب؛ فالتجربة الإيرانية العراقية تشير إلى أنها ستنتهي إلى إضعاف الطرفين، ولكنها تصيب الطرف العربي كما أصابت العراق بتقسيم فعلي على أساس مذهبي/ عرقي.

علينا أن نؤكد على أن إيران جزء لا يتجزأ من الاستراتيچية الأمريكية الإسرائيلية ووجودها رصيد استراتيچي لتخويف دول الخليج ودفعهم لمزيد من التسلح والانغماس في العباءة الأمريكية الإسرائيلية، ثم يتم تصعيد الحرب في اليمن بحجة مواجهة إيران إلى حد إغلاق أو حصار مضيق باب المندب، وهو ما يشكل تهديدًا لقناة السويس والتجارة الدولية، ولا شك أن القاعدة العسكرية الصينية والقاعدة العسكرية اليابانية في جيبوتي تضيف إلى تعقيد المشهد؛ فكلاهما له مصالح استراتيچية في استمرار فتح باب المندب.

وهناك التصعيد في سوريا ليس بقصد التخلص من داعش، ولكن لمواجهة إيران وحزب الله، وهي المواجهة التي لابد أن تمس كلاً من لبنان والأردن إسرائيل، وربما يصب قرار تسليح أكراد سوريا في جهود إشعال حرب كبرى في سوريا، بل إن ذلك أيضًا قد يؤدي إلى انسلاخ تركيا بعد اليأس من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والاتجاه إلى إقامة تحالف جديد منتظر مع روسيا.

تبقى بعد ذلك جبهتان ساخنتان؛ الأولى- التصعيد في ليبيا، إذ يتجمع بها بقايا الإخوان والقاعدة والشاردون من داعش، وأعضاء منظمات الإرهاب الأخرى، ويبدأ الانفجار الكبير في ليبيا، والذي يهدد الحدود الغربية لمصر، والتي يناهز طولها ألفًا و50 كم.

وأخيرًا الانفجار الفلسطيني الإسرائيلي؛ إذ تحتفل إسرائيل في مايو 2018 بمرور 70 عامًا على إنشائها، وتقف إسرائيل قوية موحدة تسخر أقوى دولة في النظام الدولي، وهي الولايات المتحدة لصالحها، وتسعى ثاني دولة في النظام الدولي، وهي روسيا إلى أن تحوز رضاها، بل وتسعى دول عربية خصوصًا بعد قمة الرياض والإعلان عن التحالف الاستراتيچي في الشرق الأوسط إلى التطبيع الفعلي معها، ولهذا؛ لا يقبل اليمين الإسرائيلي الحاكم بحل الدولتين أو بتقسيم القدس، بل بالعكس يسعى إلى الدفع بمفهوم الوطن البديل، والذي كان يتمثل فيما سبق في المملكة الأردنية، من ثم؛ لا يبقى إذًا سوى سيناء، وهذه فكرة أمريكية- إسرائيلية قديمة، كاد الحكم الإخواني السلطوي أن يوافق عليها عام 2013، بعد أن اتفق الإسرائيليون والفلسطينيون عام 2008 على ما أطلق عليه تبادل الأراضي في الشرق الأوسط، والذي يقضي بتوسيع غزة إلى حدود العريش على أن يتم تعويض مصر بمساحة مماثلة في صحراء النقب مع مد طريق سريع منها إلى جدة ليتحول الحج والعمرة إلى أرضي بدلاً من بحري.

ولما كان ذلك لا يمكن قبوله في مصر؛ فربما تلجأ إسرائيل والفلسطينيون إلى محاولة فرضه على الأرض من خلال حرب إسرائيلية ضد غزة تؤدي بالاتفاق بينهما إلى تدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى سيناء.

يترتب على هذا الانفجار المتزامن في هذه المناطق الخمس نتائج داخلية/ إقليمية كبرى تتمثل في إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة أخذًا في الاعتبار الأبعاد العرقية والدينية والمذهبية بما يؤدي ليس فقط إلى إعادة تشكيل الدول، وإنما إلى بذر بذور صراعات أخرى بأشكال غير معروفة لعقود قادمة.

إعلان