إعلان

مجدي الجلاد يكتب: الموت الجميل..!

مجدي الجلاد يكتب: الموت الجميل..!

مجدي الجلاد
09:31 م السبت 21 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قبل عدة أسابيع كنت جالسًا في السينما أشاهد فيلم «الخلية».. وحين استشهد ضابط العمليات الخاصة «عمرو» برصاص الإرهاب.. لم يدر بذهني أن ضابطاً حقيقياً يشارك في الفيلم اسمه (عمرو صلاح).. وأمس دفع (عمرو) وزملاؤه حياتهم ثمنًا للحظة آمنة أجلس فيها أنا وأنت مع أبنائنا في كل مكان وأي مكان.. وفي الصباح يذهب ابني وابنك إلى المدرسة بابتسامة مطمئنة وثقة في العودة إلى حضن ماما..!

 

أحقاً العمر لحظة؟!.. أم هو رصاصة غدر وعبوة ناسفة؟!.. أم تراه قرارًا اختيارياً وموتًا طوعياً.. كي نجلس أنا وأنت في السينما والكافيه وحولنا أبناؤنا يلهون ويضحكون؟!

في كل لحظة.. تلد مصر ألف «عمرو».. وفي أي لحظة يضحي مائة «عمرو» بحياتهم كي يعيش كل «عمرو» في أمان..!

لم يعش أحدنا تجربة الحياة مع الموت.. أن يصبح الموت صديقًا ورفيقًا ملازمًا لك في نومك ويقظتك.. تسأله قبل أن تغفو سويعات.. «هل ستحط في فرشتي الليلة؟!.. أم أنني سأصحو لأمسك بسلاحي فتأتيني مستقلاً عربة مفخخة؟!.. بعد إذنك يا موت.. لا تداهمني نائمًا.. أريد أن أموت واقفًا.. لن أقاومك.. ولكن أبي علمني أن أقاتل.. وأمي ستفخر بي إن أنا حصدت عدة فئران ملثمين قبل أن تلفني في علم مصر»..!

يحكي لي الشاب اليافع ذات نهار حار في القاهرة قصة الحرب التي نخوضها.. كنت أسمعه بشغف.. إذ ضحك وكأنه طفل حين بادرته «الجو حر جامد».. فرد بخشونة أحرجتني «تعالى عندنا اشرب شاي على نار الرصاص».. لم يكن أمامي سوى صمت الخجل.. فقبض على يدي بحنو «مش قصدي يا صديقي.. أنا بس مختلف عنك في ذاكرة الصوت والصورة.. الصوت عندنا موت حين نشتبك.. والصورة دماء وأشلاء.. ولكي تنتصر عليك أن تكون أسرع من الصوت وأقوى من الصورة.. هل جربت يومًا أن تصرخ في الموت وتقول له اذهب إلى الناحية الأخرى.. خذ هذه الرصاصة إلى قلب إرهابي جاء ليقتل بلدي؟!.. هل تخيلت مرة أنك ستموت إذا غفوت دقيقة؟!.. لن تتخيل شيئًا لم تعشه.. ولن أبرح أنا موقعي إلا إذا انتصرنا»..!


هو ضابط عمليات خاصة.. ملامحه لا تختلف كثيرًا عن قسمات وجه (عمرو صلاح) والأبطال الذين يحاربون في ظلام الصحراء الدامس.. يروي لي مشاهد يصعب تجسيدها في عمل فني مهما كان خيال المبدع: ( شوف يا صديقي.. نحن نخرج دائماً وفي سترة كل ضابط أو مجند مصحف أو إنجيل.. يسكن بجوار القلب.. نبتسم للشهادة مثلما نفرح للنصر.. يجلس بجواري زميلي قبل العملية وكأنه يحايلني: بقولك إيه ما تخليني أنزل بدالك العملية دي.. ابتسم وأقول له: بعينك.. هو إنت أحسن مني؟!.. فيرد: عايز أجيب تار زملائي أو ألحق بهم.. فأبادره: تارهم جاي جاي.. ثم إنك يا صديقي مش أغلى على الاستشهاد مني)..!

أي رجال هؤلاء؟!.. وأي چين ورثوه عن أجدادهم؟!.. وأي أبجدية في لغات العالم بمقدورها التعبير عن هذه الحالة؟!.. في ظني أنها حالة مصرية خالصة.. لغز عجز الجميع عن تفسيره.. التسابق إلى فداء الوطن والاستشهاد.. الأم التي تحمل جثمان ابنها الشهيد وهي تزفه عريسًا إلى خالقه.. والإنسان المصري الذي اعتاد قهر كل الأعداء والمتآمرين بدماء أبنائه..!

فهل ينتصر الإرهاب الأسود على شعب يلد كل دقيقة مشروع بطل وشهيد؟!.. لم ولن يحدث.. ذهب (عمرو صلاح) وزملاؤه إلى الحرب كي نعيش في وطن آمن.. وغيرهم عشرات الآلاف رابضون على الجبهة الآن.. ولمن استشهد من أجلنا ولمن يقاتلون من أجلنا أيضًا.. لا بد أن نقول (أنتم أطهر وأشرف وأرجل من أنجبت مصر)..!

إعلان