إعلان

ملحمة "نوارة".. قرية تتبرع بـ 700 كيس دم لمساعدة "عادل وشقيقته" (صور)

12:02 ص الأحد 17 نوفمبر 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - أحمد جمعة:
عامان على معاناة عادل فودة "32 عامًا" مع التليّف الكبدي، ومشقة في التنقل بين مستشفيات عدة بحثًا عن علاج؛ ليقف أمام زراعة كبد كأمل أخير يُخلصه من آلامه. تردد لشهور على مستشفى الدمرداش بالقاهرة، وخضع لعملية تركيب دعامة في الوريد الكبدي، ولكنها فشلت بعد وقت قصير في إيقاف أوجاعه، ليعلم بعد حين أنه لا مفر من "الزرع".

قصد المعهد القومي للكبد إثر نجاحات حققها البرنامج الخاص بالزراعة مؤخرًا، ليبدأ في الأسابيع الماضية مرحلة "التحضير"، بعد أن وقع الاختيار على شقيقته الكبرى للتبرع بفص كبد في أعقاب رحلة بحث عن متبرع فشلت في "التوافق" بنهاية المطاف.

1
حدد معهد الكبد موعدًا لإجراء العملية، فيما طلب تجهيز أكياس دم بأعداد كبيرة لاستخدامها أثناء العملية، وما يتبعها من مراحل علاجية قد يحتاج وقتها إلى نقل دم، حسبما أوضح الدكتور محمود طلعت، منسق فريق زراعة الكبد بالمعهد، لـ"مصراوي"، والذي يتولى الإشراف على تجهيز الحالات المرضية، مرجعًا ذلك إلى أن "عملية زراعة الكبد تستغرق بين 10 إلى 15 ساعة، والمريض معرض أن ينزف كثيرًا خاصة في حالة عادل الذي يعاني من مشكلة بالوريد وجلطات، مع التوقع بأن ينزف، فضلًا عن احتياج شقيقته لنقل دم".

لم يكن الأمر يسيرًا على أسرة عادل أن تدفع مبلغًا كبيرًا لشراء أكياس دم من فصيلة (AB) بالنظر إلى الأموال التي وفروها لإجراء الجراحة، فيما كان الحل الوحيد أن يوفروا متبرعين بعدد كبير كي يحصلوا على الدم اللازم مجانًا. شَرح لهم الطبيب "طلعت" فكرة إقامة حملة تبرع بقريتهم بمحافظة الفيوم لجمع أكبر عدد ممكن من أكياس الدم، فيما لم يكن متوقعًا أن يصل إلى هذا العدد الضخم الذي وفروه خلال 4 ساعات فقط.

2 (2)

"قالولنا محتاجين 300 كيس دم أي فصيلة، وإحنا هنغيره بفصيلة عادل".. يقول مصطفى فودة شقيق عادل. لجأ إلى أهل قريته "نواره" علهم يساعدوه فلم يخيبوا ظنّه: "قولنالهم في البلد على الموضوع، والناس كلها وقفت معانا، وبدأنا تجهيز حملة التبرع"، ومن ثمّ شرع في النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليخبر جيرانه ومعارفه بموعد حملة التبرع لشقيقه، وتنادي مساجد القرية على أهلها بالتضامن بعد صلاة الجمعة، بينما تواصل بعضهم مع مستشفى قصر العيني لإحضار أطباء وممرضين وأكياس نقل دم وسيارات مُجهّزة.

قرية "نوارة" كانت على موعد مع حدث فريد من نوعه الجمعة الماضية، أهلها يتهامسون فيما بينهم للتبرع فرادى وجماعات، وسط دعوات العجائز والشيوخ بسلامة عادل وشقيقته، وليسري الخبر في القرية كلها، ليستقبلوا في الصباح الأطقم الطبية التي حضرت لضمان سلامة الحصول على الدم وعدم تعرضه للتلوث، فأكرموا ضيافتهم، لكنهم لم ينتظروا موعدهم بعد انتهاء الصلاة لبدء الحملة، ليبدأوا في التبرع بينما أصوات الخطباء يعم أرجاء القرية، متضمنًا الدعاء لعادل بالتيسير ونجاح جراحته.

3

كعادة أهل الريف، طلب خطباء المساجد من المصلين أن ينتظروا بعد الصلاة لاستغلال الحشد الكبير في التبرع، لم يغادر أحدهم، افترشوا في موضعهم بـ 3 مساجد داخل القرية، نسقوا الصفوف، حتى دخل الأطباء يعلقون في أوردتهم أكياس الدم، وتسابق جيران عادل في إحضار "العصير" للمتبرعين.

بالتوازي، كانت قرية "منية الحيط" المجاورة لقرية عادل، تشهد حدثًا شبيهًا، حينما طلب منسق فريق زراعة الكبد من مريض سابق نجحت عملية زراعة كبده، بمساعدة أهل عادل في إتمام حملة التبرع: "المريض الأول كان عمل حملة تبرع، وجمع عدد كبير من أكياس الدم، كلمته قلتله عندنا مريض بلدياتك وعاوزين يعملوا حملة كبيرة، وبالفعل تطوع للمساهمة وعمل دعاية بنفسه، والبلدين بدأوا يتنافسوا في التبرع".

لا تزال في ذاكرة أهل "نوارة" الكثير من المواقف التي شاهدوها أثناء التبرع بالدم، الأطفال تسابقوا للتبرع فيما ردهم الأطباء خوفًا عليهم، كبار السن طلبوا "ياخدوا حتة منهم لعادل"، حسبما قال محمود جمال أحد شباب القرية، مضيفًا: "فيه طفل 10 سنوات، كان مصمم إنه يتبرع ضمن أطفال كتير، والممرضين كانوا بيبعدوهم وروحوا بيبكوا، وواحد عنده 70 سنة قالولهم أنا شديد خدوا مني، لدرجة أن سيدات بالقرية دخلوا للتبرع لما شافوا المنظر ومفضلش ولا كيس دم فاضي".

4

انتظر محمود قرابة الساعتين حتى يجد فرصة للتبرع بدمه، فالزحام كان كبيرًا والجميع تسابق في الخير، فيما كان الخيار الأول للأصحاء "اللي معندهمش فيروس أو سكر أو أنيميا"، والذين استمروا في التبرع منذ الجمعة حتى صلاة العصر حين انتهت الأكياس الفارغة.

ستظل عائلة عادل مَدينة لأهل قريتهم بمساندتهم في "مهمة جمع أكياس الدم". يقول شقيقه: "الناس وقفت معانا بقلبها قبل دمها، ومش هننسى طول حياتنا وقفتهم دي، وربنا يقدرنا ونردلهم جزء من الجميل"، فيما ينتظر "أهل نوارة" أن يهل عليها "عادل" بعد نجاح عمليته وخضوعه لفترة نقاهة حالياً.

فيديو قد يعجبك: