إعلان

كيف تعرف أنك تتقن لغة أجنبية؟

11:03 ص السبت 07 سبتمبر 2019

كلير ماكاسكيل

لندن – (بي بي سي):

حظي بيت بوتيجيج، الذي أعلن عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2020، بشهرة واسعة لا بسبب سجله العسكري ولا حالته الاجتماعية ولا حداثة سنه، ولكن بسبب إتقانه المزعوم لسبع لغات.

إذ يعد إتقان لغات متعددة في البلدان التي تتحدث الغالبية العظمى من سكانها لغة واحدة، كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بمثابة إنجاز استثنائي مبهر. لكن هذه الهالة التي تحيط بهذه الموهبة الفذة قد تثير أيضا بعض التساؤلات.

وعندما طلبت كلير ماكاسكيل، السيناتور الأمريكية السابقة، من بوتيجيج، التعليق على قدرته على التحدث لغات عديدة في أحد البرامج التليفزيونية، أجاب: "هذا يتوقف على ما تقصدينه بكلمة "تتحدث"، فأنا يمكنني قراءة الصحف باللغة النرويجية، لكن ببطء". وأضاف أنه نسي الكثير من المفردات باللغة العربية والفارسية بسبب قلة استخدامهما.

وبحكم خبرتي في مجال تعليم اللغة الإنجليزية للناطقين بغيرها في اليابان وإيطاليا، وتقييم المهارات الشفوية لدى المتقدمين لامتحانات كامبريدج في اللغة الإنجليزية، مثل النطق وإدارة الحوار والقواعد اللغوية، فقد لفت انتباهي اهتمام بوتيجيج باللغات ورغبته في تعلمها وجرأته على التحدث مع الناطقين بهذه اللغات أمام الكاميرات. وهذه المواصفات تؤهل أي طالب في صفوف تدريس اللغات الأجنبية للتفوق.

لكن بوتيجيج ربما كان يبالغ حين قال إنه "يتحدث" اللغة، كشأن الكثير من طلابي المبتدئين الذين يتوقعون أن يتقنوا اللغة- بعد شهرين من الدراسة- بنفس مستوى الناطقين بها.

وبعد أن قضيت عامين في إيطاليا، وهي البلد الذي أتحدث لغته منذ الصغر في المنزل، كنت أظن أنني أتقن الإيطالية، حتى سمعت موظفة الاستقبال تشير إلى وتقول: "هذه الأجنبية التي لا تتحدث الإيطالية"، وهذه الجملة دفعتني للاعتراف بأنني لا أتقن اللغة الإيطالية رغم أنني كنت أتحدثها "بطلاقة" في المنزل.

ولكن ماذا تعني "الطلاقة اللغوية"؟ يقصد بهذا المصطلح إتقان اللغة إتقانا تاما بمستوى الناطقين بها. ويقول دانييل مورغان، رئيس تنمية التعلم بإحدى مدارس تعليم اللغة الإنجليزية في إيطاليا، إن الطلاقة اللغوية تعني القدرة على تحدث اللغة الأجنبية بسلاسة وكفاءة في موضوعات شتى ودون استعداد مسبق. وتختلف الطلاقة عن الدقة اللغوية التي تقيس سلامة الجملة نحويا.

وتعتمد أهمية الدقة اللغوية على الهدف الذي يريد المتحدث تعلم اللغة الأجنبية من أجله. فإذا كان يتعلمها للتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، فسيكون تركيزه على المهارات اللغوية الشفوية لتحقيق مستوى الطلاقة. لكن إذا كان يتعلمها للانخراط في التجارة أو السلك الأكاديمي، فينبغي الاهتمام بالدقة اللغوية وإجادة استخدام القواعد النحوية المختلفة، حتى لا تمتلئ مراسلاته بالأخطاء النحوية.

وقد تتضمن هذه الأخطاء، الاستخدام الخاطئ لظروف الزمان والمكان بسبب الترجمة الحرفية، أو أزمنة الفعل، أو أدوات التعريف أو الخلط بين الجمع والمفرد، أو استخدام مفردات من اللغة الأم. وهذه الأخطاء يرتكبها معظم متعلمي اللغة الأجنبية.

لكن ثمة خطأ شائعا يقع فيه الكثير من الدارسين، وهو أنهم قد يظنون أنهم يتحدثون اللغة "بطلاقة" ما دام الآخرون يفهمونهم. وذكرت نيفجا دي جونج، كبيرة المحاضرين بمركز اللغويات بجامعة لايدن الهولندية في كتيب تقييم إتقان اللغة الأجنبية، أن الأخطاء النحوية لا تحول دون فهم كلام المتحدث، لأن المستمع يتغاضى تلقائيا عن الأخطاء.

وإذا قلت للمستمع "أنا لدي 17 عاما" سيفهم تلقائيا أنك تريد أن تقول "أنا أبلغ من العمر 17 عاما". فضلا عن أن المعلمين والأصدقاء يشجعون عادة متعلمي اللغة الأجنبية على التحدث، وقد يسهم ذلك في الإفراط في الثقة في المهارات اللغوية.

لكن متى يمكن للشخص أن يقول بثقة إنه "يتحدث" لغة معينة؟ وهل يمكن أن يعتبر الشخص نفسه من متحدثي اللغة إن كان لا يفهم الناطقين بها عندما يتحدثون بسرعة؟ أو لا يستخدم إلا زمنين للفعل فقط بينما لا تخلو كل عباراته من أخطاء؟

لحسن الحظ هناك اختبارات لقياس المهارات اللغوية الشفوية ودرجة إتقان اللغة بشكل عام. ويقول دانييل مورغان، إن هناك معايير عديدة لقياس الطلاقة اللغوية، لكننا نعتمد على معيارين أساسيين هما "سرعة التحدث" أي عدد الكلمات الصحيحة والفعالة التي تستخدمها في وقت محدد و"طول الحديث" أي القدرة على مواصلة الحديث دون توقف أو تلعثم.

وتصف دي جونز المراحل التي يمر بها كل متحدث دون وعي قبل النطق بالكلمات، وهي التفكير فيما تريد قوله وصياغة الجمل ثم النطق بالأصوات المناسبة، وهذه المراحل تستغرق مدة أطول لدى متعلمي اللغة الأجنبية، لأنهم يحاولون صياغة أفكارهم بلغة مفهومة. ويجب أن يتحلى متعلمو اللغة بالجرأة الكافية لمواجهة تحديات النطق، لكن تحقيق مستوى الطلاقة في اللغة الأجنبية ليس سهلا على الإطلاق.

ويصنف الإطار المرجعي الأوروبي الموحد للغات، الذي وضعه مجلس أوروبا، متعلمي اللغات ضمن مستويات بحسب درجة إتقان اللغة، تعتمد على معايير عديدة منها الطلاقة والدقة. وتنقسم مستويات الإتقان إلى ستة مستويات، أدناها مستوى المبتدئ الأول وأعلاها مستوى المتقن للغة.

ويتضمن مستوى المبتدئ الأول: القدرة على طرح الأسئلة البدائية عن التفاصيل الشخصية والإجابة عليها، شريطة أن يتحدث المتلقي بهدوء ويرغب في التعاون. أما مستوى المبتدئ الثاني فيتضمن القدرة على وصف أحداث من الماضي أو البيئة أو الأمور ذات الصلة باحتياجاته بكلمات بسيطة وأداء المهام الروتينية التي تتطلب تبادل المعلومات الأساسية.

ويتضمن مستوى المتحدث المستقل الأول، القدرة على التعامل مع معظم المواقف اليومية وسط أهل البلد الناطقين باللغة، ووصف تجاربه وأحلامه وتطلعاته. أما مستوى المتحدث المستقل الثاني فيتضمن القدرة على فهم أفكار النصوص المعقدة وتحقيق درجة من الطلاقة اللغوية والتلقائية، بحيث يتفاعل المتعلم مع الناطق باللغة بسلاسة دون أن يشعر أي منهما بأي قلق أو ضغط.

ويتضمن مستوى المتحدث المتقن الأول القدرة على فهم النصوص الطويلة والتعرف على المعاني الضمنية وإنتاج، تحريريا أو شفويا، نصوص مفصلة وواضحة بجمل سليمة ومترابطة عن مواضيع معقدة، وإجادة استخدام أدوات الربط والعطف. وأخيرا يتضمن مستوى المتقن المتقدم: القدرة على فهم كل ما هو مسموع أو مقروء والتعبير بتلقائية عن نفسه وبطلاقة وبدقة حتى في المواقف الصعبة.

ويقول جيرينت توماس، رئيس فريق امتحانات كامبردج لتقييم مهارات التحدث باللغة الإنجليزية: "نحن نقيم مدى تماسك الجمل وسرعة الرد وإدارة الحوار والنطق، وتنقسم كل من هذه المعايير إلى معايير فرعية".

ويضيف توماس أن بعض الطلاب لديهم نقاط قوة قد يفتقدها آخرون، فقد تجد طالبا يتمتع بمستوى عال من الدقة لكنه ليس طليق اللسان خشية ارتكاب أخطاء، بينما تجد أخرين طليقي اللسان لكنهم يرتكبون الكثير من الأخطاء اللغوية.

وأشار بحث أجرته مجموعة اختبارات اللغة الإنجليزية بجامعة كامبريدج، إلى أن المتعلم المتحمس قد يستغرق 200 ساعة للترقي من مستوى لآخر. وهذه الحماسة تساعده على استيعاب الصيغ والتراكيب الجديدة وتعلم قواعد نحوية إضافية بدلا من الاكتفاء بالقواعد اللغوية الأساسية والانتظام في الدراسة والممارسة.

لا شك أن كل هذه المعايير التي وضعها أساتذة اللغة ممتازة لتقييم مدى إتقان اللغة الأجنبية، لكن أسرع وأفضل الاختبارات، في نظري، لتقييم مدى طلاقة اللسان والدقة اللغوية هي مواجهة الناطقين الأصليين باللغة في الحياة اليومية.

وفي هذه الحالة، هل ستتمكن من التحدث باللغة الأجنبية بسلاسة ودون تلعثم؟ وهل ستتفادى الخوض في بعض الموضوعات أو تتوقف عن الكلام لأنك تعجز عن استحضار الكلمات المناسبة؟ وهل ستجد صعوبة في فهم الكلمات الأساسية وتكتفي بفهم خلاصة الحديث؟ وهل تستطيع فهم فيلم أجنبي دون قراءة الترجمة أو مطالعة كتاب دون الرجوع إلى القاموس؟ وإذا كتبت رسالة بالبريد الإلكتروني وطلبت من أحد الناطقين باللغة مراجعتها، كم عدد الأخطاء التي سيجدها في الرسالة؟

لا أنكر أن ذخيرتي اللغوية تحسنت في السنوات التسع التي قضيتها في إيطاليا، لكنني لم أصل بعد لدرجة الإتقان في الكتابة الخالية من الأخطاء، وأحيانا يستولى علي اليأس وأشعر أنني لن أتقنها أبدا.

لكن تعلم اللغة الأجنبية في نهاية الأمر هو كالزواج، فقد تظن أنك تعرف شريكة حياتك تمام المعرفة عندما تضع الخاتم في إصبعها، لكنك في الحقيقة لا تزال في البداية وستظل مرتبطا بها مدى الحياة.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: