إعلان

هجرة القلوب إلى علام الغيوب

07:17 م الأربعاء 30 أكتوبر 2013

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

بقلم – هاني ضوَّه :

بعد أيام قلائل تهل علينا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، تلك الهجرة التي كانت بمثابة حجر الأساس لبناء الدولة الإسلامية، وبداية التأسيس لمرحلة جديدة من حياة الإسلام والمسلمين.

لقد أرست الهجرة النبوية عدة دروس حري بنا أن نتوقف عندها ونتأملها، فنحن أحوج ما نكون إلى تطبيق تلك الدروس المستقاه من رحلة الهجرة المباركة، ونتعلم منها جوانب مضيئة من حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لتكون لنا هجرة إلى الله بقلوبنا وأرواحنا.

ومن يتأمل في الهجرة النبوية الشريفة يلاحظ ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان متعلقا بمكة المكرمة، هذه المدينة الطيبة الطاهرة، وقد احبها وولد فيها، وعاش ونشأ وترعرع فيها، وتنزل عليه الوحي من الله عز وجل في غار حراء بهذه المدينة الطيبة، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخرج منها مهاجرا قولته المشهورة: «اللهم وقد اخرجتني من احب البقاع الي فاسكني في أحب البقاع اليك».

فما المقصود بالهجرة الان؟ الهجرة باقية مستمرة – مع اختلاف الطريقة - لا تنقطع حتى قيام الساعة، كما في الحديث الذي أورده الإمام مسلم وأبي داود يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".

هجرتنا الآن التي يجب أن نسعى إليها هي هجرة القلوب وليست هجرة الأجساد.. هجرة الأرواح والهمم، وليست هجرة الجوارح والأماكن .. هجرة الغفلات والتيه والمعصية إلى حالة جديدة يملاؤها الإيمان والثقة بالله عز وجل، وأن نستشعر حلاوة الايمان ولذة العبادة والطاعة.

هجرتنا التي نحتاجها الآن ونسعى إليها هي قلب لدولة عادات النفس.. هي فرار إلى الله سبحانه وتعالى بالمسارعة والتسابق إلى الخير وكل عمل صالح يجلب مرضاته.. هجرتنا هي هروب مما يغضبه وينزل مقته سبحانه وتعالى، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح البخاري: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه".

لكن قبل هجرتنا إلى الله، علينا أن نعد العدة ونستعد من أجل هذه الهجرة لكي نستعين على مشاقها بالله وذلك يكون بعدة أمور:

1- التوبة إلى الله: إن أول مرحلة فى سبيل الهجرة إليه سُبْحانه وتعالى إنما تكون بالتوبة إلى الله، والاستغفار عما مضى من معاصٍ وذنوب ارتكبناها، وغفلات عفلناها، وكذلك برد المظالم والحقوق إلى أصحابها، حتى تخف أحمالنا في سفرنا وهجرتنا إلى الله، وهذا يسرع بنا في الوصول إلى مرضاته سبحانه وتعالى.

2- إخلاص النية لله: النية الخالصة لوجه الله الكريم سبحانه وتعالى هي مدار الأمر، فهو وحده مقصدنا، ورضاه هو غاية طلبنا، يقول صلوات الله عليه وسلامه عليه وعلى آله: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله.. فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها أو إمرأة ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه" .. فأخلصوا النية واجعلوا وجهتكم الله. 3- مجاهدة النفس والتخلص من العادات الذميمة: وعلينا في هذه الخطوة أن نبحث في أنفسنا عن كل ما يخالف أمر الله سبحانه وتعالى، ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن نطوع أنفسنا لتحب ما يحب الله ورسوله، حتى يكون هوانا تبعًا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث، فهي بمثابة تطييب وتهيئة للقلب والنفس لتلقي العادات والأفعال الطيبة التي ترضي الله ورسوله، وذلك كمن يقوم باقتلاع  الحشائش الضارة من الأرض وإبقاء النبات الطيب فيها أو بمثابة تقليم الشجر وتخليصه من شوكه وأعواده غير المهذبة.

4- اختيار صحبة طيبة:- فالصحبة الطيبة الصالحة تعين الإنسان في هجرته إلى الله، بل في أمور حياته كلها، ولذلك اتخذ الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في هجرته رفيقًا وهو سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فكان له خير معين بعد الله، وقد قال عليه الصلاة والسلام وعلى آله: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".

ومن فائدة الصحبة الطيبة في الهجرة إلى الله أنه تنشط الهمة في العبادات والطاعات ولذلك كانت صلاة الجماعة خير من صلاة الفرد، وفيها تناصح في الله وتعديل للمسار إذا حاد أحد عن الطريق، وفي وصف عجيب وتصوير دقيق للصحبة وأثرها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة".

إن الصورة التامة الكاملة للهجرة إلى الله إنما تتمثل فى أروع مظاهرها في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}... [الانعام الآيات 162 – 163].

فما أحوجنا للهجرة بالقلوب إلى علام الغيوب، والهجرة بالأرواح إلى رب الأرباب، وإذا كانت الهجرة بالأبدان كانت قد انقطعت، فقد بقيت هجرة القلوب والأرواح التي لا تنقطع حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان