ما حكم نقل كلية من بنت لديها قصور في الإدراك العقلي إلى أمها؟.. الإفتاء تجيب
كتب : علي شبل
الدكتور علي جمعة
ما حكم نقل كلية من بنت إلى أمها؟ مع ملاحظة أن البنت تعاني من قصور في الإدراك العقلي.. سؤال كانت دار الإفتاء المصرية تلقته، وكشفت عن الرأي الشرعي في تلك المسألة.
في رده، أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق، أنه لا يجوز نقل الكلية من البنت المذكورة بالسؤال لأمها؛ لفقد شرط العقل والاختيار اللازم لجواز عملية تبرع الإنسان بأحد أعضائه، والوصي على البنت لا يحل له الموافقة على ذلك؛ لأن تصرفه مرتبط بما فيه محض المصلحة للموصى عليه، ونقل الكلية ليس فيه مصلحة للبنت بل هو ضرر عليها لا يجوز معه للوصي الموافقة عليه.
الحكم الشرعي في نقل الأعضاء البشرية
وأوضح جمعة، في تفصيل فتواه، عبر بوابة الدار الرسمية، أن من الوسائل الطبية التي ثبت جدواها في العلاج والدواء والشفاء بإذن الله تعالى للمحافظة على النفس والذات نقل وزرع بعض الأعضاء البشرية من الإنسان للإنسان سواء من الحي للحي، أو من الميت الذي تحقق موته إلى الحي.
وأكد أن هذا جائز شرعًا إذا توافرت فيه شروط معينة تُبْعِدُ هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرمه الله ولا تحوله إلى قطع غيار تباع وتشترى، بل يكون المقصد منها التعاون على البر والتقوى وتخفيف آلام البشر، وإذا لم توجد وسيلة أخرى للعلاج تمنع هلاك الإنسان وقرر أهل الخبرة من الأطباء العدول أن هذه الوسيلة تحقق النفع المؤكد للآخذ ولا تؤدي إلى ضرر بالمأخوذ منه ولا تؤثر على صحته وحياته وعمله في الحال أو المآل، وهذا حينئذٍ يكون من باب إحياء النفس الوارد في قوله تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]، ويكون من باب التضحية والإيثار أيضًا الذي أمر الله تعالى بهما وحث عليهما في قوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9].
ولفت فضيلة المفتي الأسبق إلى كما يجوز أخذ عضو من الحي إلى الحي؛ لإنقاذه من هلاك محقق حالًا أو مستقبلًا فإنه يجوز أيضًا الأخذ من الميت إلى الحي؛ لإنقاذه من هلاك محقق، أو لتحقيق مصلحة ضرورية له؛ لأن الإنسان الميت وإن كان مثل الحي تمامًا في التكريم وعدم الاعتداء عليه بأي حال؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]، ولحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كسر عظم الميت ككسره حيا»، رواه ابن ماجه.
شروط وضوابط نقل الأعضاء الآدمية
وبين الدكتور علي جمعة أن هذا الترخيص والجواز يشترط فيه أن يكون بعيدًا عن البيع والشراء والتجارة بأي حال، وبدون مقابل مادي مطلقًا للمعطي صاحب العضو إن كان حيًّا أو لورثته إن كان ميتًا، ويشترط في جميع الأحوال وجوب مراعاة الضوابط الشرعية التالية للترخيص بنقل الأعضاء الآدمية من الحي إلى الحي ومن الميت إلى الحي، وهي:
أولًا: يرخص في نقل العضو البشري من الإنسان الحي إلى الإنسان الحي بالشروط والضوابط الآتية:
1- الضرورة القصوى للنقل؛ بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية في تدهور صحي مستمر ولا ينقذه من هلاك محقق إلا نقل عضو سليم إليه من إنسان آخر بينهما درجة قرابة حتى الدرجة الثانية، ويجوز النقل حتى الدرجة الرابعة إذا حالت ضرورة دون النقل من الدرجات السابقة، ويقدر ذلك أهل الخبرة الطبية العدول، شريطة أن يكون المأخوذ منه وافق على ذلك حال كونه بالغًا عاقلًا مختارًا.
2- أن يكون هذا النقل محققًا لمصلحة مؤكدة للمنقول إليه من الوجهة الطبية، ويمنع عنه ضررًا مؤكدًا يحل به باستمرار العضو المصاب بالمريض بدون تغيير ولا توجد وسيلة أخرى لإنقاذه من الموت والهلاك الحال المحقق إلا بهذا الفعل.
3- ألا يؤدي نقل العضو إلى ضرر محقق بالمنقول منه يضر به كليًّا أو جزئيًّا، أو يمنعه من مزاولة عمله الذي يباشره في الحياة ماديًّا أو معنويًّا، أو يؤثر عليه سلبيًّا في الحال أو المآل بطريق مؤكد من الناحية الطبية؛ لأن مصلحة المنقول إليه ليست بأولى من الناحية الشرعية من مصلحة المنقول منه؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام، ويكفي في ذلك المصلحة الغالبة الراجحة، والضرر القليل المحتمل عادةً وعرفًا وشرعًا لا يمنع هذا الجواز في الترخيص إذا تم العلم به مسبقًا وأمكن تحمله أو الوقاية منه ماديًّا ومعنويًّا بالنسبة للمنقول منه، والذي يحدد ذلك هم أهل الخبرة الطبية العدول.
4- أن يكون هذا النقل بدون أي مقابل مادي أو معنوي مطلقًا بالمباشرة أو بالواسطة.
5- صدور إقرار كتابي من اللجنة الطبية قبل النقل بالعلم بهذه الضوابط، وإعطاؤه لذوي الشأن من الطرفين المنقول منه العضو والمنقول إليه قبل إجراء العملية الطبية، على أن تكون هذه اللجنة متخصصة ولا تقل عن ثلاثة أطباء عدول وليس لأحد منهم مصلحة في عملية النقل.
6- يشترط ألا يكون العضو المنقول مؤديًا إلى اختلاط الأنساب بأي حال من الأحوال.
ثانيًا: يرخص في نقل العضو البشري من الميت إلى الحي بالشروط والضوابط الآتية:
1- أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته موتًا شرعيًا؛ وذلك بالمفارقة التامة للحياة، أي موتًا كليًّا، وهو الذي تتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفًا تامًّا تستحيل معه العودة للحياة مرة أخرى بشهادة ثلاثة من أهل الخبرة العدول الذين يخول إليهم التعرف على حدوث الموت بحيث يسمح بدفنه وتكون مكتوبة وموقعة منهم، ولا عبرة بالموت الإكلينيكي أو ما يعرف بموت جذع المخ أو الدماغ؛ لأنه لا يعد موتًا شرعًا؛ لبقاء بعض أجهزة الجسم حية؛ وذلك لاختلاف أهل الاختصاص الطبي في اعتباره موتًا حقيقيًّا كاملًا؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، فإذا لم يمكن من قبيل الصناعة الطبية نقل العضو المراد نقله من الشخص بعد تحقق موته ويمكن نقل العضو بعد موت جذع الدماغ، فإنه يحرم ذلك النقل، ويكون ذلك بمثابة قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
2- الضرورة القصوى للنقل بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية في تدهور مستمر ولا ينقذه من وجهة النظر الطبية إلا نقل عضو سليم من إنسان آخر حي أو ميت، ويكون محققًا للمنقول إليه مصلحة ضرورية لا بديل عنها.
3- أن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو بكامل قواه العقلية وبدون إكراه مادي أو معنوي، وعالمـًا بأنه يوصي بعضو معين من جسده إلى إنسان آخر بعد مماته، وبحيث لا يؤدي النقل إلى امتهان لكرامة الآدمي، بمعنى أنه لا تتضمن الوصية نقل كثير من الأعضاء بحيث يصير جسد الآدمي خاويًا؛ لأن هذا ينافي التكريم الوارد في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70].
4- ألا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحي مؤديًا إلى اختلاط الأنساب بأي حال من الأحوال كالأعضاء التناسلية وغيرها؛ وذلك كما هو الحال في نقل العضو من حي إلى حي تمامًا.
5- أن يكون النقل بمركز طبي متخصص معتمد من الدولة ومرخص له بذلك مباشرة بدون أي مقابل مادي بين أطراف النقل، ويستوي في ذلك الغني والفقير، وبحيث توضع الضوابط التي تساوي بينهما في أداء الخدمة الطبية ولا يتقدم أحدهما على الآخر إلّا بمقتضى الضرورة الطبية فقط التي يترتب عليها الإنقاذ من الضرر المحقق أو الموت والهلاك الحالّ.
الخلاصة
عليه وفي واقعة السؤال، يقول الدكتور علي جمعة، في خلاصة فتواه: وبالإشارة إلى نص ما سبق في البند أولًا من الضوابط شريطة أن يكون المأخوذ منه وافق على ذلك حال كونه بالغًا عاقلًا مختارًا، فلا يجوز نقل الكلية من البنت المذكورة بالسؤال لأمها؛ لفوات شرط العقل والاختيار والوصي على البنت لا يحل له الموافقة على ذلك؛ لأن تصرفه مرتبط بما فيه محض المصلحة للموصى عليه، ونقل الكلية ليس فيه مصلحة للبنت بل هو ضرر عليها لا يجوز معه للوصي الموافقة عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
اقرأ أيضاً:
ما حكم الجهر بالنية عند الصلاة: جائز أم مكروه؟.. علي جمعة يوضح
بعد وفاة زوجي الأول والثاني تزوجت الثالث فمن يكون رفيقي في الجنة؟.. عالم أزهري يجيب
"واضربوهن".. أمين الفتوى يوضح معنى ضرب الزوجة المقصود شرعًا بالقرآن