إعلان

 " لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "

مركز الازهر العالمي للرصد والفتوى الالكترونية

" لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "

09:03 م الأحد 02 مايو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: د. رحمة عبد القادر دويدار

مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر

و عضو مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوي الإلكترونية

عند البحث عن الحكمة من الصوم، ومعرفة لماذا يُفرض على الإنسان الصيام من أذان الفجر إلى أذان المغرب مدة شهر كامل في السنة المكونة من اثني عشر شهراً فقط ، أليست تلك الفترة طويلة ومتعبة على المسلمين ؟!

لقد حاول كل مسلم البحث عن حكمة الصوم أو فلسفة الصوم كما سميت، ليعرف لماذا فُرِضَ علينا؟! .

قيل: إن الصيام له فوائد صحية كثيرة للإنسان، منها ما يتعلق بتنظيم عملية الهضم، و تنقية الجسم من السموم، وغيرهما من التفسيرات الطبية.

وقيل: إن الفائدة من الصيام هي فائدة تربوية، بمعنى أن الصيام يُربِّي في الإنسان ملكة الإرادة فعندما يمتنع الصائم عن كل ما يفطر ويظل في الوقت نفسه مُصراً على هذا لامتناع لمدة شهراً كاملاً ، يصبح الإنسان عندها قوي الإرادة وثابت العزيمة .

وقالوا قديماً للأطفال إن الفائدة من الصيام هو الاحساس بشعور الفقير الجائع، لما في ذلك من الحث على البذل والعطاء للفقراء في رمضان وغيره.

فنعم قد تكون كل تلك التعليلات لها وجه من الصحة، ولكن عند النظر إلى الآية الكريمة التي تقرر فيها فرض الصيام، نجد أن ربنا تبارك وتعالى ذكر العلة مباشرة فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)( البقرة 183) ، فقوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) جملة تعليلية لبيان الحكمة من مشروعية الصيام، وبالنظر لمعني التقوي اللغوي، وقال إن التقوي بمعني الاتقاء والبُعد عن الطعام والشراب والنساء مدة الصيام ، وقد نظر بعضهم إلى أبعد من ذلك؛ حيث النتيجة التي سيصل إليها الإنسان بالصيام ، فكأن الصيام يؤهل صاحبه لتقوي الله ، لما في ذلك من قهر النفس وكسر الشهوات لأنهم بذلك ينالون درجة التقوي و الخشية من الله ، وبذلك يكونون ممن رضي الله تعالي عنهم ، وكأن الصيام رياضة روحية ، وطريقة لإعداد النفس لتقوي الله في السر والعلن ، ومدرسة للصبر والجهاد وتحمل المشاق .

وبالرغم من ذلك فالحمد لله الذي جعل الصوم الموصل للتقوي ليس فيه مشقة شديدة ، أو شيء لا يحتمل، وإنما جعلها تعالى أياماً معدودات قلائل في العام، فكان رمضان بمثابة شهر لتطهير النفس من المعاصي ، فـ (لعل) في الآية الكريمة بمعنى ينبغي لكم بالصوم أن يقوى رجاؤكم في التقوى ، خاصة وأن الصيام يبعث على الإيمان الصادق ، ويرقق القلب ، ويصفي النفس ويعين على خشية الله تعالى ، ولذلك كان الصيام مفروض كذلك من سبقنا من الأمم كما يفهم من الآية الكريمة .

فالتقوي هي وصية الله – تعالى – لنا (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ) (النساء 131) ، وأرشدنا تعالى إلى الأمور التي تعين على التقوي ، فقال تعالى (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ )( الحج 32) ، وقال(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة179 )

وأمرنا بالتزود منها عندما قال (...وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ )( البقرة 197)، وبين تعالى أن تقوي الله تعالى توصل إلى محبته (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (76 ال عمران).

ونظراً لأهمية التقوي نجد الانبياء قرنوا دعوتهم إلى عبادة الله تعالى بأنها توصل للتقوي، فسيدنا نوج مثلاً عليه السلام (َلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ) (المؤمنون 23) ، وقوله (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ)( الشعراء 106) ، الأمر نفسه مع سيدنا هود (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ )(الشعراء 124) ، وسيدنا صالح (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ)( الشعراء 142) ، وغيرهم كما في قوله (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ )(الشعراء 161) ،(إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ)(الشعراء 177)، (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ ) (الصافات 123و124).

و من هنا تتضح لنا أهمية التقوي ، وقدرها خاصة بعد أن وصى بها الله تعالي، وبعد أن كانت الهدف من دعوة الأنبياء عبادة الله للوصول للتقوى ، حتى إن الله تعالى يُحب المتقين، ومن هنا كان الصيام من أهم الطرق الموصولة إلى تقوي الله .., وأخيرا نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من عباده المتقين .

إعلان