إعلان

المرض ليس عارًا ولا سُبّة على الجبين (المرض ابتلاء)

تعبيرية

المرض ليس عارًا ولا سُبّة على الجبين (المرض ابتلاء)

09:41 م الخميس 14 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: د. ضياء الدين صبري حسن

عضو بقسم البحوث

مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية

تشكلت لدى البعض صورة ذهنية مغلوطة، أدت إلى إحجام المصاب بفيروس "كورونا" عن اللجوء للفحص حال ظهور أي أعراض للمرض، وفجأة تحوّل فيروس "كورونا" في نظر البعض إلى وصمة عار وفضيحة، وخزي، وسبّة على الجبين، بعد أن كان الإعلان عن الإصابة بالفيروس مصدر شفافية يُطالب به الجميع، أصبح اليوم مصدر قلق وخوف وذنب وعار يصيب صاحبه.

أحد المرضى ذهب إلى عيادة خاصة لتوقيع الكشف الطبي، وعند قيامه بالكشف اتضح أن هناك اشتباها إصابته بـفيروس (كورونا)، طالبه الطبيب بعمل الأشعة اللازمة، والذهاب إلى المستشفى للحجر الصحي، فرفض قائلًا: "انت عايزني أروح الحجر ويجو ياخدوني بلبسهم الأصفر ومعاهم بوكس وأجيب لأهلي العار، انت عايز الناس تقول لعيالي إن أبوكم عنده كورونا"!.

ولم ينتبه هؤلاء إلى أن تراجعهم عن التوجه للجهات الصحية للفحص، وإخفاءهم الشعور بأعراض المرض، يشكل جريمة يعاقب عليها قانوناً، متى تسبب الفعل بنشر العدوى لغيرهم، بل تُشدد العقوبة عليهم حال مخالطتهم لآخرين غير مصابين، وتسبب ذلك في وفاة واحد أو أكثر، هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية الشرعية فقد نهى رسول الله () عن ورود المريض على المصح فقال:" لا يوردن ممرض على مصح"( ).

فالمرض ليس جريمة وليس عيباً حتى نخجل من الإفصاحَ عنه، المرض من عند الله، وهو ابتلاء يبتلي به الله عبده، لحكم كثيرةٍ وجليلة، ورفعة للعبد عند ربه إن صبر، وليس منقصة، وفيروس كورونا المستجد ليست عارًا ولا جريمة ولا عيبًا يجب أن نستحي منه أمام المجتمع.

بل العار يكمن في: عدم ذهابك إلى الطبيب حال شعورك بأعراض الفيروس وعدم تحمل المسئولية.

الجريمة تكمن في: إصرارك على مخالطة غير المصابين وأنت تعلم أنك تتسبب في إيذاء للآخرين.

فأنت في هذه الحالة ترتكب جريمة في حقك وحق مُحبيك، وحق المجتمع بأكمله، علاوة على أن الفيروس كغيره قابل للعلاج، إن تم الالتزام بالتعليمات التوعوية الصادرة من الجهات الطبية في الدولة، حتى تستطيع الدولة السيطرة على هذا المرض ومحاصرته قدر المستطاع.

العيب يكمن: في أن نكون جزءاً فاعلاً ومشاركاً في تحويل هذ الفيروس إلى وصمة عار، أو ذنب يصيب كل مبتلى به، رغم أننا نعرف جيداً في صميم قناعاتنا أن هذا الوصف غير عادل ومجحف بحق الأشخاص، إلا أننا نتداوله ونكرره بطريقة أو بأخرى غير مبالين بما نلحقه من أذى ووجع للمريض الذي يخوض معارك كثيرة لمواجهة مرضه الغامض، جميعنا معرضون للإصابة بهذا المرض شأننا شأن أي شخص في العالم، فدورنا اليوم هو رفعُ الوعي، والتكاتف لمواجهة هذا الفيروس الذي يهدد البشرية كلها وليس فقط مصرنا الحبيبة .

فلا ينبغي للمصاب أن يخجل أو يتكتم على إصابته بهذا الوباء؛ فالأمر ليس بيده ولا من كسبه، بل إن ﷲ قدره عليه ولا بد أن يرضى ويُسلم لقضاء ﷲ وقدره، في ذلك يقول النبي (): «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط»( )، وإصابته بالوباء ليس منقصة بل رفعة له عند ﷲ إن صبر، وقد أصاب الوباء خيار الأمة من الصحابة والتابعين والصالحين عبر التاريخ( ).

فيجب على المصاب بفيروس "كورونا" طلب العلاج، والالتزام بالحجر الصحي التي تفرضه الجهات الطبية، بل يجب التبليغ فورًا عمن أصيبوا بهذا الوباء طاعة لولي الأمر، وحفاظًا على المجتمع ، فهو من أكبر الواجبات الشرعية، والتقصير فيه من كبائر الذنوب، والمُقَصِّر فيه مع التمكُّن منه أشبه بالتَّسَبُّب في قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فإهمالُ ذلك إثمٌ كبير يجرّمه الشرع والقانون، لما فيه من ضرر كبير على العباد والبلاد، وعملًا بالقاعدة الشرعية :"لا ضرر ولا ضرار".

دعونا نجتمع تحت راية الإنسانية بعيداً عن أي صراع نفسي أو شخصي تحت ما يسمى العار والفضيحة من المرض، المرض لا يعرف ديناً ولا لوناً، فارحموا المصابين، وواجهوا هذا الفيروس بالالتزام بالقرارات الحكومية والأمل في أن غدا بمشيئة الله تعالى أفضل، وما تقتضيه عقيدة المسلم من اليقين بأن المرض والشفاء بيد الله عز وجل، مع طلب التداوي، والأخذ بالأسباب التي أودعها الله في الكون، فلا يجوز اليأس والقنوط من رحمة الله، بل يجب بقاء الأمل في الشفاء بإذن الله، وليكن حال المؤمن ومقاله: ﴿قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾( ).

وإن كان تخوف المصاب بأن هذا الوباء لا علاج له، فهذا ليس صحيحا ،فقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن مسعود أن النبي () قال: "ما أنزل الله عز وجل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله"( )، ويجب أن يعلم المصاب أن المرض ابتلاء يبتلي الله به عبده لحكم كثيرةٍ وجليلة، وليثيبه ويعلي درجته، وفي قصة سيدنا أيوب (عليه السلام) وشفائه بعد ما يئس منه الناس كلهم دليل على ذلك، ولكن أهل الطب لا يوفقون في بعض الأحيان إلى العلاج، لحكمة يعلمها الله تعالى.

لأن النفس إذا استوثقت أن لدائها دواء يزيد قوى رجائها، وانبعث حارها الغريزي، فتقوى الروح النفسانية والطبيعية فتدفع المرض وتقهره ... على أن الأدوية المعنوية كصدق الاعتماد على الله تعالى، والتوكل عليه، والخضوع بين يديه، وتفويض الأمر إليه، مع الصدقة والإحسان، أصدق فعلا وأسرع نفعا من الأدوية الحسية، لكن بشرط تصحيح النية.

إعلان