إعلان

أهداف سويف.. رحلة بنت فلسطين المصرية "حوار"

01:59 م الخميس 28 مايو 2015

الكاتبة أهداف سويف

حوار- أحمد الليثي ورنا الجميعي:
 
في طرقات القاهرة التي تلتحف أرصفتها ببائعي الملصقات، وأثناء مرور فتاة السابعة عشر التقطت بنظرها "بوستر" لـصبي صغير يحمل رشاشا مدون أسفله عبارة "أطفال 48.. فدائيو 68"، نظرت هي بفرح، اشترته بمصروفها، عادت إلى بيتها تُعلقه على جدار غرفتها الخالي، كان أول ما مُهرت به حجرتها، في قلب تلك البنت كانت فلسطين بالمنتصف، جيل تربّت فيه حتّم عليها ذلك، وسيرة حاضرة دومًا بستينيات عبد الناصر، فتصير القضية محورًا بحياتها، وعقب ثلاثة عقود رشحتها جريدة الجارديان البريطانية لزيارة فلسطين والكتابة عنها بعد الانتفاضة الثانية، لتخوض دربًا لم يطرقه الكثيرون قبلها، فكانت صوتًا لم يُسمع في الإعلام الغربي من قبل.
 
 15 عامًا مرت على الزيارة الأولى ولا تزال القضية تنبض داخل "أهداف سويف"، كرفيق رحلة، تسافر سنويًا لتقضي عهدًا لا ينقطع، وصال مع أهل فلسطين باحتفالية للأدب "بالفست"، ترأسها، تدعم فيها القضية وتخرج من زيارتها بتأييد كبار مثقفي العالم بعد ما رأوا بما لا يدع مجالًا للشك أن للفلسطينيين حق منتهك، وللصهاينة أكاذيب تُروى على غير هدى، غير أن سيرة المقاومة عندها لا تنتهي عند الاحتفالية فحسب، تمتد وتتفرع الصلات إلى محاولات أخرى، قلم لا يسلا الملحمة، ومريدين ورثوا القضية.

صورة 1

في نهاية الألفية الفائتة كانت "سويف" حديث العالم، الكاتبة المصرية على مرمى حجر من نيل جائزة البوكر العالمية، عن روايتها الخلابة "خارطة الحب" تلك التي اختصت فلسطين بمحور الرواية، بتسجيل بدايات دخول الجماعات الصهيونية إلى الأراضي المقدسة في بدايات القرن العشرين.. عقب شهور كانت شرارة الانتفاضة الفلسطينية تندلع، وبينما اتخذت موقعها أمام التلفاز بوسط لندن "كنت بتابع زي كل العالم، بلا حول ولا قوة" ترقب الأحداث، كيف تُروى وكيف تُفسر، تتنقل بين القنوات الغربية والعربية شعرت بأن هناك حدثين في كوكبين مختلفين، رن هاتفها، كبيرة محرري الجارديان –حاليا- على الجانب الآخر تدعوها للذهاب للأراضي المحتلة في مهمة صحفية.
 
صدفة كانت السبب في الاتصال، موضوع صغير صاغته "كاثرين فاينر" محررة الجارديان  وقتها، تضامنًا مع فلسطين، تبعه شكر من الكاتبة المصرية "قلتلها جميل إني أشوف الجانب ده في جريدة أوربية"، وجدت المحررة في "سويف" غايتها لحظة الانتفاضة؛ كاتبة مهمة، عربية، لها رأي في الأحداث ومتابعة جيدة، يتقبلها القارئ بعد أن صار لها منبرًا، فكانت الرحلة إلى القدس.

 موعد مع فلسطين
في البداية خيم على ذهنها ظل إسرائيل الثقيل، تتساءل "أنا لا أفهم أساسا معنى الحديث عن التطبيع؟ متى كانت علاقتنا بإسرائيل (طبيعية)؟ الطبيعي في علاقتنا أن إسرائيل هي العدو، العدو الذي قاتلناه وقتلنا، الذي قتل أسراه من رجالنا، الذي شرد شعبا شقيقا لنا وتسبب في مختلف المصائب لشعوب أخرى".

لذا كانت المشورة واجبة، تارة من المفكر إدوارد سعيد، وأخرى من الشاعر مريد البرغوثي، ومرات من الأديبة رضوى عاشور، جميعهم اتخذوا موقفًا صارمًا ضد "التطبيع" والجميع رأى في الزيارة بُدًا، فقالوا "اذهبي وسيري مع الفلسطينيين"، وكل منهم أعطاها زادًا "إدوارد قالي روحي واكتبي وهيديكي قايمة أسامي الناس وتليفوناتهم.. كان كريم جدًا"، رضوى ومريد أعطوها خريطة يومية ونصيحة هامة "اشتغلي في إطار مقاطع.. تحركي مع أهل فلسطين وبطريقتهم، مفيش حاجة اسمها حوارات مع مثقفين صهاينة أو كلام مع أساتذة جامعة يستخدموه في الإعلام.. ألتزمي بالمقاطعة لتكوني صوت للحقيقة برة".
 
كطفل يعرف للحق ماهيته تعيش "أهداف"، تعرف في حضرتها أن اجتماع النقيضين في شخص ليس سيئًا طوال الوقت، بل هو أمر محبب للقلب؛ فهي تجمع بين الرقة والقوة، الحس المرهف والجسارة، الكياسة وقول الحق، اللين بالوقوف في صف كل ضعيف، والحزم بالوقوف في وجه كل مستبد، لذا ترى في الكاتب شخص نبيل لا يدخل في معارك واهية، يدافع عن شرف كلمته، صاحب رسالة ودور.

اهداف سويف

ستة أيام بدأت من جسر الأردن، لتطابق حركة أهل فلسطين أنفسهم. تغمض "سويف" عينيها كأنها تحاول استجماع التفاصيل، تحاصرها دبابات الاحتلال، وترفرف فوقها الأعلام ذات النجمة المشؤمة، ترفض أن يوصم جواز سفرها بختم إسرائيلي رغم أوراق هويتها الإنجليزية "في تعدية المعبر سقعت ودمي نشف؛ دبابات وأعلام وعساكر بسلاح، خوف على غضب على قهرة".

 أول أيام شهر رمضان، في طريقها للقدس، رهبة تنتابها "بوابات القدس القديمة لها هيبة وجلال"، مدينة عريقة عتيقة، تصلي في الأقصى، تبهرها الأحجار الوردية، العشب والأشجار، لهو الصبية وهم يفرغون محتويات الرصاص المطاطي ليعيدوها إلى صدور الجنود عبر "النبلة"، الباعة يصدحون، رجال يهرولون نحو العمل، نظرة احتقار الشباب للمحتل يقولون "فليخرجوا من خلف الرشاشات والدبابات والتكنولوجيا الأمريكية، فليلاقونا رجل لرجل، حجارة لحجارة"، فتيات في ملابس المدرسة يتحادثن ويضحكن، زخم الحياة رغم الحصار والتضييق.

"الجيش معسكر على بابهم"
 أخبار الشهداء تتوالى، العيون معلقة تحملق في التلفاز والآذان تلتصق بالراديو، تنتهي النشرة ويعاود الجميع الحركة، فيما تبكي هي رغمًا عنها، تشد طفلة جلباب شقيقتها التي تكبرها بسنوات متسائلة: "ليش عم تبكي" فترد بتلقائية: "عشان لسه جديدة عليها الأوضاع.. أول مرة تيجي" تتذكر "سويف" اللحظات كأنها الأمس، تصمت لوهلة قبل أن تقول باسمة "كنت داخلة بقناعة إن الدنيا دمار وحزن ولما لقيت الناس عايشة ومصرة تدرس وتنتج وتتجوز وتفرح وتعمل أفلام وتبدع.. فهمت إن هي دي الحياة بطاقتها وروعتها وأد أيه الصمود معناه المقاومة وسط سير طبيعي للأمور".

صورة 3

زارت القدس وشاهدت انتهاك حرمه، دخلت قبة الصخرة من باب الجنة، رأت معاني العنصرية تتجلى في الخليل؛ حين يُفرض حظر التجوال على 40 ألف فلسطيني لحماية 400 مستوطن، القاذورات تُلقى على رؤوس أهل الحي الأصليون، 15 مسجدا مغلقا، يدخل أهل الخليل منازلهم من الشباك، في وجل تقول لسيدة فلسطينية "الإعلام البريطاني يتساءل: لماذا تسمح الأمهات للأطفال بالخروج وقذف الجنود بالحجارة؟"، فتأتيها الإجابة شافية: "هم لا يذهبون للبحث عن الجيش، الجيش معسكر على بابهم".
 
عايشت الدمار يحاوط رام الله، الصلف على أبواب بيت لحم ومدن أخرى، طبقات من التاريخ كلها مجدولة معًا، قصص وروايات يطمسها الإسرائيليون ولا يريدون إلا قصة واحدة فقط: قصتهم هم.. خرجت من الرحلة بوهج لا ينطفئ، وهي تقول "لولا أولادي في لندن لبقيت في هذه المدينة التي تستدعي أنظف وأوضح ما فيّ" وسجلت رحلتها في مقالين مطولين بصحيفة الجارديان، وكتاب بديع يحمل اسم "في مواجهة المدافع".

في آخر الرحلة، بمنطق استكشافي تعرف من خلاله "المخلب" الذي تسعى إسرائيل لغرسه في القلب الفلسطيني، كان اللقاء بمستوطن إسرائيلي داخل مستوطنة "بساجوت" القابعة أعلى تل بحدود رام الله والبيرة، قررت الحديث معه على مضض، استجمعت قواها "كنت متصورة إنه ممكن يقولي كلام مفحم عن سبب وجوده كمحتل، كنت منتظره كلام مش في خيالي، لكنه اتكلم في أساطير أرض الميعاد، وأمر الرب بوجوده، وهنا يتحدد المصير الإسرائيلي وإسرائيل تدفع ثمن الأرض ولا تغتصبها، وهو يرى الفلسطينيين عبيد وخدم ووجودهم للسبب ده وبس"، خرجت "أهداف" من اللقاء بقناعة راسخة أن للإعلام دور هام في غسيل الرؤوس، وأن للعنصرية دولة، لذا كانت لكلماتها الصادقة، وخطواتها المتقنة صدى كبير، حين قالت لها إدارة الجارديان "هذا صوت لم يُسمع في الإعلام الغربي من قبل".

في 2003 كانت الزيارة الثانية، غير أنها كانت برفقة ولدها الأكبر عُمر، لم يكن قد أكمل عامه العشرين بعد "كنت شايفة إن دي خبرة لأي حد إنه يشوف الواقع على الأرض.. وهو كمان كان مهتم، ده غير إني بحب صحبة ولادي وببقى سعيدة بكل لحظة بيكونوا معايا فيها"، وقتها اكتشفت "سويف" بُعدًا آخر لم يطرأ ببالها في الرحلة الأولى، حين وقفت مجنزرة إسرائيلية يعلوها جنود الاحتلال على أعتاب أبواب القدس الشرقية ثم طالبوا عُمر بالقدوم، وقتها عرفت الأم معنى اللهفة، دار بخلدها كل معنى للفقد، استذكرت لحظات وطأتها الأولى في فلسطين وقتما أصابها مقذوف في كتفها الأيسر وهي تسير بشارع صلاح الدين، لكنها لم تأبه، أما الآن فقد استحوذ الهلع على كيانها "مسكت دراعه وعرفت إني هموت قبل ما أسيبهم ياخدوه.. المهم تدخلت مجموعة سيدات ناشطات يهود وخلصونا منهم.. عدت على خير"، الغريب أن صديق فلسطيني كان يقف على بعض خطوات من الموقف يضحك "خفتي هيه؟ بيصير معنا كل يوم هادا".

صورة 4

"العالم الجديد هون"
عُمر المهووس بعالم السينما منذ الصغر، كان له نصيبًا هو الأخر من الاهتمام بالشأن الفلسطيني، ربما كانت زيارته ملهمة كما تقول الروائية الكبيرة "هو حس بالصدمة وعشان هو بتاع سينما شاف الموضوع زي فيلم رعب.. ده غير إن قضية فلسطين فيها ظلم بين وواضح يجذب أي صاحب رأي يقف في صفها"، لذا لم يكن مستغربًا أن يحوز فيلمه  "مع أني أعرف أن النهر قد جف" على أفضل فيلم عربي قصير بمهرجان أبو ظبي السينمائي لعام 2013، الذي تدور أحداثه حول شاب فلسطيني بين الشتات والعودة للأرض.

المعاول الهدامة تحاصر دومًا أي عمل إيجابي، تحاصر "سويف" تساؤلات من نوعية "ما يهمنا إن تغيرت نظرة للغرب للقضية من عدمه"، فيما ترى أنها لا تعني بنظرة الساسة وإنما يهمها رؤى الناس، ورؤى كل من يستطيع التأثير في الشارع الغربي، كيف يمكنهم الضغط على أنظمتهم كي يكسروا حصار غزة "أنا بقول إن القضية مش هتتحل من غير الغرب، الحكومات العربية عملوا أيه؟، الومضات بتيجي من ضغوط شعبية على الحكومات"،  تستنكر الروائية العالمية أولئك الذين يعتبرون أن أي كفاح غير مسلح من دروب الجنون، غير أنها تضحك في أسى "الناس اللي بتقول كدة مش بيروحوا يشيلوا سلاح ويدافعوا عن القضية.. هما بس بينظروا.. دورنا مساندة الشعب الفلسطيني ودعمه طول الوقت، بالكلمة والرسم والفن والوقوف في ضهره".
 
لا تتحدث صاحبة "في عين الشمس" إلا بدليل، تستشهد بجيل من الشباب الأمريكي والأوربي تلتقيه في رحلاتها، تتبدل رؤيتهم للوضع بالمعرفة، أضحوا مناصرين للقضية رغم كم الأكاذيب التي يلوكها الإعلام "في شباب غير مسلم ويهود كتير حاسين بعبء نفسي رهيب بسبب ما تفعله حكوماتهم من مناصرة لإسرائيل وبيدشنوا حملات مقاطعة وتوعية بالأزمة وبيعتبروها قضية حياتهم وده الفرق اللي بتحركه أنشطة ثقافية وفنية وحتى مقال رأي في جريدة.. وللعلم الأمور كانت مختلفة تمامًا قبل 10 سنين".
 
"سيدة الأرض أم البدايات"
بخطى وئيدة كانت "سويف" تسير في جنبات ميدان التحرير، تتلمس نفحات الثورة في أيامها الأولى، وليلة تنحي مبارك كانت أول ما سمعته في ميكروفونات الميدان أغنية بالأحضان، ثم تلتها "وطني حبيبي الوطن الأكبر"، لذلك تربط دومًا بين الثورة والتحرر، تقول إن فلسطين في قلب كل مطالب بالحق والعدل "أول مظاهرات حقيقية لجيل الثورة في مصر كانت وقت الانتفاضة سنة 2000 بعد سنين عجاف خلت من أي حراك في الشارع".

صورة5

لا تستبعد صاحبة "في مواجهة المدافع" أن هناك مخططًا لشيطنة فلسطين؛ كي ينأى الناس عن قضيتها "ربط فلسطين بكل أزماتنا بعد الثورة من فتح السجون وقتل الناس في التحرير وتخريب الاقتصاد وكل المآسي والشرور اللي في الدنيا هو جزء من تشويه غزه وفلسطين.. عشان الناس تبعد عن قضيتهم وتبقى ردودنا طول الوقت سلبية: مش لما نكفي نفسنا الأول، وإحنا مالنا بيهم".. لكن "سويف" تراهن دومًا على المصريين باعتبار تضامنهم مع القضية حتى وإن خفت صيحاتهم قليلًا، بينما تلقي باللوم على الأنظمة المتتابعة والتي تسير في نفس الصف مع إسرائيل "المفروض الدولة تدعم سياسة المقاطعة مش تلغيها باتفاقيات زي الكويز أو تسمح بوجود شركات لتسليح الاحتلال.. طبعا ده غير العلاقات الدبلوماسية الطبيعية، والتعاون الاقتصادي مع الصهاينة".


صورة6

كانت القاعة مكتظة بالناس، لم تتوقع ذلك السيدة القادمة من إنجلترا، دُعيت إلى أمسية أدبية في 2003 فأجابت، برام الله بمركز خليل السكاكيني الثقافي جلست سيدة فلسطينية قطعت أربع ساعات حتى تأت إليها، وأثناء ذلك وخلال قراءتها لإحدى نصوصها الأدبية وقع على سمعها صوت انفجار، بينما قال لها المتلقين إنه صوت "بوتاجاز"، كذبًا، لتُكمل جلستها الثقافية مع أناس رغبوا بالعيش الطبيعي فقط "الفلسطينيين عايزين ده، عايزين التواصل مع الناس، وإن يحسوا إنهم جزء من العالم".

عاشت "سويف" سنوات عُمرها بين القاهرة ولندن "لما عشت في انجلترا شفت الأمور بمنظور تاني.. معروف إن إسرائيل مدعومة من الغرب لكن لما تشوف الجرايد بتتكلم إزاي والناس منفتحين ومثقفين وواثقين من حق الصهاينة كمسلمات.. تقدّر وقتها معنى المأساة".. قبل الزيارة الأولى  كانت تُشارك في وقفات تضامنية بعاصمة الضباب كُل على حدة، سيرة دولة الانتفاضة تكتب عنها بمقالاتها، تذكرها في رواياتها، لكن لم يكن لها مشروع يُقال أنه لفلسطين، شغلتها فكرة دعم القضية ثقافيًا "تبقى جزء من منظومة ثقافية، يجيلهم ناس لعندهم"، فكرت مع ابنها وصديقات إنجليز مهتمات بالشأن الفلسطيني "قلت في نفسي الست اللي جت 4 ساعات دي المفروض متلاقينيش أنا بس، المفروض تلاقي على الأقل مجموعة تتواصل معاها، وفكرنا وقتها في الموضوع بشكل عملي".

بعدها قامت صاحبة "عايشة" بتأسيس جمعية الأحداث المُلتحمة عام 2007، وهي جمعية خيرية بريطانية، يأتي توصيفها أنها "تتيح التواصل مع فعاليات ثقافية عالمية لمجتمعات من الصعب أن يتاح لها هذا.. وبدأنا بفلسطين تحت الاحتلال"، أما التمويل فقام بتوفيره للعام الأول صديق مصري ثري جمع عدد من أصدقاءه "7.. من المغرب ولبنان ومصر وأكتر من دولة عربية"، إشكالية الإنفاق على الاحتفالية يتم بشكل سنوي "كل سنة نبحث عن تمويل يكفي الرحلة، بس فيه طبعًا ناس بتدعمنا على طول".
 
صورة7

"عادة يذهب الكُتاب للمهرجانات لبيع كُتبهم، لكن نحن نذهب لـ(بالفست) حتى نشعر بأنفسنا أننا جزء من العالم".. جملة على لسان الكاتبة "كاملة شمسي"، باكستانية الأصل، أحد حضور الاحتفالية.. منذ 2008 تُقام احتفالية فلسطين للأدب، يحل المثقفون ضيوفًا على أرض فلسطين، يتخذون نفس المسار التي اتخذته "أهداف" منذ زيارتها الأولى عبر جسر الأردن، ينتهون خلاله لمرأى الجنود والأعلام الإسرائيلية، وعلى مدار ستة أيام يذهبون لست مُدن؛ رام الله، الخليل، القدس، بيت لحم، غزة ونابلس، يعبرون خلال حاجز قلنديا الضيق، جنوب رام الله، يرون بأعينهم مزاجية الجنود في السماح بمرورهم، تحكي "جيليان سلوفو"، كاتبة من جنوب أفريقيا، بأحد فيديوهات قناة "بالفست" على اليوتيوب: "بأحد الحواجز مرّ رجل وأصرت الجندية على أن يخلع حزامه، فهمت من ذلك أنهم يكشفون عن وجود قنابل مثلًا، ثم عبر ثلاثة أشخاص تباعًا، دون مضايقات، كانت الجندية وقتها تراسل على هاتفها، فهمت أنهم لا يهتمون جديًا بالوضع الأمني، هم يوقفون الحركة الطبيعية للناس".


صورة8

احتفالية فلسطين للأدب هي بمثابة رحلة تُضيف لكتابها بمثل ما تأخذ منهم، فتخلخل آراء ثابتة، وتهز معتقدات قديمة، تجول أقدامهم أمكنة يروها للمرة الأولى، دهشة ترافقهم وهم يستمعون لطلبة فلسطينيين قرأوا أعمالهم، وناقشوهم فيها ندًا بند، محرر لندني قدم إلى فلسطين ففاجأته بحياة ثقافية من ندوات ومسارح لم يظنها، وأسئلة انهالت عليه من طلبة "كانوا بيناقشوه في أعماله، مش عاملين فاصل بين اللي بيقراه بشكل نظري واللي يتعمل في الحياة، بيسألوه انت كتبت كذا في كتابك شايف ازاي دا يطبق على الأرض"، وآخر رغب في القدوم لأنه قام بعمل مسودة رواية عن الجدار العازل، وجد نفسه بعد انتهاء الرحلة بحاجة ماسة لتغيير الكثير من خطوطها، قال لـ"سويف" أثناء الرحلة "أنا حاسس إني في رواية خيال علمي، كل اللي عرفته مقلوب" قبل أن يقرر تمزيق ما دونه وهو يقول "أعتقد أن عليّ البدء من جديد"


صورة9

في عمر الثامنة عشر قَدِم "آدم فولدز" إلى أرض فلسطين، لكن في إطار صهيوني، تجولت قدميه بطرقات القدس الغربية، ظلّ على قناعة أنه إذا ما خطت أرجله القدس الشرقية، فسوف يُقتل، غير أن ذلك لم يحدث، بعد ذلك بسنين طويلة أتى الكاتب اليهودي هذه المرة مع احتفالية فلسطين "كان واخد جوايز كتير جدًا وحديث معظم المثقفين"، جلس بمؤخرة الحافلة، التي تخترق شوارع فلسطين، وجهه شاحب اللون، منقطع النفس، يلتفت حوله، مرتعدًا من ذلك الهاجس، وبمرور الأيام اعتاد الأجواء، تجوّل بأريحية بالقدس الشرقية، ولم يجد أحدًا يوجه رشاش لصدره.

انقلب عالم "فولدز" رأسًا على عقب، مكعبه اليهودي تفككت أضلاعه، وشرح القسيس للجدار العازل ببيت لحم، جعلته يُدرك معاني أخرى لم يطرقها، فتمرد جسده وأظهر آثار لقيء لم يستطع مقاومته، علامات الخداع كانت واضحة، لذا كان أول ما فعله حينما عاد هو كتابة مقال باسم " تصحيح رؤيتي في فلسطين ".

فيديو : أمين حداد واسكندريلا من حفلة غزة "يا فلسطينية"


رغم الدور الهام الذي تؤديه "احتفالية فلسطين للأدب" إلا أن صاحبة "زينة الحياة" تتعامل مع الأمر بواقعية شديدة "دورنا أن ندعم إخواتنا الفلسطينيين بكل الأشكال الممكنة، يمكن ندوة أو غنوة زي لما راحت فرقة اسكندريلا غزة في 2012 عملت حالة عظيمة، ودا بيدعمهم لأسبوع أو اتنين، ودورنا أن نتيح للأدباء الضيوف أن يعيشوا التجربة الفلسطينية ويحسوا بتفاصيل الحياة اليومية، ثقافيًا وإنسانيًا. وطبعا الاحتفالية مش هتحرر فلسطين لكنها جزء من المد في الوعي العام العالمي اللي بيظهر في أشكال مختلفة، زي حملات المقاطعة مثلا، واللي هو فعلا هيحرر فلسطين. المهم إن كل شخص يعمل اللي يقدر عليه تجاه قضية إنسانية مهمة في حياتنا"، وتستغرب "سويف" ممن يعتبرون ردود فعل المثقفين الأجانب المناصرين للقضية شيء غير ذات قيمة "لما ستيفن هوكينج  قاطع المؤتمر الأكاديمي الإسرائيلي، الدنيا كلها اتقلبت".
 
صورة10

رأيت رام الله
قمرٌ وشمس تلاقيا وقت الغروب فسطعا معًا لبرهة من الزمن، فكانا سويًا "رضوى و"مريد"، ظلت "رضوى" بالنسبة لـ"سويف" مثال لـ"البنت الشاطرة المصحصحة"، كانت تلميذة لوالدتها الدكتورة "فاطمة موسى" بآداب انجليزي، و"الرومانس الكبير" حينما ارتبطت بالشاعر الفلسطيني، وبعدما نضجت أصبحوا أصدقاء وصارت فلسطين رابطا لا يخلو منه حديث، لذا لم يكن غريبًا أن تكون "سويف" مترجمة لرواية "رأيت رام الله": "هي رواية حلوة جدًا ولأن مريد كمان شاعر لغته بديعة".

حينما شرعت "سويف" في ترجمة السيرة وجدت أنه من الأسهل القراءة بالعربية وترجمتها صوتيًا للإنجليزية، فيما مُدّ بين الصديقين اتصالًا متتاليًا لمراجعة الرواية "كنت بستأذنه في تعديل بعض التراكيب، زي إني أحذف الألقاب في الإنجليزي والأساليب البلاغية".

"عندما تختفي فلسطين كسلسال على ثوب السهرة، كحلية أو ذكرى أو كمصحف ذهبي، عندما نتذمر من حرها وبردها ومن رتابة البقاء فيها طويلًا، عندئذ نكون قد اقتربنا منها حقًا"..  جُملة ضمن أُخر، ترجمتها "سويف" للإنجليزية، التي تُعبّر عن جزء من تجربة "البرغوثي"، توقن الكاتبة بتلك الأسطر ، لئلا تتحول فلسطين إلى مرثية مُطولة واستعطاف فحسب.
 
فيديو : تريلر احتفالية فلسطين للأدب
 

تابع باقي موضوعات الملف:

67 عاما على الاحتلال.. فلسطين تكسب الرهان "ملف خاص"

2015_5_28_16_20_14_855

في أول حوار عربي.. أبرز مؤرخ يهودي مدافع عن فلسطين يتحدث لـ "مصراوي"

2015_5_24_16_38_47_866

الاحتلال يسكن مع "ناصر" في شقة 70 مترًا

2015_5_27_20_2_34_206

بالفيديو والصور: الشهيد "فارس عودة".. راقص الدبكة يحيا

2015_5_26_20_8_48_208

بالصور: مرابطات الأقصى.. نساء تزلزل المحتل بـ"تكبيرة"

2015_5_27_18_42_36_933

بالفيديو.. كيف تدافع عن فلسطين بلغة الغرب؟

2015_5_25_11_38_55_729

بالصور: هنادي.. "ابنة الشتات" ستمر يوما من "فلسطين"

2015_5_27_18_50_59_221

بالفيديو والصور: "أبناء عيلبون" صورة مصغرة لمواجهة الاحتلال

2015_5_27_18_46_21_7

بالفيديو والصور: لينة النابلسي.. فراشة أحلامنا تطل من جديد

2015_5_28_15_46_30_17

بالفيديو والصور: حناجر "ريم" و"رلي" تحاصر "بارود الصهاينة"

2015_5_27_18_58_51_634

بالصور: فريق "المسارات المقدسي".. في حضرة فلسطين التي غيّبها الاحتلال

2015_5_26_15_49_0_55

بالصور: في غزة فقط.. مواجهة المحتل بـ''سجادة حمراء''

2015_5_28_15_37_1_200

خالد يقاوم حصار غزة بـ"الفرن الشمسي".. الاحتلال أبو الاختراع

2015_5_27_18_36_35_534

بالصور: "نضال" حارس "فلسطين أيام زمان"

2015_5_27_18_28_2_43

فيديو قد يعجبك: