إعلان

الصومُ ورؤيةُ الهِلال

رؤية الهلال

الصومُ ورؤيةُ الهِلال

10:31 م الإثنين 03 مايو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: أ.د. إبراهيم قنديل

الأصل المقرر لدى جمهور أهل العلم أن صوم رمضان يجب بأحد أمرين:

أحدهما: رؤية الهلال في آخر اليوم التاسع والعشرين من شعبان، والثاني: إكمال شعبان ثلاثين يومًا؛ اعتمادًا على ظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُبِّيَ علَيْكُم فأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ)،

غيرَ أنه وقع ومع تطور الحياة وتحقيق المقدرة في اعتماد المسلمين على أنفسهم لا على غيرهم في إثبات الشهور بالحساب العلمي الدقيق أصبح من الملائم الاعتماد على ذلك الحساب؛ لأنه وسيلة أدق وأضبط لقيامه على المشاهدة والتجربة وخاصة بعد أن امتلكت البلاد الاسلامية الإمكانات العلمية فقلَّ احتمالُ الغلط في ذلك بنسبة كبيرة جدًا وأصبح الأن من السهولة إخبار أهل العلم بميلاد الهلال فلكيًا، ولا يتعارض هذا مع ما ذهب إليه قدامى الفقهاء تمشيًا مع ظاهر ذلك الحديث الشريف؛ لأن الاعتماد على الرؤية وحدها كان لأمِّيَّة الأمَّة، فإذا تغير وضعها وأصبحت تكتب وتحسب في ظل التقدُّم العلمي الواضح، فإن القول بالاعتماد على الحساب الفلكي - خاصة في نفي الرؤية - هو الراجح دون حالة الاثبات على معنى أنه عندما تثبت رؤية الهلال من الثقات فإنه يجب العمل بها حتى لو خالف مسلك الحساب الفلكي، هذا بخلاف حالة النفي للرؤية حيث تكتمل عدة الشهر السابق وفق الحساب الفلكي دونما إشكال.

وعليه: فلا تعارض بين مسلك القُدامى وبعض الفقهاء المعاصرين من الاعتماد على الحساب الفلكي في إطار ما تحرر آنفًا، بمراعاة أنه لا يراد بالحساب الفلكي-هنا- حساب أصحاب التقاويم أو النتائج التي تعرف منها مواقيت الصلاة وغيرها لأن هذه النتائج لا تعتمد على حساب علمي قطعي، ولهذا يختلف بعضها عن بعض.

هذا: ويتعلق برؤية الهلال ودخول الشهر وانتهائه وبداية اليوم وانتهائه عدة أحكام فقهية تلامس واقع الناس ويكثر بشأنها الاستفسار ومن أهم هذه المسائل ما يلي:

1- من بدأ صومه في إحدى البلاد الاسلامية وفق ثبوت رؤية بها، وأتم الشهر-هناك- ثلاثين يومًا، وعاد بعد ذلك فوجد أهل مصر ملتزمين بيوم آخر لاستكمال الثلاثين يومًا نظرًا لعدم اتفاقهم في بداية الشهر مع تلك البلد القادم منها ذلك الانسان.

والحكم في هذه المسألة: وفق الأصح عند السادة الشافعية: أنه يلزمه الصيام مع أهل مصر؛ لأنه بالحلول عليهم صار واحدا منهم في إتمام الفريضة وفق ما هُم عليه، وهو بهذا يكون وافق أهل البلاد القادم منها في بداية الشهر ووافق أهل مصر القادم عليها في نهاية الشهر، خلافًا لما قال به بعض المجتهدين من أنه طالما أكمل الثلاثين فلا يلزمه الصوم، وأنه يستمر مع مسلك البلد القادم منها.

2- من بدأ صومه في مصر وفق رؤية الهلال وأثناء الشهر سافر إلى بلد آخر وافقت مصر في رؤية الهلال وبداية شهر رمضان، وفي نهاية الشهر عاد إلى مصر فوجد أهلها صائمين لعدم رؤيتهم هلال شهر شوال، ورغم أن الرؤية أثبتت انتهاء رمضان في البلد القادم منها آخر يوم التاسع والعشرين.

والحكم في هذه المسألة: أنه يلزمه الصيام لليوم الثلاثين وفق ما عليه مصر ويكون عيده معهم في اليوم التالي بخلاف مالو استمر في تلك البلد القادم منها الموافق العيد بها ليوم الثلاثين في مصر الحال بها في ذلك اليوم.

3- من بدأ صومه في مصر، وسافر في أول يوم من رمضان إلى بلد آخر فوجدهم مفطرين لعدم رؤيتهم هلال رمضان.

والحكم في هذه المسألة: أن عليه الإفطار لقضائه اليوم الأول في تلك البلد التي لم ترَ هلال رمضان في ذلك اليوم، فحكمه حكمهم ولا قضاء عليه إذا مكث جميع أيام رمضان هناك، وكان مجموع صيامه تسعة وعشرين يومًا، وأهل مصر قد صاموا الثلاثين، وبهذا قال الامام الرملي- رحمه الله - ومن هذا لُغْز: من قال: شخص رأى الهلال ليلًا وأصبح مفطرًا بلا عذر، وذلك خلافًا لما قال به الشيخ الاسلام ابن حجر من عدم فطره لذلك اليوم؛ لأن صومه استند إلى يقين الرؤية الي لم يجز له مخالفتها.

4- من بدأ يومه في مصر مفطرًا لعدم رؤية الهلال، ثم سافر في اليوم ذاته إلى بلد آخر رأت الهلال فصام أهلها.

والحكم في هذه المسألة: أنه يلزم إتمام يومه – هناك - ممسكًا عن المطرات تحقيقًا لحرمة الشهر الحالي عندهم، وعليه قضاء يوم إن حل عليه العيد-هناك- ولا شيء عليه إن رجع الى مصر قبل العيد.

وقريب من هذا: ما لو صام رمضان كله في خارج مصر، وفي اليوم الثلاثين منه وفق ما عليه حال تلك البلد عاد إلى مصر فوجدا اليوم عندهم عيدًا وهم بطبيعة الحال مفطرون.

فإنه يلزمه الإفطار تبعًا لأهل مصر؛ لأنه صار منهم ولا شيء عليه، لأنه لو صام ذلك اليوم لوقع في الحرج والمساءلة لصومه يوم العيد المحرم صومه.

إعلان