إعلان

أبطال بلا تصفيق.. من النرويج إلى شوارع الجيزة (قصة مصورة)

كتب : مصراوي

08:22 م 09/10/2025

360 - اللاعب شيكا يلعب كرة فوق سطح بيته

تابعنا على

قصة-تصوير: مارينا ميلاد:

عند مدخل أحد الشوارع المطلة على الأهرامات بالجيزة، ينزل مصطفى إسماعيل الشهير بـ"شيكا" وزميله عبده أحمد من السيارة الأجرة ليستكملا طريقهما في أزقة ضيقة متعرجة، لن تدخلها السيارة، وعلى ظهريهما حقائب بها ملابس التمرين. يتخطَّيان الأحصنة والجمال التي يمتطيها السائحون، ومنها إلى الملعب الذي توفره لهما "مؤسسة نفس"، تلك المؤسسة التي شكَّلت قوامهما من البداية.

ينضم الاثنان إلى نحو ستة لاعبين ولاعبات، ليكتمل حينها فريق "كرة الشارع"، الفريق الذي رفع قبل شهر الكأس البرونزي الضخم لبطولة "كأس العالم للمشردين" بالنرويج، محققًا لمصر لقبها الأول. لا يزالون يضعون صورته في واجهة هواتفهم، يلقون عليها النظرة مرة بعد مرة، تلك اللحظة التي ظنوا أنها ستغير حياتهم، لكن يبدو أن ذلك لم تظهر معالمه بعد!

قبل ساعات...

"اللاعب الزجزاج"

في حارة ضيقة وصاخبة بمنطقة ميت عقبة، يسأل أحد الساكنين عن مصطفى شيكا، فيرد الرجل عليه: "الحاوي... هناك أهو!".

كان يلتف حول "شيكا" أطفال المنطقة ليلعبوا الكرة معه. من وجهة نظرهم فهو "النجم الذي يريدون أن يكونوا مثله"، خاصة بعد البطولة الأخيرة. وبالنسبة له، "فهو ببساطة يشعر أنه لا يزال طفلًا مثلهم، يُسعده لعب الكرة".

يمرر الكرة بينهم بأسلوب متعرج، هكذا يعلمهم، كما فعل تمامًا خلال البطولة حتى أسماه المسؤولون عن تنظيمها بـ"اللاعب الزجزاج"، قائلين عنه: "قد يكون اللاعب الأكبر سنًا والأصغر سنًا في فريقه، لا تستهِن بسرعته وعزيمته وشجاعته". فبحلول يوم البطولة السادس، أي قبل الأخير، كان قد سجل تسعة أهداف وقدم 14 تمريرة حاسمة.

فـ"شيكا"، الذي بلغ الـ34 عامًا، خاض رحلة طويلة ودرامية مع أندية عدة، أبرزها نادي الزمالك. لمع وذاع صيته قبل نحو سبع سنوات ثم اختفى تمامًا عن الأضواء بعدما تعرض "لضغوط وتنمر أحيانًا"، حسب كلامه. فيقول: "وقتها، كان المدربون لا يتقبلون جسمي الصغير، وأنني من قصار القامة، كنت أقول لهم: جربوني في الملعب فقط".

سحب نفسه تدريجيًا وابتعد عن الملاعب، وعمل في النجارة والنسيج وميكانيكا السيارات وفي بوفيه شركة بريد. وبعد سنوات، تمّت ترقيته إلى موظف بقسم الموارد البشرية لديهم.

ثم عاد إلى ملعب أصغر وعدد أقل من اللاعبين وفي لعبة جديدة عليه، "كرة الشارع"، التي عرف أن مؤسسة تُسمّى "نفس" تكوِّن فرقها منذ عام 2013 بجهود ذاتية. جذبته منذ لحظة لعبه الأولى، فأحس أنها "مختلفة، تُظهر مهاراته وسرعته أكثر"، كما يحكي. لكن ما هو أهم كان واضحًا في انسجامه مع مدربه وزملائه بالفريق، عالمه الجديد الذي كسر عزلته.

"ابن المؤسسة"

في الوقت نفسه، كان "شيكا" يظهر على هاتف "عبده" وهو يُفرِج زملاءه بمؤسسة "بناتي" (لحماية الأطفال المعرضين للخطر) على فيديوهات وصور البطولة.

يُعرِّفهم بـ"كابتن شيكا"، شوارع أوسلو، لحظات الفرح والصراخ بعد تسجيل الأهداف، ويشرح لهم "كيف لعبوا تحت مطر النرويج، على ملعب مبتل؟!".

تلمع أعينهم، ويقول له أحدهم غامزًا بعينيه: "غيرتك السفرية!". يضحك "عبده" ولا ينكر أنه "عرف حياة جديدة وناسًا آخرين، غير ما اعتاده هنا، في المؤسسة التي تربى وعاش بها منذ عمر أربع سنوات وحتى صار لديه 19 عامًا".

لا يخجل "عبده" أبدًا أن يذكر أنه "ابن المؤسسة التي علمته ودربته على الكرة ووفرت له كل شيء"، لكن ما يكرهه وينزعج منه هو أن يصفهم الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي بـ"لاعبي الشارع الذين بلا مأوى!".

فيقول: "جميعنا لنا بيوت وأهل... هذا اسم البطولة فقط لأن لديها هدفًا، وخارج مصر هذا مفهوم، لكن هنا تُقال لنا بطريقة سيئة".

وهذه البطولة العالمية تنظمها مؤسسة خيرية تحمل الاسم نفسه بهدف "تغيير حياة المشاركين مستخدمين لغة كرة القدم، وأن يكون العالم بلا تشرد"، كما تعلن. وفي نسختها العشرين، لعب "عبده" وفريقه حوالي 14 مباراة وسط 500 لاعب من كل أنحاء العالم، بقواعد تختلف تمامًا عن كرة القدم العادية، حيث يلعب فريق رباعي: مهاجمان ومدافع وحارس، لمدة 14 دقيقة وليس 90، ولا يخرج الحارس من دائرة معينة، وإلا تُحسب ضربة جزاء.

يشرحها "عبده" لزملائه بالمؤسسة، وهم يباشرون اللعب، ونصيحته الأولى لهم: "أنها تحتاج نفسًا طويلًا وتفكيرًا أكبر". ثم يشير إليهم ويقول: "جميعهم موهوبون، يحتاجون فقط إلى فرصة مثلي!".

"الطريق إلى الملعب"

غادر كل من "شيكا" و"عبده" نحو الملعب بمحافظة الجيزة، حيث تدريبهم الأسبوعي. التقيا في منتصف الطريق. يحكي كلٌّ منهما عن جديده، ثم يتحدث "عبده" له عن "أنه يحاول أن يجمع بين وقت التدريب والدراسة بمعهد سياحة وفنادق والعمل في بعض الأعمال الحرة ليصرف على نفسه".

ثم وصلهما إشعار بفيديو نشرته مؤسسة "نفس" (المسؤولة عن الفريق) لاحتفالها بهم. ورغم سعادتهما بهذا الاحتفال وكل ما جرى في البطولة التي انتصروا فيها على أيرلندا وسويسرا وهولندا وإنجلترا والبرازيل وغيرهم، بما يقرب من ستين هدفًا، تلك الأسماء التي "لا يجتازها منتخب الكبار"، كما يتحدثان، فإنهما ما زلا ينتظران "ما بعد الاحتفاء، ما بعد التهنئة والأخبار واللقاءات التلفزيونية!".

ولم تتلق مؤسسة "نفس" أي دعم من الهيئات الرياضية، باستثناء شركةٍ خاصةٍ واحدةٍ كانت الراعيَ الرسمي في البطولة، وقد ساعدت نوعًا ما في تغطية تكاليف السفر، بحسب إبراهيم شاش (الرئيس التنفيذي).

وصل "شيكا" و"عبده" إلى الملعب ليشتركا مع بقية الفريق. نادى "شيكا" بصوت عالٍ: "أوكاااا" لتبدأ ركلة البداية. و"أوكا" هي ملك طارق (19 عامًا)، التي انضمت إلى الفريق منذ عامين بعد أن كانت تلعب كرة قدم الـ11. وأخذت اسم شهرتها قبل وقت طويل، عندما كانت تلعب مع جيرانها في الشارع رغم رفض أهلها. فترى: "أن لا فرق في اللعب بين الولد والبنت، لكن نظرة المجتمع تحكم أن البنت لا تلعب كرة".

وفي البطولة الأخيرة، كان أداء "أوكا" ملفتًا. لكن حصد فريق الفتيات المركز السادس. فتمنت أن تعوِّضها في الجولة القادمة وتفوز بالبطولة مثل فريق الرجال، لكن قواعد البطولة تقتضي بأن تتغير الفرق كل عام.

لا تفهم "أوكا" ومن معها تلك الفرصة المتاحة لمرة واحدة! وتقول: "إذا كان هذا وضع البطولة، فعلى الأقل نتمنى أن يكون لها اتحاد، دوري كل موسم، جمهور مثل الدول الأخرى، وألا تكون كأنها مجرد دورة رمضانية يسافر بعض الأشخاص للمشاركة في البطولة فقط".

وفي الأشهر المقبلة، سينضم إلى "أوكا" و"شيكا" و"عبده" لاعبون ولاعبات آخرون للتدريب، على أن يختار المدرب ثمانية أشخاص جدد يسافرون إلى البطولة المقرر لعبها في مدينة مكسيكو. ويقول صبحي حنا (المدرب): "أحاول التحدث معهم لتغيير تفكيرهم. هذا أفضل ما نقوم به، أننا لا نلعب ونشارك فقط، إنما نأخذ خبرة لتغيير أسلوب حياتنا وسلوكنا".

بهذه الطريقة، تعامل "عبده" و"شيكا" بواقعية، وفكّرا في حلمهما التالي، فالأول سيركز جهده في كرة القدم الـ11 أكثر، بجانب كرة الشارع، ربما يصطاده أحد الكشافين ويلعب بأندية كبيرة أو يحترف بالخارج يومًا ما.

أما الثاني، فيدرك تمامًا أن سنه لن يسمح له بالكثير في عالم كرة القدم، فيسعى لتأسيس أكاديمية تدريب لمثل هؤلاء الأطفال الذين كان يلعب معهم في الشارع. وعلى ما يبدو، يريد أن يرمي رميته في أسرع وقت، وأن تكون صائبة، فيقول: "أريد أن نستغل إنجازنا في فعل شيء، ولا نكون ترندًا ليومين ثم نُنسى بعد ذلك".

اقرأ أيضا: لاعبو غزة والكرة.. عندما تنزح الأحلام من المخيمات إلى ملاعب القاهرة

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان