إعلان

أعاد فن مندثر بـ"شباك".. ماذا فعلت مؤسسة "بيت جميل" لخريج الدفعة 11؟

12:26 م الثلاثاء 27 يوليه 2021

حسن خالد أحد خريجين بيت جميل للفنون التراثية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

تغيرت حياة حسن خالد في عامين؛ قرر الشاب الإلتحاق بمؤسسة بيت جميل للفنون التراثية. اليوم أصبح مطلعًا أكثر على فنون الأخشاب، تجاوز الاهتمام فقط بفن الأركت –الحفر اليدوي على الخشب- فيما بات يملك قطعة مصنوعة بيده، تحمل في تنفيذها تصميمًا فنيًا يعرف باسم "المنجور" اختفى من مصر قبل عشرات السنين.

منذ عام 2015 ويعمل خالد في صناعة المنتجات الخشبية، يهوى الشاب فن الأركت، فأقام مشروعه الخاص، ظل يصنع منتجات صغيرة تصلح للهدايا، لكنه لم يكتف بالتقدم ذاتيًا، أراد أن يُلبي ما يحتاج شغفه من تعلم المزيد؛ لذا واصل محاولة الالتحاق بمؤسسة بيت جميل للفنون، تقدم لاختبار القبول أكثر من مرة، لكنه نجح في عام 2019، ومن وقتها قرر أن يمنح نفسه هدنة للتعلم أكثر.

قبل 12 عامًا، تم إطلاق بيت جميل للفنون التراثية في القاهرة، تعاونت مؤسس الفن جميل ومدرسة الأمير للفنون التقليدية المقامة بلندن وصندوق التنمية الثقافية لإنشاء كيان تعليمي لمحبي الفنون والحرف التقليدية مثل الخزف والزجاج والأشغال المعدنية والخشبية، فضلاً عن الرسم، على أن يتخرج منه سنويًا 20 طالبًا، تكون مهمتهم الحفاظ على هذه الفنون.

1

تفرغ خالد للدراسة بين طلاب الدفعة رقم 11. داخل مركز الفسطاط بمصر القديمة، علم أن الكثير ينتظره "في مشروعي الشخصي كنت مركز على الأركت إنما فنون الأخشاب بحرها واسع وفي حاجات كتير مكنتش أعرف عنها حاجة. كنت واثق أني هتعلمها في بيت جميل وده اللي حصل فعلاً". عرف الشاب تطعيم الخشب ونجارة التعشيق والعديد من التصاميم الهندسية والنباتية، يومًا تلو الآخر على مدار عامين، المدة المحددة للبرنامج التعليمي، وبات يتحول خالد من هاوي موهوب إلى حرفي.

أثناء الدراسة، التقى خالد بفن جديد بالنسبة له يسمى "المنجور"، وهو أحد الفنون المندثرة في مصر كما يقول "كان بيتعمل منه واجهات المباني والشبابيك زي المشربيات لكن اللي اتعرف واستخدم أكتر كان الأرابيسك". التفت الطالب لهذا الفن الدقيق في تفاصيله، إذ يعتمد على الأشكال المستخرجة من الشكل الثماني وتقاطع القطع الخشبية بزاوية 45 درجة وتثبيتها دون حاجة للغراء "بنسميها النص على النص أو العاشق والمعشوق".

تعجب خالد لأمر "المنجور" الذي خرج من مصر إلى الدول المجاورة التي تأثرت بالعمارة المصرية لكنه اختفى منها، وظهر بشكل أكبر في السودان والعمارة الحجازية في جدة ومكة المكرمة فيما يعرف باسم الروشان، وتعطيه المملكة السعودية اهتمامًا كبيرًا حتى أصبح ينسب إليها كما يقول الشاب.

حزن خالد على ما وصل إليه الفن المصري المندثر "محدش اهتم بالمنجور في مصر لحد ما اتنسى أن أحنا أصلاً اللي مصدرينه"، لذلك قرر أن يعيد إحياء هذا الفن ولو بقطعة صغيرة تكون مشروع تخرجه في المكان.

2

طيلة ثلاثة أشهر، عكف خالد على عمل "شباك" بفن المنجور. لم تكن الخطوات يسيرة كما ظن؛ لا توجد قطع أثرية يمكنه زيارتها في البيوت القديمة حال العديد من الفنون، ما عرف سوى ثلاث قطع، واحدة على واجهة الكنيسة المعلقة، وأخرى شباك في "بيت الكريتلية"، وثالثة اكتشفها بنفسه صدفة في منزل قديم بشارع باب الوزير.

أما المصادر النظرية فتفاجأ أن ثمة مصدر واحد يشار لمعرفته المتعمقة بالمنجور "المهندس أحمد عنقاوي أستاذ في بيت جميل فرع جدة". بعد محاولات مضنية ومساعدة أساتذة خالد، استطاع الشاب التواصل مع المهندس السعودي والحصول على بعض من محاضراته، واكتمل القدر السعيد لخالد بحضور لقاء مباشر تزامن عقده قبل أن يبدأ في تنفيذ مشروع تخرجه.

3

وضع خالد كل ما تعلم في "الشباك" الخاص به، واصل التجربة، ولم يكتف بالتنفيذ على الشكل التراثي، أراد أن يحقق في قطعته "فكرة ارتباط الإنسان بالسماء والأفلاك اللي ذُكرت في مواضع كتير بالقرآن"، لذلك حاول الابتعاد عن التقليد، فرسم أشكال للنجوم حتى وصل لوحدة زخرفية تحقق له ما يرغب، ثم حصل على موافقة المدرسين في القاهرة ونظرائهم في لندن.

من خشب يسمى "الماهوجني" صنع خالد قطعته التي أعاد بها "المنجور" للحياة، ومع مطلع يوليو الجاري، كان خالد على موعد أخير مع رفاق الدفعة 11 في بيت جميل. وجب تسليم مشاريع التخرج المنتظرة. حاز "شباك" خالد على إحتفاء المدرسين وكذلك العديد من أعمال الخريجين التي كانت متفردة عن السنوات السابقة كما يقول الشاب "أحنا السنة دي لأول مرة ننفذ مشروع بنجارة التعاشيق المسمى بجمعية عربي كاملة-وجهين ودي من الحاجات النادرة جدًا في عالم النجارة ونفذنا برضه نص جمعية ودول كانوا في أطباق نجمية ثمانية".

4

تخرج خالد في بيت جميل، حقق أمنيته في الدراسة، خاض تجربة تعليمية وحرفية وكذلك إنسانية أضافت له الكثير كما يقول، زاد تعلقه بالتراث، وتوهجت لديه الرغبة في دراسة الفنون والفلسفة بشكل أعمق، وإعادة هيكلة مشروعه الخاص. تغيرت نظرة الشاب للأمور، كأنما أعاد اكتشاف نفسه كما فعل مع "المنجور" الذي ما زال يقتفي أثره في أماكن أخرى غير التي عرفها.

يعمل خالد حاليًا على تنفيذ مهمة التخرج في بيت جميل، يخطط لإقامة ورش لنقل ما تعلمه، فقد أصبح موقنًا أن الإبقاء على التراث لن يكون إلا بتمريره لجيل بعد الآخر "لأن من أسباب اندثار الفنون كان الانشغال بالتنفيذ وإهمال التعليم".

فيديو قد يعجبك: