إعلان

"لن تذهب دموعنا سدى".. أمهات سنغافورة يحاربن الانتحار الذي سرق الأبناء

05:45 م الجمعة 25 سبتمبر 2020

أمهات سنغافورة يواجهن الانتحار

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- دعاء الفولي:

كان الأمر ثقيلا. لكن الأمهات الأربع قررن صناعة فيديو تحدثن فيه عن أبنائهن الذين رحلوا جراء الانتحار. خلال أيام في أكتوبر 2019، حصد المقطع الصغير 4 ملايين مشاهدة؛ كانت تلك البداية فقط، منذ وقتها وهبن حياتهن للتوعية بالانتحار في سنغافورة، والحديث عن الأمراض العقلية وتخفيف الوصمة عمن يعانون، فأسسْن حركة ألهمت آخرين، سموها "من فضلك ابقَ".

كان "زِن" أتم عامه الثامن عشر، حين تخلى عن حياته، تمر والدته "إليان ليك" منذ وقتها باضطراب ما بعد الصدمة، قادت الحركة منذ انطلاقها "نحن لسنا حملة بالمعنى المعروف ولسنا مؤقتات.. نحن مجموعة نناصر الآباء الذين يمر أبناؤهم بما مر به أولادنا"، بجانب دعم المراهقين والشباب "نحث الأهالي على طلب المساعدة، نقول لهم لا تخجلوا من ذلك"، كما تقول لمصراوي.

1

ما إن أعلنتِ الأمهات عن انطلاق الحركة، حتى استقبلن عشرات الاتصالات والرسائل من آباء آخرين يطلبون المساعدة، يلاحظون تغيرات نفسية عديدة على أبنائهم، فيما وصلتهن رسائل أخرى من شباب "يشاركوننا أزماتهم النفسية، ويطلبون الدعم اللازم".

لم تكن أهداف الحملة تقديم الدعم فقط "كنا وسطاء بين الشراكات المجتمعية والأهالي لمساعدتهم وكذلك تواصلنا مع الجهات الرسمية"، لم تترك الأمهات حدثا على الأرض إلا وشاركن فيه، أقمن العديد من اللقاءات مع الأهالي "تحدث الناس معنا بانفتاح"، استغللن الفرص المتاحة لتوصيل أصوات الآباء، فبينما يشكل الانتحار السبب الرئيسي لوفاة الشباب من 15 إلى 29 عاما في سنغافورة، كان قانون تجريم الشروع في الانتحار يزيد الأمور سوءً "فبدلا من أن تسن الحكومة قانونا يفرض المساعدة، تعاقب من يحاول الانتحار ويفشل"، غير أن ذلك القانون تم وقف العمل به أخيرا في يناير الماضي فقط "ربما تلك خطوة جيدة على الطريق الطويل"، حسبما تقول "إليان".

2بين حفلات غنائية، ماراثون للجري، لقاءات شهرية ومشاريع مصورة تتحرك الأمهات، لا يتركن وسيلة يلمسن بها قلوب الشباب إلا وفعلوها "هم المستهدفين في النهاية"، أما هُنّ فقد ساعدتهم الحملة على التأقلم مع الحزن "لا يسعنا سوى استخدام مأساتنا لمساعدة أولئك الذين يعانون من الاكتئاب أو القلق أو المرض العقلي"، منحتهن الحركة قوة، فكثيرا ما تصل رسائل لصفحة "من فضلك ابق"، من شباب يخبرونهن أن "مشاهدة الألم في أعيننا جعلهم يختارون البقاء لأنهم لم يستطيعوا تحمل أن تمر أمهاتهم بنفس التجربة"، فيما بدأت الوصمة تنزوي رويدا عمن يعانون، ففي الاجتماعات التي تعقدها الحركة شهريا، بات الحديث عن القلق أو الاكتئاب أمرا عاديا، لا حاجة للادعاء أن الأمور بخير، كما فعل أبناء الأمهات الأربع اللاتي أسسن الحركة.

3

لكل منهن قصة؛ انتبهن لما يمر به أولادهن متأخرا، فـ"إليان" والدة "زِن" عرضته على أخصائي نفسي "ظننا أنها موجة قلق ستمر"، إلا أنه بدأ في إيذاء نفسه، أحدث جروحا قطعية في يديه وقدميه، ظلت الأم تحيطه برعايتها، لكن زملائه انفضوا عنه، طالته نظرات الريبة بسبب ما حدث لجسده "زاد ذلك الأمور سوءً"، حتى قرر الرحيل في أكتوبر 2018، أما "جوش"، فكان أكبر الراحلين الأربعة، أتم الـ21 عاما قبل الموت، اختارت له والدته الاسم لأنه عنى لها الشجاعة والقوة، لكنه عانى من اكتئاب شديد.

حينما تجلس الأمهات الأربع سويا، ينفرط عقد الحديث عن الأبناء؛ كيف كانوا شبابا لهم أحلام، وكيف أن بعضهم لم يكبر بالقدر الكافي ليكون مراهقا، كحال "إيفان" إذ ترك العالم وهو في الحادية عشر "كان يعاني من ميول انتحارية، أخبر أخته وطلب منها ألا تخبر والدته"، عانى الصغير من ضغوط ضخمة في الدراسة، أما رابع الشباب فكان "ميتش" الذي "لاحظت أسرته تغيراته المزاجية في السابعة عشر"، ظنوا أنها مرتبطة بالبلوغ "لكنه كان يعاني من القلق الشديد"، وما هي إلا أشهر حتى ترك الدنيا.

خلال العمل في الحركة، اكتشفت الأمهات أشياء جديدة بداخلهن "أن بعضنا مثلا تعاني شخصيا من اكتئاب"، سمعن قصصا شبيهة لأمهات يفكرن في الانتحار، وفيما انتحرت إحداهن بالفعل بعد رحيل ابنها، تخشى أخريات طلب المساعدة لئلا يراهن المجتمع ضعفاء، غير أن "إليان" ومن معها كسرن حاجز الصمت، نما عدد المشتركات حتى 20، بالإضافة لمن تساعدن من خلف الستار، توجهن نصائح للأسر "أنهم لا يجب أن يلوموا أنفسهم".

4

كل فترة، تنخرط حركة "من فضلك ابق" في مشروع جديد، فبينما تقول "إليان" إن الحكومة السنغافورية بدأت في اتخاذ خطوات جيدة تجاه التوعية بالصحة العقلية والنفسية، نفذت الأم ومشاركون فكرة جديدة، إذ طلبن من الآباء أن يرسلوا لهم صور أحذية أبنائهم الذين أنهوا حياتهم، بات لديهم أكثر من 12 صورة تروي كل منها حكاية مختلفة، جمعوها في فيديو صغير مع آخر إحصاءات متعلقة بالانتحار "أردنا أن نري للناس شيئا من متعلقات الشباب الذين رحلوا، أن نقول لهم إن من يفكرون في الانتحار يعيشون بيننا وقد لا نعرفهم إذا لم نركز في العلامات"، فأمام كل شخص ينهي حياته، ثمة 20 محاولة فاشلة، حسب منظمة الصحة العالمية.

5

كاد عام أن يمر على بدء الحركة، استمدت الأربع أمهات القوة من قصص الآخرين، تشاركن التفاصيل المرهقة مرارا، ورأين انتصارات صغيرة جراء ما قدمنه، تتوزع جهود السيدات الـ4 بين المستشفيات، منظمات المجتمع المدني، الحملات الجامعات والمدارس والجهات الرسمية "نعرض مقترحاتنا وأنشطتنا بكل الأماكن، عسى أن نمنع تكرار المآسي التي مررنا بها".

تابع موضوعات الملف:

30 عاما من الاختباء.. أمريكية توثق حياة عائلتها بفيلم بعد انتحار الأم

2

"الصحة العالمية": 800 ألف شخص ينتحرون سنويًّا وكورونا غيّرَ خريطة الصحة النفسية عالميًّا (حوار)

3

حصلتُ على فرصة ثانية.. كيف صنعت "فوندا" من محاولة انتحارها طوق نجاة لآخرين؟

4

"لا تشعروا بالخزي".. صحفية هندية تساعد من لديهم ميول انتحارية

5

فراق الأحبة مُر.. كيف ساندت أمريكيتان أهالي المنتحرين؟

6

فيديو قد يعجبك: