إعلان

ساعتان في قلب الدمار.. لبناني يوثق ما فعله انفجار بيروت

08:42 م الأربعاء 05 أغسطس 2020

من انفجار بيروت تصوير وائل حمزة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

لم ينم طوني واكيم ليلة أمس في منزله بمنطقة ذوق مكايل القريبة من بيروت، جمع بعضًا من أغراضه وتوجه صوب بيت صغير له في الجبل. أراد الشاب اللبناني أن يلتمس شيئًا من الأمان بعد ليلة عصيبة. ما أصاب انفجار المرفأ "واكيم" بضرر مادي، لكن ما عايشه على مقربة من الفاجعة ترك في نفسه أثر شبيه بما تفعله ساحات الحروب.

هزة عنيفة تغيرت بعدها شكل الطرقات في عين واكيم؛ كان الشاب اللبناني رفقة خطيبته، أنهيا للتو جولة تسوقهما بين محال بيروت، وفي طريق العودة عند مطلع شارع فردان التجاري؛ رُجّت سيارة واكيم، تبعها تكرار صوت انفجار أقل مما حدث، لون زهري تصاعد في الأفق، دخان شق الغيوم لينبأ بخطب وقع على بعد نحو 10 كيلو مترًا من وجودهما، لكن لوقت جهل الشاب ورفيقته به "صرنا نسأل شو صار ما حدا عارف حتى كان في جيش على الطريق قالوا ما بنعرف شو عم بيصير".

ينقسم المارة بين راكضون بلا خطى، مترجلون من سياراتهم لتنظيم السير المتكدس، وأخرون يهربون عكس الطريق. ما كان هناك مفر؛ تقدم واكيم في طريقه بالسيارة، مع كل خطوة يتجلى الخطب الكبير؛ الزجاج يكسو الطريق عن اليمين واليسار، محال ومطاعم سبق أن مر عليها الشاب، جميعها محطم، والمارة وجوم "العالم من الصدمة واقفة محلها كان في عجقة سير –زحام- بعدين صارت الناس تركض على سيارتها وتهرب". تسللت أنفاس الحرب إلى واكيم، تساءل بين نفسه "معقول إسرائيل قصفت شيء ببيروت؟".

كلما يقترب واكيم من مرفأ بيروت، يزداد المشهد سوءًا؛ أناس يكسو الدماء أجسادهم، يتحاملون بالركض بين الزحام للوصول إلى الصليب الأحمر أو أقرب نقطة إسعاف، وأخرون يتدلوا من سياراتهم لعلهم يجدون مسعفًا، فيما يقف حطام عربات خرجت عن مسارها، توشك على السقوط من حافة جسر بعدما أُطيحت إليه.

1

التفاصيل مؤلمة، الأصوات تتداخل؛ طائرات هليكوبتر تحلق للإطفاء، سارينة إسعاف، صدى صراخ يسكن الروح قبل الأذان، وهمسات مارة تحاول وضع أسباب لما وقع، فيما يتسمّر واكيم في مكانه، تتنازعه الحيرة "مش عارف شو بدي أعمل أساعد ولا أصور؟"، كأن ذاكرة الشاب مُحيت عما قبل تلك اللحظة "تذكرت أني أدمن لصفحة على فيسبوك. قلت خليني أنقل الحدث لأن ما في حدا كان متواجد لعمل هاي الشي. باركي –يمكن- أفيد غيري يقدر يجي يساعد أو حدا من العالم بره لبنان يطمنوا على أهلهم". يعقد واكيم العزم أن يفعل ما داوم عليه لـنحو 10 أعوام.

منذ عام 2010 ويجوب واكيم محافظات لبنان، يطوف الشمال والجنوب، تدور عيناه بين كل جميل لينقله رفقة أصدقاء له على صفحة أسمهوها "بنحبك يا لبنان"، في أشد اللحظات كانت تنبض الصفحة بالألوان وما تسر به العين، لكن مع انفجار المرفأ انطفأت البهجة، تبدل حال واكيم لينقل وجهًا آخر لبيروت. وجه محطم البنايات والقلوب، التقط منه القليل وكثير سجلته عيناه "في قصص ما صورتها لأن في عالم عندها قرايب ما بدهم يشوفوهم بهاي الحالة"، لذا اكتفى ابن محافظة جبل لبنان بتصوير آثار الدمار.

حينما بدا المرفأ لواكيم، حلت عتمة على نفس الشاب "كل شيء اتدمر. هنجارات فيها بضاعة كل الحديد تبعه اطحن". تساوت كثير من البنايات بالأرض، نحا الشاب الثلاثيني الظن الأول بأنه قصف عادي "لا هاد مثل قنبلة نووية صغيرة".

فتح واكيم كاميرا هاتفه في بث مباشر، أخذ يلملم آثار الانفجار وهو داخل سيارته، بينما يحاول شق طريقه بين الوقوف، ولمرات ثلاث ترجل مصورًا طرقات أرتدت يومًا حُلة بهية. في البداية تناسى الخوف، انصب كل الهم لتوثيق ما يحدث، لكن مع تتداعي الأحاديث حول وقوع انفجار آخر، قرر واكيم "أخفف شوية التصوير وعم جرب أهرب"، لكن التفاصيل ما غادرته.

2 (2)

لم يكن طريق الخروج من وسط بيروت سهلاً "اتعذبنا كتير تا نطلع"، لنحو ساعتين علق واكيم وخطيبته في المكان، الشرطة تخبر المارة أن يمكثوا في أماكنهم، فيما يريد العابرون الفرار، مثل كثير ممن ساقتهم الأقدار للتواجد تلك اللحظة، أخذ الشاب الثلاثيني يبحث عن مخرج، يعرج على طرق في الأوقات العادية ليس بإمكان السيارات السير فيها، فضلاً عما طالها من حطام، ابتعد واكيم عن مكان الانفجار بأكثر من 20 كيلومترًا كما يقدر، ومازال أثر الهدم باديًا، وزادت المعاناة ضيقًا لما رآه واكيم "كان في عالم صارت تسرق الألمونيوم والحديد اللي نازل من البنايات".

غاص قلب واكيم في الحزن، ضاعف الانفجار من وجع بيروت "بسبب الغلا هون صار الحديد غالي كتير"، أراد العامل بمجال الهندسة أن يلاحق "النبّاشين"، يصورهم ويعرف "كيف الناس في هيك مصايب مش سألانة على حدا وبالها بس تستفيد من الوضع"، وحده الذعر الذي عم بالمكان حال بين قيامه وتوثيق هذا.

مع الثامنة والنصف مساءً غادر واكيم وسط بيروت، حين بلغ منزله لم يصدق ما كان فيه، كأنما تواجد داخل كواليس فيلم سينمائي، لنحو نصف ساعة جلس الشاب اللبناني صامتًا، ظل يعيد السؤال في نفسه "شو اللي صار؟"، غاب عن الوعي رغم أن عينيه يقظة، لم يعيده سوى التفكير في شركة الكهرباء المتواجدة في ذوق مكايل –تبعد عن بيروت نحو 40 كيلو مترًا، وتغذي كل لبنان بالكهرباء، هاله التخيل "صرت افكر لو اتفجرت شركة الكهربا راح تكون أقوى مليون مرة من انفجار المرفأ"، فما كان إلا أن جمع أغراض له وفارق المنزل ليأوى إلى المبيت بالجبل.

3

100 قتيلاً ونحو 4 آلاف إصابة أسفر عنهم انفجار مستودعات ميناء بيروت، أمس الثلاثاء، أٌعلنت العاصمة اللبنانية مدينة منكوبة. يجزم واكيم أن طرقات لبنان الأيام القادمة سيسكنها الخوف بدلاً من المارة، تدور رأس الشاب حين يفكر فيما شهده بلده خلال أقل من عامين؛ بداية من الثورة، تراجع العملة، حرائق الغابات، ثم وباء عالمي لم يسلم منه البنانيين، تراجعت معه العملة ثانية "صار الدولار 8 آلاف ليره"، وأخيرًا انفجار دوى بالعاصمة يطيح أكثر بالوضع الاقتصادي. يؤرق واكيم الغموض المحيط بالقادم، لكنه يردد كما يفعل أهل لبنان "الله حدنا وهاي الأمل.. بيدبرها وبتفرج".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان