إعلان

من الفرح للغرق.. حكايات الضحايا وتفاصيل حادث "معدية البحيرة"

04:20 م الجمعة 14 أغسطس 2020

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب وصور - محمود عبدالرحمن:

انتهى الفرح وانصرف المعازيم، وتقاضى الشيف محمد عبدالله باقي حسابه على تجهيز وليمة العُرس، الذي أقيم أمس الأول الأربعاء، بقرية دمشلي التابعة لمركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة، استعد الطباخ وجمع معداته برفقة ثلاثة من معاونيه، لإعادة معدات الطبخ التي استأجرها إلى صاحبها بعزبة العرب التي يفصلها عن القرية ترعة الرياح البحيري، أحد روافد نهر النيل التي تغذي محافظتي البحيرة والمنوفية بالمياه.

تتحرك سيارة ربع نقل تحمل الطباخ ومعداته ومساعديه باتجاه المعدية التي تبعد مسافة كيلومتر عن العزبة، ينتظر سائق السيارة قدوم المعدية من الاتجاه الآخر، تقترب عقارب الساعة من ملامسة الثانية عشرة مساء، تتوقف سيارة نقل محملة بالأسمدة العضوية "مخلفات المواشي"، خلف سيارة الطباخ، دقائق تمر، تقترب المعدية من الشاطئ؛ ليستعد سائقا السيارتين للتحرك بإدارة المحرك.

الصورة الأولى

يبرر محمد عبدالعال سائق نقل، استخدام السيارات النقل للمعدية، بأن أول كوبري على بعد 8 كيلومترات، وسوف يرجع السائق الـ8 كيلو مترات مرة أخرى في الاتجاه الآخر، بعد عبور الكوبري؛ ليصل إلى هنا: "يعني 16 كيلو زيادة وده هيستهلك جاز أكثر"، فالأفضل دفع 20 جنيهًا مقابل عبور المعدية ويعتبر أرخص وأسرع.

يهبط القادمون مع المعدية من أهالي القرية وزائريها؛ ليشير بعدها عبدالرحمن خضر سائق المعدية العشريني، للسيارتين لصعود المعدية، تستقر السيارة ربع النقل بركابها فوق المعدية، يأتي الدور على السيارة النقل التي يعتبرها عبدالرحمن سائق المعدية السبب في غرقها: "سواق النقل دخل المعدية غلط، بدل ما يوسطن نفسه في النص دخل بجنب؛ ليختل توازن المعدية وفقدنا السيطرة عليها في غمضة عين"، وهو ما يتفق مع البيان الرسمي لديوان محافظة البحيرة، الذي أرجع أسباب الحادث المبدئية إلى انزلاق سيارة من سيارتين كانتا على متن المعدية، ما أدى إلى ميل العبارة وتعرضها للغرق.

"ابني ملوش ذنب في الحادث هو شغال من سنين في المهنة دي"، قالها خضر عبدالرحمن، والد سائق المعدية الذي نجا من الحادث. منذ طفولة عبدالرحمن صاحب الـ21 عامًا وهو يعمل سائق معدية، مر عليه على مدار فترة عمله العديد من السيارات التي قلها، لكن تلك المرة كانت مختلفة بعدما اختل توازن المعدية وأدى لغرقها يقول والده: "العبارة لسه جديدة بس العربية كانت طلعت العبارة بطريقة خاطئة".
وفقا لمحافظة البحيرة المعدية مخصصة لنقل السيارات والمواطنين وصدر لها ترخيص في 25 يوليو الماضي من مديرية الطرق والكباري بدمنهور، ويتوافر بها كافة الاشتراطات والصلاحيات اللازمة والترخيص سارٍ لعامين ويمتلكها محمد حازم زين العابدين.


.
الاستغاثات المقتضبة لبعض ركاب المعدية الذين لم يتجاوز عددهم 7 أشخاص -4 بالسيارة ربع النقل و2 بالسيارة النقل، وسائق المعدية- لفت انتباه بعض أهالي القرية الذين احتشدوا لاستطلاع الأمر.
سارع 4 من أبناء عمومته اثنان من الضحايا لإنقاذهم، ونجحوا في إنقاذ سائقي المعدية عبدالرحمن خضر وأحمد الرافعي، وثالثهم مصطفي رفعت أحد الثلاثة العاملين مع الطباخ، بينما لم يتمكنوا من إنقاذ أبناء عمومته، واتصل آخرون بالنجدة التي وصلت إلى المكان، وعثرت الضفادع البشرية على جثمان الطباخ محمد عبدالله الساعة 2 بعد منتصف الليل، كما يروي والده عبدالله السرسي، بينما استمر البحث عن الـ3 المفقودين.

الصورة الثانية

يقول والد الضحية استلمت جثة ابني وابن أخويا، ربنا يصبرنا ويرحمهم: "كانوا لسه في عز شبابهم، ابني 30 سنة ومتزوج منذ 6 شهور وابن أخويا 27 سنة"، يعتبر الأب ما حدث قضاء ربنا وقدره، مطالبًا وزارة التضامن الاجتماعي بتوفير معاش لزوجته؛ لأن راتبه لا يتجاوز 2500 جنيه شهريا وينفق منها على إخوته والبيت.

الصورة الثالثة

قبل ثماني سنوات، بدأ محمد الشاب الثلاثيني العمل طباخًا بالأفراح بالقرى المجاورة بجانب وظيفته شيفًا بإحدى الشركات، أراد الشاب أن يوفر دخلًا إضافيًا بجانب الوظيفة يساعده على مصاريف منزله وزوجته، يقول والده: "كان لما حد يطلبه في فرح مش بيقول لأ"، وبعد الانتهاء يذهب إلى الرجل لتسليم معدات الطهي ثم العودة إلى المنزل مرة أخرى: "المرة دي راح مرجعش"، يقولها والده بحزن.

قبل الفجر وصل ونش لانتشال السيارتين الغارقتين والمعدية، استطاعت قوات الإنقاذ استخراج السيارتين ورفع المعدية، وتمكنت الضفادع البشرية في الثامنة صباحًا من استخراج جثمان سائق السيارة النقل، بينما استمر البحث عن الضحيتين سائق السيارة ربع النقل وأحد العاملين مع الطباخ.
على جانبي ترعة الرياح البحيري احتشد العشرات من أهالي الضحيتين؛ فالأول من عزبة العرب ووقف ذووهم على البر؛ انتظارًا للعثور على الجثمان، بينما الثاني من قرية دمشلي انتظر أهله استخراج جثمانه على الشاطئ المقابل.



في الثالثة من مساء أمس الخميس، عثرت قوات الإنقاذ النهرى على الجثة الثانية لابن عم الطباخ محمد عبدالله الذي كان يرافقه ويدعي أحمد عبدالحميد، بالقرب من قرية علقام بعد أن جرفها التيار، بينما استمر البحث عن الجثمان الرابع والأخير، حتى عثر عليه فجر اليوم الجمعة، ودفنه أهالي القرية صباح اليوم، وقرر محافظ البحيرة اللواء هشام أمنة، صرف تعويض 60 ألف جنيه لكل ضحية من الضحايا الأربعة، موضحًا أن المحافظة تعاقدت على إنشاء كوبري بتكلفة 17 مليون جنيه وسوف يدخل الخدمة أوائل العام القادم.

الصورة الرابعة

أحمد عبدالحميد صاحب الـ27 عامًا، أب لطفلتين يتراوح أعمارهما بين سنة إلى 3 سنوات، يقول أحد أصدقائه بالقرية: "مكنش فيه مصدر دخل تاني ليه غير مهنة الطبخ" منذ خمس سنوات، تعلم أحمد مهنة الطبخ بالأفراح، بعدما اقترح عليه ابن عمه الأكبر معاونته في الأفراح التي يذهب إليها والحصول على بعض الأموال؛ لينفق منها على زوجته وأطفاله الصغار.
بين الحين والآخر تتكرر حوادث غرق المعديات النيلية، التي تعتبر وسيلة نقل لا يمكن الاستغناء عنها من قاطني التجمعات السكنية على امتداد نهر النيل وروافده، بسبب عدم وجود بديل لها، ونرصد في الجرافيك التالي أبرز حوادث المعديات خلال السنوات الماضية.

الجراف

في يوليو 2015، وافق مجلس الوزراء برئاسة الدكتور إبراهيم محلب على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الملاحة الداخلية وحركة الملاحة النهرية، ورأى مجلس الوزراء، أن العقوبات المنصوص عليها في القانون رقم 10 لسنة 1956 والمعدل بقانون رقم 57 لسنة 1962 فى شأن الملاحة الداخلية، لا تلبي الاحتياجات الحالية، ما استدعى وتغليظها مع استحداث عقوبات جديدة؛ لتجريم بعض الأفعال، التي لم يرد النص عليها مسبقًا في القانون المشار إليه.

الصورة الخامسة

حوادث المعديات المتكررة -بامتداد نهر النيل بصفة عامة وبترعة الرياح البحيري بصفة خاصة-، دفعت لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب برئاسة اللواء سعيد طعيمة قبل ثلاثة أعوام؛ لتحذير الحكومة من سقوط ضحايا جدد بسبب غياب الرقابة وعوامل الأمان للمعديات الناقلة للمواطنين والسيارات التي تعمل دون أي رقابة. وجاء ذلك عقب تقدّم النائب عبدالهادي إبراهيم، بطلب إحاطة يشكو فيه أن هناك 6 معديات على الرياح البحيري ناقلة للأفراد والسيارات بين محافظتي البحيرة والمنوفية، دون ضوابط أو وسائل أمان، مضيفًا أن تلك المعدّيات تُنذر بوقوع كارثة حقيقة وقد تتسبب في حوادث كثيرة".

فيديو قد يعجبك: