إعلان

منسيون ومنسيات (2)-هند نوفل.. تطلعات امرأة في صحافة القرن الـ19 (بروفايل)

10:49 م الأحد 21 يونيو 2020

مجلة الفتاة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي:

مغامرة مجنونة أم أن هوى الإسكندرية يناسب تلك الخطوة؟، في 1892 كانت المدينة على موعد مع العدد الأول للمجلة النسائية "الفتاة"، التي أصدرتها شابة في عمر الـ32، في ذلك السن قررت هند نوفل اللبنانية الجنسية إصدار "الفتاة"، مجلة وصفتها بأنها "علمية تاريخية أدبية فكاهية مختصة في جنسها".

لا يوجد الكثير عن هند، تلك الفتاة التي تنتمي لعائلة عاشت بسوريا، وفي عمر العشر سنوات سافرت العائلة لتُقيم بالإسكندرية، المدينة المصرية التي حفلت بحركة ثقافية كبيرة، وقد كان والديها كاتبين، حيث نشرت والدتها مريم النحاس، كتابها "معرض الحسناء في ترجمة مشاهير النساء" بينما عمل الوالد نسيم نوفل في الصحافة والترجمة في الحكومة المصرية.

2

لم يصلنا عن هند سوى أعداد مجلة الفتاة التي وثقتها الباحثة "هدى الصدة"، من مؤسسة المرأة والذاكرة، وتُبين صفحات المجلة أن هند مُطلّعة على ما يحدث خارج مصر، وتصلها أخبار العالم، تلك الأخبار التي جعلتها واحدة من النساء الذين حرّكن موجة الرتابة داخل مصر.

لا غرابة أن تتحدث هند في مجلتها عن أوضاع النساء، ففي السنة نفسها كان قد صدر لعائشة تيمور، الكاتبة والشاعرة، كتاب عنوانه "مرآة التأمل في الأمور"، الذي يتناول وضع المرأة وأدوارها الاجتماعية الجديدة، وقد افتتحت هند صفحات المجلة بكلمتها التي حثّت فيها النساء على الكتابة في "الفتاة" لـ"تزين صفحاتها بما يصل إليها من دور أقلام الفاضلات ونفايس أفكار الأديبات في المواضيع العلمية والفصول التاريخية والمناظرات الأدبية والشذرات الفكاهية، فإن مبدأها الوحيد هو الدفاع عن الحق المسلوب والاستلفات إلى الواجب المطلوب".

ما هو الحق المسلوب الذي تتحدث عنه هند؟، كانت المجلة وسيلة لأن تنشر فيها الصحفية الشابة آرائها عن الرجل والمرأة، وفي إحدى تلك الأعداد وضّحت أكثر وجهة نظرها تحت عنوان "فن المرأة واجباتها وحقوقها" قائلة "سلبت الفتاة حقها مع إنها في مبدأ الخلق واحد في الأمر والنهي والجد والسعي، والدنيا لم تخلق أحدهما دون الآخر بل وجدت ليعملا فيها بالسواء"، لكنها استثنت من ذلك المرأة المتزوجة، التي يتمحور أهم أدوارها في إدارة شئون منزلها.

3

وكما قالت الباحثة هدى الصدة "لم تكن هند تتحدى النظام السائد في تقسيم الأدوار الاجتماعية، فهي تقبل دور المرأة المحوري في العائلة، وقد آمنت أن العمل الأساسي للمتزوجات هو العمل المنزلي، أما غير المتزوجات فيمكن عملهن في المجال العام"، ففي زمن هند كان ما تنشره يعتبر أفكار تقدمية.

مسألة العمل كان محور أساسي بين صفحات المجلة، ففي أعدادها القليلة، حيث نشرت المجلة على مدار عامين فقط، بين 1892 و1894، العديد من أخبار النساء الذين يعملون حول العالم، ففي العدد الأول كانت تسرد ما يُشبه "البروفايل" عن بعض السيدات العاملات، بدأتها هند بذكر سيرة الملكة فيكتوريا، ثم سردت سير أخرى لنساء محررات في الصحف مثل سيرة ماريا مورجان الفارسة الأمريكية التي نعتها هند عبر "الفتاة"، في مقال بعنوان "خسارة ربات الأقلام"، حيث عملت ماريا كمحررة تكتب عن سباقات الخيول لمدة عشرين عاما.

5

ليس ذلك فحسب، بل كانت تنشر سيرة السيدات اللاتي يحققن إنجازات، حيث كانت تقسم الأخبار أحيانًا بحسب الدولة، وذكرت عن أمريكا خبر عن أول سيدة انتخبت كقاضية في الولايات المتحدة وهي السيدة حنة سكاي من مقاطعة يومينج، المقاطعة الوحيدة التي أجازت انتخاب النساء في ذلك الوقت.

وبجانب ذلك كانت هند ترى أن من الطبيعي معرفة المرأة لأمور الحياة من العلم والآداب وكذلك الخياطة والأزياء، فكان ذكر تلك المجالات المتباينة طبيعي داخل صفحات المجلة، ويتضح تواصل هند وتطلعها أيضًا من خلال السيدات التي استكتبتهن للمجلة، ومن بينهن صديقتها الشامية "هنا كوراني"، التي اعتلت منصة الخطابة في المؤتمر النسوي الأول الذي عقد في شيكاغو عام 1893، وأصبحت نجمة في الأوساط الثقافية، وكانت هند تنشر رسائل صديقتها لها على صفحات المجلة.

6

ما نعرفه عن هند نعرفه عبر المجلة فحسب، فمع توقف "الفتاة" بعد عامين فقط من صدروها، نعلم أيضًا عبر صفحاتها أن هند تزوجت، حيث نشر والدها نسيم نوفل إعلان لقراء المجلة في فبراير 1894، أن هند تزوجت من حبيب دبانه الذي يعمل في وزارة المالية، فيما يؤكد والدها أن المجلة مُستمرة في رسالتها التي نشأت لأجلها، لكن المجلة تتوقف نهائيًا في مارس من نفس العام.

رغم أن دور هند نوفل في مناصرة النساء لم يستمر سوى عامين فقط، عبر نشر المجلة، فبعد ذلك تتزوج هند، وتولي اهتمامها لأسرتها كما آمنت، لكن ما قامت به اطّلعت عليه الكثير من النساء، رُبما ترجمت ما اعتبروه خيالًا إلى حقيقة ليست ببعيدة عنهم، بل كل ما يحتاجون إليه إلى عقل مثقف وإرادة.

اقرأ أيضًا:

منسيون ومنسيات (1).. المطربة نازك خفيفة الروح (بروفايل)

فيديو قد يعجبك: