إعلان

إبراهيم نصر ورمضان.. مسيرة 6205 يومًا وراء "الكاميرا الخفية"

12:13 ص الأربعاء 13 مايو 2020

إبراهيم نصر

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد زكريا:

في الشهر الذي أحبه، أخلص فيه بأعمال فنية خالدة، غيب الموت الفنان إبراهيم نصر، اليوم الـ19 من رمضان، عن عُمر يناهز 70 عامًا، تاركًا وراءه مسيرة فنية عامرة بالضحك والإتقان، والنجاح الجماهيري بشهادة "الكاميرا الخفية".

البداية مع "الكاميرا الخفية" تتماشى مع فنان، لطالما أضحك الملايين بارتجال مُبهر.

في طريقه إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون، لاستخراج بعض الأوراق، قابل إبراهيم نصر الأستاذ عبد المنعم غالي، والذي رُقي لتوه لإدارة القناة الثانية، ليعرض صاحب المكتب الجديد على الفنان استضافة على شرف فنجان قهوة، ويوافق نصر على الفور، "هناك قالي عايزين نعمل حاجة تقعد الناس في البيت.. يتفرجوا ويضحكوا"، الحكاية جاءت على لسان نصر في برنامج تلفزيوني، والذي بدوره عرض فكرة برنامج مقالب، كاميرا خفية، جعلت المسؤول يتململ في البداية، قبل أن يعده نصر بـ"عمل حاجة متعملتش في مصر والعالم كله"، لم يدع غالي لنصر فرصة لإكمال كلماته، ليجري مكالمة تليفونية لم يتعرف نصر على طرفها الثاني، إلا بعد انتهائها، رغم أنه فهم فحوى ما جاء فيها، "المجنون المبقلظ ده.. أنا عارفاه.. طلعلوا عربية وكاميرا وأبدأوا تصوير"، هكذا ردت الأستاذة سهير الأتربي رئيسة الإذاعة والتلفزيون في ذلك الوقت على عرض نصر.

لم تكن كلمات الأتربي جزافية، أو فض مجالس، كما لم ينتظر نصر طويلا، في اليوم التالي "روحت، وعملت الحلقات، وكانت ارتجالية، ونزلناها في رمضان على القناة الثانية، تحت اسم (انسى الدنيا).. وكسرت الدنيا".

كان ذلك في أوائل التسعينات، وفي العام التالي، فوجئ نصر "أن محدش كلمني من التلفزيون"، ليتجه إلى القنوات الخاصة "قالولي لو كنت بتاخد 100 هنديك 700، المبلغ كان ساعتها خرافي بالنسبة لي"، ليلتقي في الموسم التالي له مع "المخرج العبقري رائد لبيب"، والذي كانت كلماته الأولى له: "تعرف إنك ضيعت علينا السنة اللي فاتت كاملة، ولا مليم دخل للمسلسل اللي كنت بعمله، خدت كل الإعلانات"، ليرد عليه نصر: "مش مهم، إحنا دلوقتي سوا"، ليحقق الثنائي نجاحًا مهولاً فيما بعد، "جبنا أعلى سقف إعلانات في مصر.. وابتدت الحلقات تتدحرج سنة ورا سنة".

في العام الثامن، وجد نصر مع فريق العمل، أن هناك حاجة لتغيير، حتى لا يمل المشاهد، أو يفقد البرنامج جمهوره الكبير "فكرنا ننتج شكل جديد للكاميرا الخفية، فكانت شخصية زكية زكريا"، حققت تلك الشخصية نجاحًا كبيرًا، وعلِقت "إفيهاتها" مع المشاهدين لسنوات طويلة، ربما تسمع منها إلى الآن: "يا نجاتي أنفخ البلالين عشان عيد الميلاد"، لكن وراء تلك الشخصية التلفزيونية حكاية من واقع إبراهيم نصر المعاش.

في أكثر من لقاء تلفزيوني، حكى نصر أن "كاركتر ذكية زكريا" لم يكن محض خيال، بل ابنة لواقع عاشه الفنان "شخصية لـ3 ستات لا زلت احتفظ بهم في اللاوعي عندي، ضربتهم في خلاط وطلعت منهم بزكية زكريا"، حاكيا في حوار صحفي لموقف جمعه بسيدة لصقها الناس باسم سيدة المقالب بعد اشتهار الحلقات "كنت في بنك، بعد وقت من نجاح زكية زكريا مع الناس، وأنا قاعد مع مدير البنك، لقيته بيعمل اتصال، وبيطلب موظفة عنده اسمها زينب، بعد دقيقتين لقيت واحدة داخلة علينا، نسخة من زكية زكريا، المدير ضحك، فالسيدة قالت له بنفس الصوت: كدا برده تكسفني قدام الأستاذ إبراهيم.. فطسنا على نفسنا من الضحك"، ليطيب الفنان خاطر السيدة بعد انتهاء ضحكاتهم "فضلت أهزر معاها وأقولها إني بحب الشخصية جدًا، وهي زي القمر، ولو حد قال إنها وحشة أنا أضرب الدنيا كلها"، ضحكت السيدة وشكرته.

لـ17 عاما، 6205 يومًا، تفرغ الحاصل على درجة الليسانس من كلية الآداب لــ"الكاميرا الخفية"، لم يكن يشارك في أعمال أخرى "كنت بتفرغ الـ12 شهر عشان الـ33 حلقة بتوع رمضان، عشان الناس تشوف حلقة مختلفة عن التانية".

رغم النجاح الباهر لـ"الكاميرا الخفية"، رسا نصر على ضرورة التغيير "إنك تقعد تعمل ده طول العمر صعب جدا"، هكذا رد الفنان على سؤال إعلامية سألته عن قرار الانتهاء من تقديم برنامج المقالب، حاكيا عما فكر فيه وقتها "في يوم من الأيام كتب صحفي: إبراهيم نصر خرق السقف، هيعمل أيه بعد كده؟"، أثار سؤال الصحفي تفكير الكوميديان وخوفه، "قولت لنفسي إيه ممكن الواحد يعمله تاني فعلا.. فلقيت نفسي داخل على الدراما والسينما".

على درب "الكاميرا الخفية"، كان نصر ينتقي أعماله التلفزيونية والسينمائية "أنا مش الراجل اللي تضحكي عليه بتفحاية وعنقود عنب، لكن تضحكي عليه بدور حلو"، وعلى هذا صار يختار أعماله ويخلص فيها ولها.

فنصر الذي بدأ حياته الفنية كمونولوجيست، يقلد أقرابه، قبل أن يسند له أصوات الشخصيات الأربع الكرتونية فى فوازير "الخاطبة" للفنانة نيللى، ويشارك في برامج الأطفال، قدم أعمالا تلفزيونية منها "على باب زويلة" و"مارد الجبل" و"الزمن المر" و"حكاية لها العجب"، فضلا عن أفلام بارزة كـ"مستر كاراتيه" و"الستات" و"شمس الزناتى" و"إكس لارج" و"الكهف"، لينتهي بمسلسل "فوق السحاب" في العام 2018، فيما ظلت "الكاميرا الخفية" أكثر ما يعتز به ابن حي شبرا، ويعلنه على الملئ.

رغم افتخار نصر بما سبق برنامج المقالب من أعمال، وصفها في حديث تلفزيوني بـ"جامدة جدا، وعالمية"، كـ"زيت الحيتان، الإمبراطور جونز، شرقا إلى كرييف"، يعترف بأنها لم تحقق النجاح المرجو منها "كان بيشفها العشرات بس"، ولهذا حمل الكوميديان للـ"الكاميرا الخفية" اعتزازًا من نوع خاص، درجة أن ظل هاجس تقديم نسخا جديدة منها يلاحقه حتى وفاته، في الـ12 مايو 2020.

في ظهور صحفي له، عبر نصر عبر مقطع فيديو، عن خوفه من إعادة التجربة، قال: "واحشتني الكاميرا الخفية"، ورغم استقباله لعروض مغرية لإتمام الأمر، "قولتلهم لو جبتولي مال قارون مش هتقدروا تقنعوني.. مازلت جبانا.. خايف ارجع فاعمل حاجة أقل، أو الناس تقابلني في الشارع تقولي ليه كده يا إبراهيم يا نصر، أهو ده لو حصل هتلاقيني جاري على ظابط شرطة واخد الطبنجة بتاعته وضارب نفسي"، لم يحدث هذا بالطبع، توفى "أسطورة الكاميرا الخفية" في رمضان، كانت تلك آخر مقالبه للجمهور، لكن حزين.

فيديو قد يعجبك: