إعلان

جنوبية حرة.. "الثورة في دم بنات أسوان"

07:13 م السبت 09 فبراير 2019

جنوبية حرة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا الجميعي:

كانت الثورة أشبه بـ"عدوى" لهن، فقد لمسن وضع مُتيبّس كصخرة غير قابلة للتفتت، داخل المجتمع الأسواني، ما بين ختان الإناث والتحكمات القبلية صارت السيدات أشبه بالدمى، ومع مدّ الثورة جاءت الفرصة لمجموعة بنات في التمرد، فيما نجحن في تأسيس مشروع باسم "جنوبية حرة".

منذ شعاع الثورة وطيلة سبع سنوات خلت قامت "جنوبية" بالعديد من الفاعليات؛ ما بين ورش تدريبية وجلسات حكي وسلاسل بشرية ورسم على الجُدران ودراسات بحثية، جميعها لأجل نساء أسوان في مراكزها الخمس، فمهمّة جنوبية تكمن في عدد من القضايا على رأسها القضاء على العنف الأسري والمجتمعي.

1

مازال الحادث راسخ داخل رؤوسهن، تتذكر فتيات جنوبية، أماني مأمون وسهام عثمان، اثنتان ضمن فريق العمل، الموقف الذي دفعهن لتأسيس جنوبية، وسط زخم الثورة وتوابعها التي شاركن فيها بكل جوارحهن، قررت فتاة ضمن الائتلافات الثورية ببدء المسيرة المتفق عليها، بعد تأخر الشباب عن الموعد المحدد، تسارعت الأحداث، هتفت الفتاة، وقوبلت بالضرب من قِبل أحد الأشخاص، مع وصول الشباب لم يقوموا بحمايتها بل إدانتها، واجراء تحقيق معها "هي ازاي تاخد قرار من دماغها؟".

منذ بداية الثورة شاركت فتيات جنوبية بجانب 20 شاب، كانوا هم قوام يوم 25 يناير، لكنهن بعد ذلك الموقف تحديدًا فوجئن أن القمع ذاته اللاتي عانين منه داخل بيوتهن، هو نفسه الموجود داخل عقول شباب الثورة "حسينا إننا مجرد تابعين مالناش رأي"، تتذكر سهام موقف دال؛ داخل المظاهرات الموجودة بأسوان أثناء الثورة، إذا هتفت فتاة لن تجد أحد يهتف ورائها سوى واحدة من نفس الجنس "الشباب مكنوش بيهتفوا ورا أي بنت، حتى مسيرة ست البنات مشاركوش فيها"، كل ذلك جعل "جنوبية حرة" خيارهن للحرية التي نادوا بها دون أن يلمسوها.

2

ديسمبر 2012 كان إيذانًا بالبدء الفعلي، سحبت الثورة ورائها طاقة كبيرة جعلت الجميع يشارك في المجال العام، تقول أماني مأمون، واحدة من الفريق، إن رغبتهن كانت "ميبقاش فيه حد وصي علينا"، ومن أبرز المشكلات التي أردن محاربتها هي "الختان وزواج القاصرات"،كما تمنين تأسيس مركز دعم نفسي وقانوني كما تذكر أماني، غير أن المجال المفتوح بعد يناير فاجئهن بحجم الكوارث المتوارية "فيه بلاوي كتير بتحصل بس الستات في الأول مكنوش بيتكلموا".

تعيش أماني بقرية صغيرة تابعة لأسوان، هُناك الأهالي يعرفون بعضهم البعض، غير أنها وجدت عددا من رجالها يُظهرون ما ليس فيهم، في جلسات الحكي التي تُنفّس فيها الفتيات عما يدور داخل صدورهن "حكوا عن رجالة شكلهم مُحترمين لكن الحقيقة مش كدا"، يعيش بعضهم بالشارع نفسه التي تسكن فيه أماني.

3

تطلعات المشروع الكبيرة بحجم أحلام الثورة كانت تنحسر -أحيانا- مع الوقت "كان لازم يحصل كدا عشان نعرف نتعامل مع الواقع ده"، فمما اكتشفوه أيضًا؛ كانت الشهادات التي جمعنها من سيدات خلال أحداث "الهلايل والدابودية" -وهي واقعة ثأرية قامت بين قبيلتين في 2014- كانت المرة الأولى التي يتم اختطاف السيدات كما تذكر أماني "كان ممكن يحصل في أحداث عنف الطعن في الشرف لكن اختطاف للضغط دي كانت أول مرة".

لم تغب الثورة عن بال فتيات جنوبية، مع اصطدامهن بالواقع قُمن بالتركيز على قضية بعينها وهي العُنف الأسري والمجتمعي، تؤمن سهام، واحدة من الفريق، أن حل تلك القضية هي السبيل الأوحد لتمكين الفتيات والسيدات في المجتمع، ومن ثمّ بدأت جنوبية بالتعاون مع مؤسسات نسوية نشطت مع الثورة، وتمكّنّت من جمع شهادات للسيدات، ففضلًا عن أحداث القبيلتين، جمعنّ شهادات السيدات عن التحرش داخل كُتيب صوتي اسمه "أول ما جالوا دي بنية"، وخلال مؤتمر قامت جنوبية بإعلان الكتيب، لكن الأمر لم يمر مرور الكرام "فيه شباب حضروا وقلبت بخناقة معانا، معجبهمش الكلام".

4

مُشكلات عديدة دخلت فيها جنوبية، لكن الأمر لم يصل حدّ التوقف، بل نجحت المبادرة في التحول إلى مؤسسة تعمل بشكل قانوني منذ 2015، ووصل عدد أعضاء جنوبية إلى ستين شخص "50 بنت و10 لاد"، تضيف سهام.

من بين الأعضاء كان حسام عبد اللطيف، انضمّ الشاب لجنوبية منذ 2015، رغم أنه لم يكن واحدًا من المهتمين بقضايا المرأة في البداية، غير أن الثورة وتبعاتها التي شارك فيها جعلته يهتم بمجال حقوق الإنسان، ومن بينها حقوق المرأة، ليكتشف مع الوقت أنه كان واحدًا ممن مارسوا العُنف ضد المرأة، فبحسب تعريف الأمم المتحدة هو "أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، إلى أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو المعنوية".

"أنا ابن ست مطلقة، اتجوزت جواز قاصرات، وهي عندها 15 سنة".. يحكي حسام كيف أدرك أن والدته واحدة ممن وقع ضدهن ذلك العُنف، لم يستطع حسام أن يفهم ذلك سوى مع حضوره لورش جنوبية، ليُدرك أن عليه التغير هو أيضًا "ومبقتش اقول كلمة ضد الستات حتى لو كوميكس على الفيسبوك".

5

رغم مرور السنين إلا أن الثورة مازالت في أذهان فتيات جنوبية، يذكرنها في كل ورشة تعريفية واجتماع خاص بهن، فمها أسامة التي كانت طالبة بالثانوية العامة حين قامت ثورة يناير، تُدرك فضل الأحداث على جنوبية "عرفت قصة المشروع في أول مرة حضرت فيها ورشة"، كما اختلفت نظرة طالبة كلية تربية لما تربّت عليه لسنوات "كنت فاكرة إن الست واخدة كل حقها"، فوجدت عكس ذلك "انتبهت إن الولاد هما بس اللي في الاتحاد، مفيش بنت بتترشح".

المنظور الجديد الذي رأته مها، هو نفسه الذي قابلته مروة حسن، واحدة ممن حضرن ورش جنوبية أيضًا، تعمل الشابة كمصورة لسنين طويلة، كانت تُقابلها مشكلة تجاه مقاييس الجمال المتزمتة، لم تُدرك ضيقها من انتقاد شكلها سوى مع حضورها لورش تعريفية بحقوق المرأة "فهمت حاجات كتير مكنتش عارفة أعبر عنها"، قامت الشابة بعد ذلك بإقامة معرض صور اسمه "بازل"، تستعرض فيه وجهة نظرها "مفيش حاجة اسمها كدا، مينفعش حد يشوف بنت وحشة بسبب إنها مش بتحط مكياج مثلا أو إن عندها عيب خلقي"، ذاك من خلال صور تُعبّر فيها فتيات حقيقيين عن مُعاناتهم "فيه بنت اتقالها انت عندك قورة كبيرة، والتانية انتي ايه الكلاكيع اللي عندك دي".

6

على مدار سبع سنوات شهدت أماني وسهام تغيرات خلال العمل بجنوبية، سواء حول نظرتهما لأنفسهما أو ردود الأفعال التي يتلقاها من قِبل الفتيات والسيدات "زمان لما كنا بنقول عنف ضد المرأة، كانت الناس تنكر"، أما الآن "بقيت أحسّ إن الستات رافضة تعيش حياة مش عايزاها"، تعمل أماني كمسئولة قانونية داخل جنوبية، وتُحاول توفير سبل التضامن والدعم النفسي للفتيات، من بينها ما قامت به لفتاة من قبيلة الهوارة "كانت متجوزة لواحد من خارج العيلة، وأهلها مصرين إنها تتطلق، كنت على تواصل معاها على طول".

حجم التغيير لا يُقاس فقط على فتيات خارج المؤسسة "إحنا في الأول والآخر بنات وبنقيسه على نفسنا"، تقول سهام التي تخوض معركة أخرى بجانب جنوبية، وهي إيمانها بالقضية النوبية، حيث قامت بالترشح ذات مرة لمنصب أمين عام الاتحاد النوبي "والرجالة رفضوا وطلبوا إنه يبقى فيه بند بعدم ترشح السيدات للأمانة العامة"، ولم تستسلم سهام للأمر، فقامت بالترشح بالفعل "بس مكسبتش في الآخر"، كُل ذلك لم يفت في عضد الفتاة بل تكمل إلى الآن مسارها الداعم للقضية، كما أن السفر خارج نطاق أسوان كان مُحرمًا عليها، لكنها كسرت ذلك.

7

تضع سهام نُصب عينيها دور الثورة "هي السبب في إننا نتقابل كفريق، وعنينيا تشوف الظلم الواقع علينا"، حاليّا تعمل جنوبية على ورشة عن مراعاة النوع الاجتماعي في المحتوى الخبري ""الإعلام مبيفكرش في المصطلحات اللي بتتقال على البنات وبتكون مهينة".

رغم مرور السنوات إلا أن أثر الثورة مازال ينبض في عروق فتيات جنوبية، في كُل مرة يتمكّن فيها من النجاح، عقد ندوة، مشاركة عديد من البنات، وتمكنّهن من التعبير عن أنفسهن، أو في القرارات التي يتمكنّ من اتخاذها في حياتهن بعد ذلك "بقالي اسمي ومكاني، ومعروف إن محدش بيحركني، كلمتى من دماغي أنا".. هذا ما يتردد في عقل فتيات جنوبية.

تابع باقي موضوعات الملف:

"الثورة يعني بناء".. كيف طوّر 24 مصريا قرى الفيوم؟

2019_2_11_18_25_42_40

"الثورة صالحتني على البلد".. "مونيكا" تركت إيطاليا للحفاظ على آثار مصر

2019_2_11_13_8_15_623

مّد الثورة إلى الصعيد.. "مجراية" الثقافة والسينما في "ملوي"

2019_2_10_13_48_20_346

قصة "السيد" مع الثورة.. درس التاريخ الذي أسقط حسني مبارك

2019_2_11_14_51_11_118

أثر الثورة لا يزول.. رحلة مبادرة "لاستخدام العقل" من القاهرة للمحافظات

2019_2_10_21_47_24_619

فيديو قد يعجبك: