إعلان

تُحلق بعيدا عن "الكرسي المتحرك".. حكاية فتاة ليبية مع الطب والمسرح

01:46 م السبت 23 فبراير 2019

سهام الهادي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

منذ كانت طفلة، تعرف سهام الهادي أنها مختلفة. جسدها أصغر من زملائها بالمدرسة، تحتاج لمن يحملها من مقعد لآخر، لا تستطيع الركض كما تتمنى، لكن عقلها يحلق بعيدا، يُعانق الأحلام في أرضٍ بعيدة؛ حيث لا مرض أو كرسي متحرك. دائما ما وضعت سهام الأمنيات نصب عينيها، فإصابتها بهشاشة العظام وضعف المناعة لم يمنعاها من الوصول لشيء، وبينما حُرمت الفتيات في بعض مناطق ليبيا من التعليم، استطاعت ابنة الدولة العربية استكمال التعليم الجامعي وعمل دراسات عليا في مجال التقنية الطبية.

داخل دار الأوبرا المصرية، تدربت سهام أول أمس لتقديم مسرحية تعبيرية برفقة زميلتها، ترويان فيها ألم الطريق والتحديات. كان ذلك في إطار ملتقى أولادنا لفنون ذوي القدرات الخاصة الذي بدأ فبراير الجاري تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبرئاسة الدكتورة سهير عبدالقادر، واستمرت فعالياته على مدار أكثر من أسبوع وانتهت أول أمس بعروض قدمتها فرق من 37 دول عربية وأجنبية.

صو 1
على بُعد 60 كيلو من العاصمة الليبية طرابلس، بدأ كل شي. فقبل 38 عاما وُلدت سهام بهشاشة شديدة في العظيم "يكاد العظم ينكسر من أقل شيء" حسبما تقول، لكنها دائما ما كانت عنيدة "مكنتش أبدا أحب الكرسي المتحرك ولا استخدمه"، حالتها الصحية لم تسمح لها بالحركة بمفردها "كان الكرسي عم يحسسني إني مشلولة أو إني مختلفة عن اللي حواليا"، لذا كان البديل وقتها أن ينقلها أحد من مكان لآخر ويتركها فيه حتى يعود لها؛ كان ذلك شاقا، إلا أنها ارتضت به طوال أيام دراستها ولم يتغير الوضع إلا في الجامعة، حيث اضطرت لاستخدام الكرسي.

سهام لم تكن وحيدة؛ لطالما دعمها والدها ووالدتها "أبي كان مدرس لكنه تقاعد مبكرا عشان يهتم فيني أكتر". لازمها في كل خطوة، هوّن ذلك عليها الصعاب، لكنه لم يزيلها تماما، فليبيا تفتقر لأساسيات مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة "مثلا بتذكر إنه كل فصولي في الدراسة بأدوار عليا، ما كان فيه مرافق ليا داخل المدرسة يساعدني، كنت بضل طول اليوم على الكرسي لحتى ييجي أبي ياخدني".

الشفقة ليست في قاموس سهام "صحيح ما عندي قدرة أمشي لكن عندي عقل، شو راح خبر ربنا لما يسألني عملتي بيه إيش؟"، التحقت بقسم العلوم الطبية بالمرحلة الثانوية، ما أهلها للدراسة بكلية التقنية الطبية قسم المختبرات؛ مازالت تتذكر اليوم الأول بين 450 طالب وطالبة "كان أخي اللي موديني الجامعة، فاكرة نظراتهم إلي باستغراب أول ما دخلت المدرج، كان إشي مفزع بس كسرته مع الوقت"، صارت طالبة مجتهدة، محبوبة بين زملائها ومن أوائل دفعتها على مدار الأربع سنوات، غير أن ذلك لم يمنع حدوث عوائق كثيرة.

صو   3
مشكلة سهام الكُبرى لم تكن إعاقتها، بل تقبل المجتمع لها، تحكي عن أحد الأساتذة بالكلية قال لها "إذا انا مكانك بضل بالبيت أحسن لي"، كسر ذلك فيها شيئا، لا سيما وأنه كان عقب أشهر قليلة من بدء الدراسة، لذا ومع نهاية الفصل الدراسي الأول حصلت سهام على الترتيب الثاني في الدفعة بتلك المادة، وبقي ذلك دربها طوال سنوات الجامعة "وكان حلمي أتعين كمعيدة"، غير أن كسرا آخر أصابها، حين أخبر أحد المسئولين بالكلية أبيها أن التعيين مستحيل "بسبب ظروفها الصحية".

حُب سهام للفن بدأ منذ سنوات، شاركت في العديد من العروض المسرحية المهتمة بقضايا ذوي القدرات، لكن تغييرا أكبر طرأ حينما تم رفض تعيينها كمعيدة، وقتها اهتمت الصحف المحلية بقصتها "ففكرت ليش ما اعمل فيلم صغير عن حياتي أفهم الناس إنهم يضلوا يحاولوا؟"، صنعت فيلما وثائقيا قصيرا يرصد تجربتها مع المرض، قبل أن يتم عرضه في أكثر من مناسبة بليبيا.

عاما كاملا اعتكفت فيه سهام داخل منزلها "كان البكاء غير منقطع بسبب اللي جرا لي بعد الجامعة والظلم"، ظنت لوهلة أنه لا أمل في الأفق، قبل أن تأتيها فرصة ثانية "فكرت إنه أكمل دراسات عليا بأحد الأكاديميات"، كان المكان باهظ الثمن ويقع على بُعد ساعتين بالسيارة وغير مُجهز لحالتها "بس خبرت والدي إنه خليني أروح أتفاهم معاهم ونشوف"، أقنعت سهام مدير الأكاديمية أن يعفيها من المصاريف، بدأت فصلا جديدا في مجال الطب الذي تحبه، أنهت دراستها وفتحت مركزا خاصا برفقة أحد الزملاء وهناك أعطت دروسا للطلاب كما درّست بالتوازي داخل أحد الأكاديميات الخاصة "وبعد أربع سنين صار عندي خبرة كافية تخلي أي جامعة بليبيا تشغلني وهذا ما حدث".

حياة سهام عامرة بالحركة "انا حدودي ما هي الكرسي". بين تدريسها، عملها في معمل أحد المستشفيات، وحياتها الخاصة تقسم الفتاة وقتها. كل يوم هو فرصة جديدة لها، باتت تهتم بحضور ورش لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة، فتح ذلك لها آفاقا أخرى، صارت اكثر اعتمادا على نفسها، سافرت بمفردها للمرة الأولى خارج ليبيا في ديسمبر الماضي "كنت بحضر مؤتمر لذوي الاحتياجات الخاصة بتونس"، هناك قابلت أحد المسئولين عرض عليها المشاركة بفيلمها في ملتقى أولادنا.

صو  2

أحلام سهام واسعة، تنتظر فقط الفرصة لتنفيذها "بتمنى كمل الدكتوراه في تخصصي"، وأن تُنشئ مؤسسة لدعم الأطفال ذوي الإعاقة "يستاهلوا نربيهم على الثقة بأنفسهم لحتى يقدروا يواجهوا الناس"، توقن ابنة ليبيا أن ذلك دورها، فقد ودت في بعض الأوقات لو يأخذ أحدهم بأيديها، تذكر أحد مديريها في مستشفى حكومي والذي قال لها "الكرسي بتاعك عامل لنا زحمة في المعمل"، قسم ذلك قلبها نصفين، أخذت إجازة أسبوعين، ولم تعد إلا حينما حضرت ورشة للدعم النفسي بالصدفة "ولولاها يمكن كنت تركت شغلي".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان