إعلان

أثر الثورة لا يزول.. رحلة مبادرة "لاستخدام العقل" من القاهرة للمحافظات

09:48 م الأحد 10 فبراير 2019

مبادرة لاستخدام العقل

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

عقب رحيل مبارك، كانت النشوة تملأ قلب شريف حسني، لكن القلق يساوره؛ كيف سيتعامل المنتصرون مع الأوضاع الجديدة؟، كيف سيهتدون فيما بينهم لقرارات حكيمة وهم الذين تنقصهم الخبرة؟، أسئلة كثيرة طرحها طبيب عيون الأطفال الأربعيني حينها، تأكدت مخاوفه خلال التعديلات الدستورية في مارس 2011، إذ اتسعت رقعة الاستقطاب، سيطرت البلبلة على المحيطين به، وقتها قرر استخدام ما درسه في البرمجة اللغوية العصبية؛ أن يحدث المقربين منه عن استخدام العقل لتطوير المهارات الشخصية، تقبل الآخر، وامتصاص الاختلاف. بدأ المبادرة من داخل قصر العيني حيث يعمل والآن درّب وفريقه أكثر من 17 ألف شخص في جميع أنحاء مصر.

1

قبل الثورة درس حسني البرمجة اللغوية العصبية، التي تسعى لتعريف الإنسان بتركيبته النفسية والعقلية، وكيفية التعامل معهما، وفهم حدود قدراته. بعدما خاض طبيب عيون الأطفال ذلك المجال لمس تغييرا في شخصه "بقيت أهدى، أكثر قدرة على تقبل الناس وعقلي منفتح أكتر"، وحينما لاحظ أصدقاؤه ذلك التغيير طلبوا منه إعطائهم كبسولات بسيطة "لأن وقتها كنا في فبراير وكان فيه شد وجذب بين الناس كتير.. كان كل واحد بيفكر البلد رايحة فين وهنعمل إيه؟"، جلسات صغيرة جمعت حسني وزوجته وولديه وبعض أصدقائه داخل نادي التوفيقية للتنس "ومرة مع التانية شافتنا إدارة النادي وقالتلي طب ما تدي ندوة للناس ويستفادوا".

مباديء بسيطة شرحها حسني في ندوته الأولى "إزاي نتقبل الآخر.. إزاي نسمع ونفكر قبل ما نتكلم"، لاقى الأمر استحسانا، شعر الطبيب الخمسيني أنه يجني ثمار ما يفعل، لذا قرر تدشين مبادرته "healthy minds"، على أن ينطلق من داخل كلية طب قصر العيني حيث كان يدرس.

2 (1)

تفاصيل البرمجة اللغوية العصبية متشعبة، يمكنها خدمة أصحاب مجالات متعددة، فهي تهدف لتحسين مهارات الفرد الحياتية "عشان كدة أول حاجة عملناها تبع مبادرتنا كانت مبادرة اسمها الحكيم"، كان ذلك بين جنبات قصر العيني، بالتعاون مع الجمعية العلمية الطلابية، حيث أعطى حسني محاضرات للطلاب لكيفية التعامل مع المرضى "إزاي ميكونوش مجرد كتب متحركة على الأرض". في ذلك الوقت، كان حلمي مجاهد طالبا في كلية الطب جامعة الفيوم، لكنه سمع عن النشاط وحضر الندوات.

"كنت أول مرة أسمع عن الجانب الاجتماعي من مهنة الطب، دة مبندرسوش في الكلية، بنعرفه بس بالخبرة والتخبيط والغلط". يتذكر طبيب الامتياز مواقف عدة واجهها مع المرضى، استعاد فيها محاضرات حسني "التعامل مع الناس مرهق وصعب ولو الطبيب معندوش مهارة اجتماعية هيبقى دكتور سيء مهما كان شاطر، لسة انا وزمايلي لحد دلوقتي بنفكر نفسنا بكلام دكتور شريف اللي سمعناه".

3

تكررت المرات التي حضر فيها مجاهد لصاحب المبادرة "هو جالنا الفيوم بعدها أكتر من مرة". بالنسبة للطبيب الشاب، لم يلمس آثار ثورة يناير إلا من خلال المبادرات الشبيهة "كان فيه زخم كتير وكل واحد كان عايز يساعد على قد ما يقدر، ساعتها كنا بنثور على كل حاجة تخصنا مش بس النظام".

في إبريل 2011، ذاع صيت ما يفعله حسني، تواصلت معه نقابة الأطباء لتكرار المحاضرات هناك "طالما الموضوع أثره كويس، ليه متبقاش محاضرتنا بتركز على الأطفال والشباب، هما السن الواعي بالثورة أكتر"، في أواخر 2011 منصب نائب مدير مستشفى أبوالريش الياباني للأطفال، وقتها خطط مع المتطوعين أسبوعيا لعمل مسرحية لأطفال المستشفى، تحدثهم عن القيم المختلفة، قوبلت الفكرة بالاستياء في البداية "كان فيه دكاترة بيقولوا إيه المسخرة دي؟"، غير أن انبهار الصغار هوّن الكثير "فاكر إن فيه ولد من الصعيد كان بييجي كل أسبوع المستشفى يتابع حالته ويحضر المسرحية"، وفي إحدى المرات لم يستطع فريق المسرحية القدوم "الولد فضل واقف قدام الأوضة اللي بيعرضوا فيها شوية مستنيهم لحد ما يأس ومامته خدته ومشيت".

4

كان لابد لمبادرة "العقل الصحي" أن تتوسع، بات لهم حضور من المحافظات ومع مطلع 2012 انطلقوا للفيوم، ثم سوهاج ومرسى مطروح.

الثورة ظلت في قلب حسني طوال الوقت، ينقلها للحضور بشكل غير مباشر "كنا مرة عاملين سلسلة ندوات اسمها اكتشف نفسك، فيه بنت قاللتلي أنا كل مرة بروّح مصدعة بسببك قولتلها هوده اللي انا عايزه". أكثر من معسكر لإعداد القادة شاركت فيه المبادرة "روحنا مرسى مطروح وسوهاج ومحافظات وجه بحري"، كانت المعسكرات تستمر أسبوعا يشمل محاضرات توعوية ثقافية ومعرفية وتعليمية لشباب وفتيات من مختلف الجامعات، يفخر حسني بما قدموه خلالها، لكنه يسعد أكثر بمشاركتهم في تأسيس مركز إعادة القادة بجامعة القاهرة عام 2014.

5

أربعة أفراد فقط هم التعداد الثابت لفريق "العقل الصحي"، لا يتحصلون على مقابل مادي خلال الندوات أو المحاضرات، يجعل ذلك العمل أصعب "فيه مننا مدرسين وأطباء ودي وظايفنا الأساسية جنب هيلثي مايندس"، لكن الصعوبات لا تأتي بسبب الشق المادي أو قلة التسويق فقط؛ يُحارب طبيب الأطفال طواحين الفهم الخاطئ لما يفعله، يُزعجه مصطلح "التنمية البشرية" الذي يوسف أحيانا به "احنا مش بنروح نحفز الناس ونقولهم هتقدروا، احنا بس بنقولهم يفكروا إزاي بأسس علمية ومنهجية عشان حياتهم تبقى أفضل أيا ما كان اختيارهم"، لا يتوقف الأمر عند الانزعاج بل والكراهية "لأن سمعة التنمية البشرية سيئة في مصر، وبعض اللي بيدرسوها بيعملوا ده لأغراض مالية في حين إننا مش بنتقاضى أي مقابل مادي من أي جهة، وبنشتغل حتى مع وزارات في الحكومة".

6

تعمل healthy minds بشكل أفقي؛ لا تركز على فئة بعينها، درّب فريقها آباء في محافظات مختلفة على التعامل مع أبنائهم أو ما يُعرف بالإرشاد الأسري، ثم وصل ما يفعلونه لوزارة التضامن الاجتماعي، فدعتهم لإعطاء مشرفات الحضانات ندوات في كيفية التعامل النفسي مع الأطفال، قبل أن تتعاون معهم ثانية لإعطاء مشرفي دور الرعاية ندوات "لأن الفترة دي كان حصل أكتر من حادثة لتعذيب أطفال في الدور أو استغلالهم".

أحيانا ما أُصيب حسني بإحباط، لكن المدد يُنقذه دائما، كما حدث في 2017، حين قدّم في مسابقة صناع الأمل، التي تنظمها دولة الإمارات المتحدة للمبادرات العربية الرائدة "كنا بنجرّب وخلاص"، لكنه فوجئ بوصولهم ضمن العشرة الأوائل بعد التصفية من أكثر من 50 ألف متسابق "وقتها حسيت إننا ماشيين صح رغم كل شيء".

7

بعد الثورة، كانت أحلام حسني مرتفعة كالآخرين، لكنه تعلم ألا يرفع سقف طموحاته دون النظر للقدرات المُتاحة "دة اللي بنحاول نقوله كمان للناس في المبادرة، احلموا آه بس خليكوا عارفين انتوا رايحين فين"، ربما لذلك قابل طبيب الأطفال الكثير من الشباب الذين فقدوا الأمل بكل شيء، بعدما خفقت الثورة في تحقيق ما تمنّوه "بس هما مبصوش إن الثورة كانت لسة طفل بيحاول يتعلم المشي، مكنش المفروض يعولوا عليها من غير ما يشتغلوا على نفسهم"، يضرب الطبيب المثل بمحاربة الفساد "بنقعد نقول عملنا ثورة عشان النظام الفاسد يمشي، في حين إن بعضنا بيوافق على الواسطة والرشاوي لو هي متماشية مع مصلحته"، إلا أن حسني مازال مؤمنا بقدرة الناس على تغيير أنفسهم ومحيطهم للأفضل "شغلانة الطب خليتني أشوف كتير، الشعب المصري جدع بس مش لاقي حد يساعده".

أكثر من 17 ألف شخص درّبتهم مبادرة "العقل الصحي"، بعضهم باتت حياته أفضل، نفحات الانتصار تصاحب حسني أينما ذهب، تظهر في شُكر الناس لما يفعل، أو رسائلهم، أو كما فعلت رضوى عمران، طالبة الجامعة الأمريكية، والتي حضرت له مرة وحيدة منذ عامين "كنت في تانية ثانوي ومش عارفة لسة عايزة أعمل إيه".

8

كان ذلك داخل معسكر لإعداد القادة بمحافظة سوهاج، ترك كلام الفريق في نفسها أثرا عظيما "كان الدكتور بيقول إنه لازم نحاول نكتشف قدراتنا ونشتغل على أساسها، كان بيقولنا كمان إنه مفيش صندوق عشان نفكر جواه أصلا أو خارجه"، حاولت الفتاة تطبيق ما سمعت، ونتيجة اجتهادها في الدراسة حصلت على منحة لدراسة الأحياء بالجامعة الأمريكية، لكنها لم تنس فضل حسني عليها "طلبوا مني في أحد المعسكرات أكتب تقرير عن مثل أعلى ليا، دكتور شريف كان أول حد جه في بالي"، أثلج ما كتبته رضوى صدر الطبيب الخمسيني، لذا يوقن كل يوم أن أثر الثورة باقي وإن كان طفيفا.

تابع باقي موضوعات الملف:

"الثورة يعني بناء".. كيف طوّر 24 مصريا قرى الفيوم؟

2019_2_11_18_25_42_40

"الثورة صالحتني على البلد".. "مونيكا" تركت إيطاليا للحفاظ على آثار مصر

2019_2_11_13_8_15_623

مّد الثورة إلى الصعيد.. "مجراية" الثقافة والسينما في "ملوي"

2019_2_10_13_48_20_346

جنوبية حرة.. "الثورة في دم بنات أسوان"

2019_2_9_19_12_4_196

قصة "السيد" مع الثورة.. درس التاريخ الذي أسقط حسني مبارك

2019_2_11_14_51_11_118

فيديو قد يعجبك: