إعلان

"سَفرية العُمر".. قصة أسرة مصرية تجولت في 5 دول أوروبية بـ"فيات 128"

11:39 م الخميس 17 أكتوبر 2019

وائل عابد في طفولته بجانب سيارة فيات 128

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - محمد مهدي:

حنين دبّ في قلب الكاتب والفنان التشكيلي "وائل عابد" لتجربة ممتعة خاضها وهو ما يزال ابن العاشرة، في صيف 1977، إذ انطلق رفقة جديه في جولة داخل أوروبا شملت 5 دول مختلفة، بسيارة من نوع "فيات نصر 128"، بعد أن خرجوا من الإسكندرية على إحدى السفن.

دفعه ذلك لتدوين أسطر عن الرحلة ليفاجئ بانتشار التدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي وحماس البعض لمعرفة المزيد عن الأسرة وتفاصيل التجربة "كنت عايز أقول إن دي كانت طريقة تفكير الأجيال السابقة في إزاي يعلموا ويثقفوا أولادهم" يقولها عابد لمصراوي.

كان الجد "عزيز عابد" ضمن البعثة التي افتتحت أول مفوضية- أشبه بالسفارة- لمصر في واشنطن في عام 1923، بعد معاهدة الاستقلال، ساعدته دراسته في جامعة أوكسفورد على الوصول إلى هذا المنصب، وخلال سنوات عمله سافر إلى دول عديدة "أصبح مؤمن إن كل شخص لازم يسافر ويشوف الدنيا عشان يبقى عنده وعي وثقافة" لذلك حرص ابن كفر عابد بالقليوبية بضرورة إتاحة تلك الفُرصة لأبنائه ثم أحفاده

"عشان كدا والدي وعمي درسوا في أوكسفورد وكان متحمس إن أي ولد في العيلة يتم 10 سنين يأخدوا جولة في أوروبا".

1

خلال السبعينيات اعتاد الجد اصطحاب الأحفاد في رحلة إلى أوروبا "في سنة 1974 سافر أخويا، ثم بعدها بـ 3 سنين كانت رحلتي معاهم" قبل السفر بأشهر عديدة بدأ الرجل الثمانيني رفقة زوجته "رفاهية رفعت" التي بلغت من العمر حينها نحو 75 عاما"تحديد خط سيرنا في 5 دول قررنا نزورهم، واختيار الأماكن اللي هننزل فيها، مخاطبة الفنادق والبيوت عشان نحجز أيام المبيت" كانت الدقة هي أكثر الأشياء التي اشتهر بها جده فضلًا عن تجهيز سيارته التي انتشرت منذ الستينيات "فيات نصر 128" من أجل الرحلة الطويلة.

لا يمكن خوض الرحلة دون الحصول على خرائط للطرق داخل الدول الأوروبية "خططوا إننا نسافر إيطاليا وسويسرا وألمانيا وفرنسا وانجلتر" لذلك كان يتوجه الجد إلى نادي السيارات بوسط القاهرة " هناك بيسلموه الخرايط اللي محتاجينها، وكوبونات بنزين يقدر يتعامل بيها في أي دولة يروحها" صارت كل الأمور مهيئة للانطلاق إلى أوروبا "سافرنا بالعربية لإسكندرية، وفي المينا شحنوها" تحركت السفينة في طريقها إلى إيطاليا، قضوا 4 أيام في البحر قبل أن ترسو في ميناء جنوة "هناك اكتشفنا إن بطارية العربية مش راضية تتحرك، حصلها مشكلة في البطارية".

2

بداية غير مطمئنة، شعر الطفل حينها بالقلق بينما يتابع تحركات جده الثمانيني وجدته "جدي اتصل بنادي السيارات في إيطاليا بلغهم بالمشكلة وإنها محتاج بطارية عشان يصلح العربية" مضت ساعات قليلة ثم حضر إلى الميناء فنيين بصحبتهم بطارية جديدة، تمكنوا من إصلاح سيارتهم "ركبنا الفيات 128 وبدأت رحلتنا بشكل فعلي، جدي بيسوق وجدتي ماسكة الخريطة بتوجهه، وأنا قاعد ورا جنبي شنط كبيرة" من خلال نافذة السيارة شاهد "عابد" حياة جديدة لم يراها من قَبل.

لساعات طويلة يقود الجد الثمانيني السيارة دول كلل أو ملل، عند الدخول إلى أي مدينة جديدة ينفض الإرهاق من جسده، يُمسك بزوجته والطفل الصغير، يتحركون في كل مكان "كان حريص دايًما إننا نتعرف على ثقافة كل بلد، نروح كل المتاحف والأماكن الآثرية، الحدائق العامة والمكتبات الكبيرة" جهد شاق لا يناسب أعمارهما لكنهما يمارسون خطتهم باستمتاع بالغ "حتى إن جدي واحنا في بريطانيا قطع تذكرة عشان يحضر جلسة لمجلس العموم البريطاني كان بيتبسط كأنه بيتفرج على ماتش لمحمد صلاح في ليفربول كدا".

3

لنحو 3 أشهر مضت الأسرة الصغيرة في طريقها بسيارتهم "من جنوه لإفريا ثم تورينو وبعدها جبال الألب ثم جنيف ومنها الحدود السويسرية الألمانية" عايش الطفل تجربة فريدة في الغابة السوداء وشتوتجارت وكالثرو ومنتع بادن بادن "قطعنا 500 كيلو لحد باريس ومنها لميناء كاليه ثم عبرنا المانش وزرنا لندن" زار مع جديه جامعة "إكسفورد" والمكتبة الكبيرة "زي ما قولتلك جدي درس هناك وكان نفسه كل شاب في العيلة يأخد نفس الخطوة".

خلال التجول بين 5 دول، لم يعانِ الجد أثناء التعامل مع أهالي كل مدينة "لأنه بيتكلم 4 لغات إنجليزي وفرنساوي وإيطالي وألماني" لديه أصدقاء في كُل مكان، لقائهم له مفعول السحر في التخفيف من مشقة التنقلات "قد إيه كان مفيد التعرف على شعوب مختلفة، واحترام عاداتهم وتقاليدهم، جدي وجدني كانوا دايمًا بينصحوني أتصرف إزاي في كل موقف" فيما كانت المسافات عائقا في التواصل مع والديه "مكنش فيه وقتها غير كارت بنبعته من كل دولة نطمنهم علينا" لكنهم لا يتلقوا أي ردود لكثرة تحركاتهم.

4

رغم تعرض السيارة الصغيرة لعطل في بداية الرحلة لكنها لم تفاجئهم بأية أعطال طوال الثلاثة أشهر "رغم المسافات الكبيرة اللي قطعناها لكنها عمرها وقفت مرة أو حصلها حاجة" كانت على صغر حجمها تتحمل التنقل لساعات طويلة، لذلك كانت الأسرة متعلقة بتلك السيارة وتسافر بها في أي مكان "وكان جدي حريص إنه يحط بادج معدن على نمرتها مكتوب عليه إيجيبت" حتى يعرف الجميع أنهم ينتمون إلى مصر.

رحلة العودة كانت خاطفة، من لندن إلى مدينتين ثم عبارة نقلتهم لكالية "روحنا باريس ثم ماكون وديجون المشهورة بالمسطردة ثم ليون ورجعنا على إيطاليا" مروا على أكثر من مدينة قبل الانتقال إلى فينيسا ومنها إلى عروس البحر المتوسط، رحلة لم تسقط من ذاكرة "عابد" رغم مرور 42 عاما، وبيع السيارة في أواخر السبعينيات "فاكر كل حاجة كأنها حصلت إمبارح" وما جعله يشعر بالسعادة ردود أفعال الناس حول تدوينته "وتعليقات المقربين زي أخويا اللي تذكر سفريته معاهم، والناس اللي افتكرت جدي بكل خير" فيما ينوي أن يوثق الكثير من حكايات الزمن الجميل في كتاب باسم عشت وشوفت "محاولة لرصد التغييرات الاجتماعية اللي حصلت في بلدنا".

فيديو قد يعجبك: