إعلان

بالموت "فقط" صاروا مشاهير.. عن شهداء "معركة البرد"

11:43 ص الخميس 08 يناير 2015

عم محمد

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - إشراق أحمد:

جدار ارتكن عليه، حجارة رصيف كانت متسعا له من صدور الكثير، ربما مروا ملقين نظرة عابرة، بتأثر أو تأفف، لكن الرحيل كان النهاية لهم وله، فروا هم من نسمات باردة تضرب أجسادهم رغم ما يرتدوه من ملابس، فيما ولى هو دون شيء، لفظ أنفاسه الأخيرة مستندا للحائط، واضعا رأسه على الأرض، لم ينطق بكلمة، زفر النفس البارد الذي أوى بحياته، رحل في سلام لم يعرفه طيلة سكنه بالشارع، مات دون حياة كما عاش بغير رداء ثقيل يواري عنه سوءة الشتاء، وقلوب أثلجها الدفء فتركته للموت على أعتاب مستشفى. رحل "عم محمد" في الشتاء الماضي، عرفه البعض بعد وفاته، تناقلوا اسمه، أعطوه لقب "أيقونة" كأنه شهيد، وهو كذلك؛ شهيد على معيشة بلا مأوى، مُطلع على حال يتعرض له العشرات كل عام، شهيد على مَن تعاون وهؤلاء المُتنصلين من المسؤولية، الفارق أن الشهداء غالبًا ما يُعرف أعدادهم، فيما سكان الشارع القابض الموت أرواحهم جراء البرد، هم شهيد بلا رقم.

قرابة 3 مليون شخص لا مأوى لهم وفقا للمركز المصري للحق في السكن لعام 2014، لا ملجأ لهم سوى رصيف، ألواح خشبية بالية أو كرتون تحتضن أجسادهم. كبار وصغار، رجال ونساء تجمعهم الطرقات، كما يجمعهم ظلام الليل بعد عناء النهار بحثًا عن لقمة تسد الجوع، يصفهم البعض بالمتسولين والمجانين، بينما لم ينصت لهم إلا القليل، ولم يُذكر كلامهم إلا بعد الرحيل، حال "بهنس" الفنان التشكيلي الذي رحل شتاء العام الماضي أيضا بشارع في وسط البلد، أثناء موجة شتاء قارس اجتاحت البلاد كما تلك الأيام.

"العم" أو "الست" لقب من يسكن الشارع، أما ملامحه معروفة للقاصي والداني؛ وجه نال منه الطريق، فتغير لونه إلى السواد، رداء خفيف يلازمه لا يليق بالطقس البارد، أما الرفاق إن لم يكونوا من بني جلدته، فهم من الحيوانات الضالة، لا يوجد حصر دقيق بأعداد من يلقون حتفهم في الطرقات، أو لساكني الشارع بشكل عام حسب كامل الشريف وكيل وزارة التضامن الاجتماعي، الذي قال إنه جاري التعاون مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية من أجل ذلك، ومن ثم إمكانية اتخاذ القرار لإيجاد مأوى لهم، رافضًا لفظ "مشرد" على مثل هؤلاء "لأن المشرد هو اللي ملوش وطن وهم عايشين في وطن" حسب قوله.

مع دخول فصل الشتاء كل عام تنطلق الدعوات، لتوزيع "البطاطين" على ساكني الأحياء الفقيرة والعشوائيات، أربعة أعوام تواصل شيماء سمير ورفاقها القيام بهذا داخل القاهرة وخارجها "في الفيوم وبني سويف والمنيا"، دفعها التفكير فيما يمكن أن يعانيه من لا مقدرة لديه على شراء ملابس ثقيلة، فكانت "بطانية الخير".

قررت شيماء أن تقوم وأصدقاؤها والمتطوعون بالتوزيع بأنفسهم بعد مساعدة الجمعية المتواجدة في المنطقة التي يذهبون إليها في إرشادهم لأكثر الحالات احتياجًا. صورة الصغار في الشتاء القارس لا تفارق عين الشابة العشرينية رغم محاولات سعيها للمساعدة محدثة نفسها "هيعملوا إيه في التلج ده"، في كل مرة تشعر أن هناك المزيد بحاجة للمساعدة في مثل هذه الأوقات.

رجل مسن يبيع الليمون أسفل كوبري بمدينة نصر، على ملامحه البساطة وملابسه لا تناسب الشتاء، تتذكره صاحبة حملة "بطانية الخير"، وهو أحد الأشخاص الذين لاقتهم صدفة بعد أن أخبرتها صديقتها عنه، ذهب المتطوعون مجلبين له "بطانية"، ليضعوها بجواره في صمت لا زال بذاكرتها إلى الآن معللة ذلك "الناس دي بتبقى غلابة وعفيفة فميش كلام تقدر تقوله".

تزايد عدد الحملات كل شتاء، يجعل "شيماء" تتمنى أن تتعاون الجمعيات والفرق الشبابية مع بعضها للتنسيق، بقدر أملها أن تشارك الحكومة في ذلك ولو بتخصيص مكان لشراء البطاطين بسعر مدعم حماية من أصحاب المحال "اللي بالنسبة لهم ده موسم"، فقد عانت الحملة الشتاء الماضي حسب قولها الشتاء حينما قامت مؤسسة مصر الخير" بإطلاق حملتها لتوزيع البطاطين على المحتاجين"وقتها تعبنا لغاية ما لقينا بطاطين والسنة دي كانت الوحيدة اللي الجودة مكنتش كويسة".

أغلب الحملات تعتمد على التنسيق مع الجمعيات المتواجدة في الأحياء الفقيرة أو العشوائيات، ومن ثم التوزيع، غير أن حملة "محدش هيموت في الشارع التاني" اتخذت الطريقين، البحث والتوزيع على ساكني الشارع. انطلقت الحملة عقب وفاة "عم محمد" الذي انتشرت قصته الشتاء الماضي، وبلغ عدد البطاطين الموزعة 400 حسب أحمد صقر أحد القائمين على الحملة، بمنطقة وسط البلد، الحسين، وشبرا الخيمة. كان يذهب المتطوعون للبحث عن الأشخاص، ويتطلب ذلك التقصي ليلا لضمان وجودهم. منذ العصر حتى المغيب يجوبون الأماكن حتى يجدوا شخص أو أكثر، ثم تنطلق مهمة فريق التوزيع.

لا ينسى الشاب العشريني منتصف الشتاء الماضي، حينما ذهبوا لساكني ميدان الحسين "كمية الناس اللي هجمت علينا كتير"، يقولها "صقر" واصفًا كثرة العدد حد تكثيف جهودهم للتوزيع في تلك المنطقة بشكل أكبر.

الشعور بالناس لا يحركه طلب في رأي "صقر" فدافعهم لفعل ذلك هو الحوادث التي توالت لموت أشخاص في الشارع ليس لحادث بل بسبب موجة برد لم تحتملها أجسادهم، لذلك يرى أنه على الدولة طلب المعاونة من الجمعيات والحملات وليس العكس قائلا "المفروض الحكومة هي اللي تتحرك تساعد الناس دي".

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: