إعلان

سماء الأقصر تحصُد أرواحًا.. مغامرة "البالون الطائر" التي لم تدرس الحكومة عواقبها -(تقرير)

07:41 م السبت 03 سبتمبر 2016

سقوط منطاد الاقصر 2013

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تقرير - مصطفى ياقوت:
شهدت محافظة الأقصر، صباح الثلاثاء الماضي، حادثًا اعتادت عليه في السنوات الأخيرة، لارتطام بالون طائر بالأرض، بعد أن تسببت تيارات الهواء، في اختلال توازن البالون؛ ما أسفر عن إصابة 22 سائحًا صينيًا بإصابات طفيفة وكدمات، تم نقلهم جميعًا إلى مستشفى الأقصر الدولي لتلقي العلاج.

التحرك الحكومي الفوري، عقب الحادث تمثل في قرار وزاري، من شريف فتحي، وزير الطيران المدني، بإيقاف جميع رحلات البالون الطائرة بمحافظة الأقصر لمدة ثلاثة أيام لحين استقرار الأحوال الجوية، مشيرًا إلى أن المدينة تتعرض لطقس سيء ورياح شديدة.

وقال الوزير، إنه "سيتم تقييم الموقف دوريًا ولحين استقرار الأحوال الجوية، وذلك في إطار الحفاظ على أمن وسلامة مستخدمي البالون ووفقًا للتعليمات الدولية في هذا الشأن"، فيما أصدر محمد بدر محافظ الأقصر، قرارًا بحظر رحلات البالون الطائر فوق سماء المدينة، لمراجعة إجراءات الوقاية والأمان، بشركات البالون، دون أن يحدد أجلًا لذلك الحظر.

ويأتي الحادث تزامنًا مع اهتمام وزارة السياحة المصرية، بمحافظة الأقصر خاصة بعد اختيارها كأفضل مدينة سياحية في العالم، وما ترتب عليه من استضافتها لمؤتمر سياحة المدن المقرر يومي 30 و31 أكتوبر المقبل، والجلسة 104 للمجلس التنفيذي لمنظمة السياحة العالمية يومي 1 و2 نوفمبر المقبل، الذي بدا جليًا في زيارات الوزير يحيى راشد المتكررة للمدينة.

وتسعى مصر بكافة مؤسساتها لاستعادة دورها السياحي، الذي تأثر كثيرًا في السنوات الماضية، خاصة في ظل تزايد وتيرة الإرهاب، واحتماليه تورطه في حادث سقوط الطائرة الروسية بالقاهرة أكتوبر الماضي، وما أعقبها من قرارات روسية وبريطانية بوقف رحلاتهم لمصر لحين الاطمئنان على إجراءات الأمن بالمطارات المحلية.

كارثة 2013
الحادث الأشهر لسقوط منطاد -ربما عالميًا- وقع في الأقصر كذلك، في فبراير من العام 2013، عندما نشب حريق بجسم البالون تسبب في سقوطه ووفاة 19 سائحًا من أصل 21 راكبًا كانوا يستقلونه، بعد أن كان الحادث الأسوأ مسجلًا باسم استراليا في عام 1989، عندما اصطدم منطادان في الهواء، ما أدى إلى سقوط أحدهما على الأرض، وأسفر الحادث عن مقتل 13 شخصًا.

2013

آنذاك تم وقف رحلات البالون أيضًا، قبل أن تستأنف رحلاتها بعد أقل من شهرين على الحادث، فيما قدم وائل المعداوي وزير الطيران المدني حينها، تقريرًا لمجلس الوزراء عن الحادث، مؤكدًا أن الشركة المشغلة للمنطاد مرخصة لهذا العمل وترخيصها ساري، وآخر تفتيش تم عليها كان قبل أيام من وقوع الحادث، كما أن المنطاد نفسه مرخص وترخيصه ساري والطيار يحمل ترخيص يفيد تدريبه واختباره.

ومن جهتها؛ أكدت سلطات الطيران المدني أنها ستقوم بتنفيذ "تفتيش ميداني وقائي" على جميع شركات البالون، وطرازات البالون العاملة بها، مع إجراء مراجعة على شركة "الطود" للغازات بالأقصر، للوقوف على كيفية إنتاج وتعبئة الغاز، كإجراء إضافي للتأكد من الالتزام بتعليمات الشركات المصنعة.

سيناريو متكرر
حوادث مشابهة شهدتها الأقصر في العشر سنوات الماضية، ففي العام 2007، أصيب ثمانية سياح، جراء سقوط أحد المناطيد في أحد حقول قرية القرنة، وفي أبريل 2008، تحطم منطاد يحمل أربعة سياح، وشهد عام 2009 مجموعة متتالية من حوادث المناطيد، حيث تحطمت أواخر فبراير، ثلاثة مناطيد، تحمل 60 سائحًا في نفس اليوم في أماكن منفصلة، وأدى الحادث إلى إصابة سبعة ركاب بكسور في العظام، بينما وقع قبل أسبوعين من الحادث السابق، آخر مماثل تسبب في إصابة سبعة سائحين. وفي أبريل من العام نفسه، أصيب 16 شخصًا، في تحطم منطاد خلال جولة بالمدينة.

معايير الأمان
المراجعة المصرية لضوابط ومعايير السلامة والأمان في رحلات التحليق بالمنطاد جاءت في عام 2009، عندما قررت الحكومة إخضاع شركات المناطيد الثمان المصرية، لدورات تدريبية إضافية، كما اتخذت قرارًا بحصر إقلاع جميع المناطيد من مطار جديد واحد، وتحديد الحد الأقصى للمناطيد المُحلقة في وقت واحد بثمانية مناطيد، فيما كان 50 منطادًا تستطيع التحليق في آن واحد.

يُفنّد كابتن محمد عصام، مدير مطار البالون بالأقصر، إجراءات السلامة التي نصت عليها منظمة الطيران المدني "الإيكاو"، لإقلاع رحلات البالون، قائلًا إنه "قبل إعطاء الأذن بالإقلاع يقوم بالتأكد من وجود سيارة إسعاف وإطفاء وشرطة بساحة الإقلاع، كما يقوم بالاطلاع على (الرصدة) القادمة من برج المراقبة التابع لسلطة الطيران المدني، والتي تضم معلومات عن سرعة الرياح وأبعاد الرؤية والأحوال الجوية"، ويوضح أنه لا يمكن إعطاء أمر التشغيل والإقلاع إذا زادت سرعة الرياح عن 8 عقدة، أو قلت احتمالية الرؤية عن 5 كم.

ويوضح عصام، أن كل الرحلات لابد أن تضم مهندس تشغيل مختص، يتبع الشركة صاحبة الرحلة، ويحمل رخصة سارية من قبل وزارة الطيران، لافتًا إلى أن رخصة المهندس تمنح له بعد اجتيازه للاختبارات، وتُجدد بشكل سنوي.

"الخطوة التالية هي التأكد من عدد الركاب على متن الرحلة"، يقول المسؤول الأول عن أمر إقلاع الرحلات، مُبينًا أنه لا يسمح نهائيًا بالإقلاع ما دام العدد يفوق الحد المسموح به -ولو بطفل واحد- حيث أن سعة المناطيد تتراوح ما بين الـ12 والـ28، ثم يقوم بمخاطبة برج المراقبة للتأكيد على أمر الإقلاع، ويضيف "كل المحادثات بين قائد الرحلة وبرج المراقبة مُسجلة حتى لحظة هبوطه".

يؤكد مدير مطار البالون بالأقصر، على وجود لجنة مكونة من 3 أفراد تتبع وزارة الطيران المدني، تقوم بأعمال المراقبة الدورية على الشركات، ومنحها شهادات "الكفاءة"، التي تُجدد سنويًا، وفق فحص دقيق لمكونات الرحلة وجسم المنطاد، وكذا حصول العاملين بالشركة على التدريبات اللازمة.

"الإيكاو" وهي الوكالة المتخصصة التابعة للأمم المتحدة والمسؤولة عن وضع القواعد الدولية للطيران المدني، أوضحت في دراسة أجرتها أمانتها العامة عن جانبي السلامة والأمن عام 2005، أنه على دولة التشغيل أن تأخذ في الحسبان طراز وسيلة التحليق وخصائصها، وتكوين طاقم الطائرة وكفاءاتهم وخبراتهم، وأحجام وخصائص المدارج، وكفاءة وآداء المساعدات الأرضية، والوسائل المستعملة لتحديد الأحوال الجوية، والعوائق في منطقتي الصعود والهبوط.

"خسائر فادحة"
ويرى شرف الدين، أحد أصحاب شركات البالون بالأقصر، أن الحادث الأخير، كان مصطنعًا، نتيجة خلاف على نسب العمولة بين مندوب الشركة المرافق للرحلة والسياح الصينين، مستقلي الرحلة، مؤكدًا أن تقرير المستشفى أثبت سلامة كل الموجودين بالرحلة، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن المعروف أن رحلات البالون "مغامرة" تحمل نسبة 50% من المخاطرة، شأنها شأن عدد كبير من الأنشطة الترفيهية.

يتحدث شرف الدين عن الخسائر التي تكبدتها شركات البالون الطائر، خلال الثلاثة أيام الماضية منذ وقوع الحادث والتي بلغت نحو 40 ألف جنيه، بحسب قوله، لافتًا إلى أن متوسط نسبة العمالة بكل شركة من الـ8 شركات الموجودة بالمدينة يبلغ 100 فرد، كما أن رحلات فصل الصيف اليومية لا تتعدى 3 رحلات، وفي فصل الشتاء تبلغ 4 رحلات، وتتراوح مدة الرحلة من 35 إلى 45 دقيقة.

ويؤكد صاحب إحدى الشركات المتضررة من قرار وقف النشاط، أن المتابعة الدورية تتم بشكل نصف سنوي، بالإضافة إلى جولات تفتيشية مفاجئة تقوم بها سلطة الطيران المدني، للتأكد من تطبيق كافة اشتراطات السلامة، مناشدًا وسائل الإعلام بضرورة الترويج لسياحة البالون التي تعد مصر الأولى بها على مستوى العالم، بحسب قوله.

وبدأ البالون الطائر أول رحلاته بالأقصر منذ عام 1988 على أيدى خبراء أجانب من شركة فيرجن الإنجليزية، فيما تأسست أول شركة بالون طائر مصرية في عام 2001 والشركة الثانية عام 2002 و الشركة الثالثة عام 2004، إلى أن وصل عدد الشركات إلى ثماني شركات متخصصة في سياحة البالون الطائر بسماء الأقصر.

في سياق متصل، يقول كابتن محمد، صاحب إحدى شركات البالون، أن سلطة الطيران المدني أبلغتهم باستئناف رحلات البالون، بدءًا من الأحد 4 سبتمبر، بعد انتهاء مدة الإيقاف التي أقرها وزير الطيران المدني بثلاثة أيام، مشيرًا إلى خضوع كافة الشركات لـ5 متابعات تفتيشية هذا العام، بالإضافة إلى لجان متابعة أوروبية مستقلة.

ويوضح محمد، أن مصر هي أقل الدول حدوثًا لحوادث البالون على مستوى العالم، ضاربًا المثل بحادث البالون الذي وقع في الولايات المتحدة الأمريكية يوليو الماضي والذي أسفر عن سقوط 16 ضحية من السياح، مضيفًا "اللي خايف تحصل حوادث يقعد في البيت أحسن".

"اتهامات بالفساد"
في الوقت الذي حمل فيه، ثروت عجمي، رئيس غرفة شركات السياحة بالأقصر، هيئتي الطيران المدني، والأرصاد الجوية بالمحافظة، المسئولية الكاملة لتلك الحوادث المتكررة، التي أصبحت تؤثر سلبًا على السياحة عامة، ونشاط البالون على وجه الخصوص، بحسب رؤيته.

وأكد عجمي، أن هناك تلاعبًا يتم من قبل اللجنة المشرفة على نشاط البالون بالمحافظة، موجها أصابع الاتهام بـ"الفساد" لوزارة الطيران المدني، بوصفها الجهة المنوطة بالإشراف على الشركات.

"صورة مشوهة"
الدكتور زين الشيخ، مستشار مصر السياحي الأسبق باليابان، يرى أن تكرار حوادث البالون، أحد أبرز مكونات "الصورة المشوهه" للسياحة المصرية، التي طالت الصورة الذهنية المكونة لدى الخارجة عن مصر، مشيرًا إلى أن السياحة منتج مجتمعي كامل يتم العبث به عن عمد أو إهمال.

ويؤكد الشيخ، أن القائمين على قطاع السياحة يفتقدون لثقافتها، بينما يهتمون فقط بـ"سبوبة" الدعاية والمهرجانات والمعارضة، التي لن تجدِ في دفع حركة السياحة، ولا تمثل سوى حلولًا وقتية غير مؤثرة.

يقول مستشار مصر السياحي الأسبق باليابان، أن السعي السياسي وحده لا يمكن أن يكون بيت القصيد في السعي المصري لتنشيط السياحة واستعادتها، خاصة وأن العالم أضحى بمثابة قرية مفتوحة، يعلم أدناها ما في أقصاها، وينعكس الحديث المصري عن ركود القطاع لكافة وسائل الإعلام والأسواق الغربية.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج