إعلان

"فصيح ولسون".. طفل ثورة يوليو يحكي كيف تحوّل ناصر رمزًا في كُتب التاريخ؟

05:18 م السبت 23 يوليو 2016

الريس فصيح ولسون

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- ندى الخولي:
تصوير- علياء عزت:

بمجرد ذكر اسمه، "الريس فصيح ولسون"، كان كفيلا للوصول لمسكنه في إحدى مجاورات المدينة الصناعية بحلوان.

أيادي الدالين على العنوان، كانت تشير إلى الشارع الذي يقطن به والعمارة التي يعيش فيها، بل إلى الجرس الخاص بشقته والذي يتوسط جرسين أخرين في بناية من ثلاثة طوابق.

قضى ولسون البالغ من العمر ٦٥ عامًا، ثلثي عمره داخل قلعة الحديد والصلب في مصر، عاصر فترات حكم جميع رؤساء مصر، يميل للحقبة الناصرية، ويروي في حديث مع "مصراوي"، كيف تشكل وعيه ولمح انجازات ثورة 52 في قرارات التعليم المجاني وتطبيق منظومة المعاشات وإجازات المسيحيين كما المسلمين.

ولسون الذي شارك في حرب أكتوبر، قضى أربعين عامًا من عمره في قلعة الحديد والصلب بحلوان، وخرج منها قبل ثورة ٢٥ يناير بأعوام قليلة.

يقول "حصلت على الدبلوم سنة ١٩٦٩، دخلت الجيش ٤ سنين بين ٦٧ و٧٣، واشتركت في حرب أكتوبر ومن قبلها حرب الاستنزاف، ثم عينت في شركة الحديد والصلب عام ١٩٧٢ أثناء خدمتي في الجيش، في إدارة الدرافيل، على المكنة الثلاثية التي تقدر درجة الحرارة فيها ١٤٠٠ درجة مئوية، كانت إدارة صعبة جدًا لكني استمعت وأنا أقضي فيها سنين عمري".

صورة 1
يعود العامل الناصري الهوى بذاكرته بعيدًا، ويروي "اشتغلت مصوراتي عندما كان سني ١٢ سنة. أنا من مواليد ١٩٥١، عاصرت الزعيم عبدالناصر وتربيت على الثورة، وقضيت في الشركة ٤٠ سنة في نفس المكان أمام الماكينة الثلاثية في إدارة الدرافيل".

يصف نفسه بـأنه "ناصري الفكر والهوى"، ويحكي كيف شعر للمرة الأولى بفكرة العدالة الاجتماعية، عندما كان طفلًا في الصفوف الابتدائية، "في يوم كنت راجع من المدرسة لقيت أبويا مصهلل ومبسوط جدًا، حكا لي حينها أن عبدالناصر لغى المصاريف وأن التعليم أصبح بالمجان، وأنه لن يدفع الـ١٥ قرش شهريًا مصاريف دراستي وحدي، بخلاف مصاريف أخواتي الثلاثة الآخرين".

"منذ ذلك الحين؛ بدأ أبي يشرح لي أن عبدالناصر شرع في توزيع الأراضي على الفلاحين وكيف يحب الشعب والعكس"، يُضيف ولسون "عندما كنت في ابتدائي، كان عبدالناصر في كتاب التاريخ مجرّد صفحة في الكتاب، ثم في الستينات، بدأ الزعيم يأخذ وضعه في كتب التاريخ بالمناهج الدراسية".

أمّا عن المرة الثانية التي عرف فيها معنى العدالة الاجتماعية، فكانت ـ كما يروي ولسون ـ حينما شاهد نظرة السعادة والرضا من جديد في عيون والده عقب قرار تطبيق منظومة المعاشات.

والمرة الثالثة كانت في أحد أعياد الميلاد عندما طلب والده الحصول على إجازة، فرفض مديره. يقول ولسون "أبويا كان نفسه ياخد يوم عطلة ومديره ما رضيش، بعدها بسنة أو سنتين، صدر قرار جمهوري بمنح المسيحيين إجازة خمسة أيام في عيد الميلاد".

ويختتم ولسون حديثه عما يطلق عليها "أيام العدالة الاجتماعية الحقيقة" قائلًا "صراحة لم نرى عدالة اجتماعية شبيهة بعد ذلك على مر العصور والأزمنة".

صورة 2
أما عن سنوات عمره الأربعين داخل "دولة الحديد والصلب"، كما يحب أن يُلقب شركته، فيقول "عينت في الحديد والصلب وأنا مجند في الجيش، وواجهت صعوبات عدة في تعييني، وقال لي أحد المدراء يوما ما: الحرب لسّه ما خلصتش وممكن يستدعوك في أي وقت، أنا عاوز واحد شغال فعلًا.. كنت أقضي إجازاتي من الجيش في اللف على مكاتب الموظفين من أجل إنهاء أوراق تعييني".

أول مرتب تقاضاه ولسون كان ٢٢ جنيهًا، يقول "كان زمايلي في الجيش بيحسدوني عليه. كانت مرتبات الحديد والصلب أعلى من غيرها باستمرار، وبعد ما خرجت من الجيش قفز مرتبي لحولي ٤٠ جنيه، بالحوافز والبدلات"، ويضيف ولسون "تزوجت في ١١ نوفمبر ١٩٧٩، وكانت الحياة مرتاحة، المرتب بيكفي وبيفيض لمصاريف التعليم والإدخار، المواصلات كانت بقرش صاغ، البيت إلى بيصرف ٣٠ أو ٤٠ قرش في اليوم كان يعتبر تبذير".

ويتحدث عن الأوضاع الحالية قائلًا "الوضع الآن غالي والحياة صعبة على الطبقة العاملة والمتوسطة، خاصة على أصحاب المعاشات. قبل خروجي من الشركة كان راتبي ٧ آلاف جنيه، والآن معاشي ١٢٠٠ جنيه، حسيت إني وقعت فجأة، رغم أن تأميناتي كانت على السبعة آلاف، الأجر الشامل وليس الأساسي".

تتحقق العدالة الاجتماعية من وجهة نظر ولسون من خلال عدة أسس وقواعد لا غنى عنها، أولها الاهتمام بمنظومة المعاشات. "كل سنة يقولوا زودنا المعاشات ١٠٪ وقيمتها في الآخر ٦٠ أو ٧٠ جنيها، يعني ما رفعش حاجة خالص.. اعمل بيهم إيه"، مستطردًا "مش هنقول ظروف الدولة والوضع السياسي والاقتصادي الصعب.. لكن هتكلم على تصريح سمعته من الوزيرة نفسها قالت: إحنا أغنى وزارة. وأرد عليها: "دي فلوسنا وحقنا.. بس وزراء التأمينات بخلاء على الشعب".

ويبدو أن العامل الستيني يتابع تصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي عن كثب، فيقول "الوزيرة قالت تصريح آخر استفزني جدًا: اللي خرج على المعاش ده المفروض إنه جوز ولاده وأدى مهمته وعايش يادوب هو ومراته، فالمعاشات بتقضيه"، ورد عليها "كل حاجة غليت، والرجل على المعاش تراكمت عليه كتلة أمراض مزمنة".

القاعدة الثانية لتحقيق العدالة الاجتماعية من وجهة نظر ولسون، خاصة بمنظومة "التأمين الصحي"، الذي وصفه بـ"الموضوع المخجل"، مفسرًا "أصلا العلاجات غالية جدًا وأصحاب المعاشات مرضى قلب وضغط وسكر وده محتاج كتلة فلوس".

صورة 3
ومن التأمينات والمعاشات، يقول ولسون "في حاجة تانية خاصة نفسي أتكلم فيها وهي من صميم العدالة الاجتماعية.. المهازل التي تحدث في المنيا".

اختنقت نبرة صوته قليلًا وهو يتساءل "إيه اللي بيحصل كل يوم دا.. والحكومة خايفة تحط إيدها في الموضوع.. اشمعنا المنيا، المسيحيين في كل مكان، إحنا من قنا وعمر الحاجات دي ما حصلت عندنا.. هذا صميم العدالة الاجتماعية.. لازم الدولة تتدخل".

يضايق ولسون عبارتي "الإخوة المسيحيين" و"شركائنا في الوطن"، ويقول "هي كلمات لها دلالات قاسية، ليه أخوة وليه شركاء.. هل دا معناه أننا شركاء لمن لديهم الأصول".

ثم عاود العامل الستيني الحديث من جديد عن أسس منظومة العدالة الاجتماعية التي تتحقق من وجهة نظره، أيضا من خلال الاهتمام بمنظومة التعليم بالكامل، قائلًا "من حقي أدخل ابني وحفيدي مدرسة حكومة يفهم، والمدرس يشرحله في الفصل من غير ما اضطر لدروس خصوصية أو مدارس خاصة".

وفي سياق الحديث عن التعليم؛ لم يغفل ولسون الحديث عن إعجابه بقرار إنشاء وزارة للتعليم الصناعي في مصر، ومع ذلك قال ضاحكا "توني ابني الصغير معاه دبلوم تجارة.. اتخرج وهو ما بيعرفش يدق مسمار".

ومن حديثه عن العدالة الاجتماعية التي عايشها في فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وعن رؤيته لتحقيق العدالة من جديد، إلى الحديث عن "دولة الحديد والصلب" كما يحب العمال أن يلقبوا شركتهم.

قال ولسون "قضيت فيها سنين عمري.. ٤٠ سنة، كل شوية بروح الشركة، وفي رمضان الماضي فطرت مع زملائي ٤ مرات، ندين لشركتنا بكل الخير وكل ما وصلنا له".

صورة 4
ويتابع "كان لو وقفنا الشغل نص ساعة بنكون زعلانين إن الشغل واقف، الآن يقول زملائي: بقالنا ٢٠ يوم ماشتغلناش. كنا بنشتغل ليل نهار مش ملاحقين على الطلبات".

لا ينسى ولسون رئيس الشركة الأسبق الراحل علي حلمي، ويختصه بالحديث قائلًا "كان يلف على رجله طوال اليوم على العمال والمكن ويستمع لهم في كل صغيرة وكبيرة.. نحلة ما بيقعدش في مكتبه، كان يسافر حول العالم من أجل تشغيل الشركة واستيراد الفحم وبيع الحديد، كل من جاء بعده على خلافه تمامًا".

أما عن الأزمات التي طالت شركة الحديد والصلب عقب ثورة ٢٥ يناير، ما اضطر العمال لتنظيم عدة وقفات احتجاجية واعتصامات داخل الشركة، قال ولسون "مطلب العمال الوحيد: عاوزين الشركة تشتغل زي الأول.. الشغل خير هيجيبلي خير.. مش عاوزين الشركة لا تخسر ولا تتباع زي ما حصل في شركات ومصانع تانية".

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج