حزب الله يتحدى الحكومة ولن يتخلى عن سلاحه "تحت أي ظرف".. ماذا سيحدث؟
كتبت- سهر عبد الرحيم:
حزب الله
رحبت الحكومة اللبنانية، الجمعة، بالخطة التي وضعها الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، لكنها اصطدمت سريعًا برفض واضح من حزب الله، الذي أعلن عبر أحد نوابه أنه "لن يتخلى عن سلاحه تحت أي ظرف"، ما أعاد فتح ملف السلاح خارج الدولة ووضع لبنان أمام مأزق داخلي ودولي بالغ التعقيد.
قال العميد منير شحادة، المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى بعثة الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام (اليونيفيل)، إن القرار الصادر عن الحكومة اللبنانية جاء نتيجة ضغوط خارجية أجبرتها على إدراج بند حصر السلاح من خلال خطة وضعها الجيش اللبناني، تقضي بتطبيق قرار نزع السلاح بنهاية العام الجاري.

وأوضح شحادة خلال حديثه لـ"مصراوي"، أن مؤشرات الضغط الخارجي ظهرت بوضوح، إذ أكد الرئيس اللبناني، جوزيف عون، مرارًا أن السلاح في منطقة الجنوب لن يُعالج إلا بالتوافق وضمن استراتيجية أمن وطني، شرط انسحاب إسرائيل من الجنوب وتسليم الأسرى ووقف اعتداءات الاحتلال على الأراضي اللبنانية.
وأضاف لكن هذه الشروط جرى التخلي عنها فجأة تحت وطأة الضغوط الخارجية، وهو ما دفع الثنائي الشيعي "حزب الله" و"حركة أمل" إلى الانسحاب من جلسات مجلس الوزراء، معتبرين أن القرارات الصادرة في 5 و7 الشهر الجاري غير دستورية.
وأكد قادة حزب الله أنهم لن يسلموا سلاحهم قبل تنفيذ الشروط السابقة، إلى جانب الالتزام بإعادة إعمار لبنان. وفي المقابل، تحاول الحكومة اللبنانية تجنب تفجر الأوضاع مع الحزب، خاصة مع ارتفاع عدد النقاط التي تحتلها إسرائيل في جنوب لبنان إلى سبع نقاط.

خطة الجيش اللبناني
بيّن شحادة، أن الجيش اللبناني وضع خطة مؤلفة من 5 مراحل تبدأ من جنوب الليطاني، برغم أن تفاصيلها مازالت سرية فإن بعض بنودها سُرِبت. وتتضمن المرحلة الأولى انسحاب إسرائيل من النقاط السبع ووقف اعتداءاتها على الأراضي اللبنانية، ما يسمح للجيش بالانتشار، واعتبر شحادة أن هذا الشرط أنقذ البلاد من الانفجار الداخلي. أما المرحلة الثانية فتتطلب حصول الجيش على مساعدات خارجية لتمكينه من إعادة الانتشار.
وهنا أوضح شحادة أن التخلي عن الشروط السابقة لا يعني إسقاطها بالكامل، بل إعادة صياغتها ضمن خطة مرحلية.
ومن جانبه، قال العميد ناجي ملاعب، الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، إنه يجب التمييز بين أن الحكومة اللبنانية "رحبت" بالخطة التي أعدها الجيش اللبناني ولم "تُقِرها" بعد، فالترحيب بالخطة يعني "الموافقة المبدئية" على مضمونها والبدء بالتحضير للتنفيذ، لكن الإقرار الرسمي قد يواجه اعتراضًا من الوزراء الشيعة الذين انسحبوا من الجلسة أثناء مناقشتها.

وذكر ملاعب خلال حديثه لـ"مصراوي"، أن الخطة إذا أُقِرت من دون مكون أساسي من مكونات النظام اللبناني فإنها ستفتقد إلى "الميثاقية"، المنصوص عليها في مقدمة الدستور، والتي تشترط عدم صدور أي قرار بغياب أحد المكونات الوطنية.
وأضاف أن الخطة ما زالت سرية ولم يُعلن إلا عن بعض ملامحها، وهي تختزن عملًا يمتد لثلاثة أشهر، ينتهي خلالها الجيش من معالجة مسألة السلاح خارج إطار الدولة في منطقة انتشار قوات الطوارئ الدولية. وقد طلب الجيش هذه المهلة قبل البدء بتنفيذ الخطة بعد الانتهاء من الوضع في الجنوب، باعتبار أن الجنوب هو الملف الداهم.
وأوضح أنه عندما ينتشر الجيش اللبناني هناك وتصبح المنطقة آمنة وخالية من السلاح غير الشرعي، فإن ذلك يمهد للحكومة اللبنانية لمتابعة خطواتها دبلوماسيًا بالتعاون مع الآلية الدولية لوقف إطلاق النار برئاسة أمريكية، وهو ما كان الرئيس اللبناني قد شدد عليه في مقابلاته الأخيرة.

وأشار إلى أن هناك عائقين أساسيين أمام الخطة: الأول سياسي متمثل في غياب التوافق الوطني، والثاني تقني ـ لوجستي. فالمقاومة ترى من حقها الاحتفاظ بسلاحها تحسبًا لأي هجوم إسرائيلي أو عملية إنزال عسكري، وتبعث برسالة واضحة بأنها جزء من محور إقليمي يمتد من اليمن إلى العراق، ويمكن إعادة تفعيله إذا تعرضت لأي عدوان. وبالتالي فإن تمسك حزب الله بسلاحه يُعتبر قرارًا إيرانيًا بالدرجة الأولى.
لبنان يعول على الضغط الدولي على إسرائيل
يعتقد العميد منير شحادة، أن الحكومة اللبنانية، من خلال هذه الخطة، وضعت الكرة في ملعب الدول الراعية، أي الولايات المتحدة وفرنسا، لممارسة الضغط على إسرائيل للانسحاب ووقف اعتداءاتها، بما يسمح للجيش اللبناني بتنفيذ المرحلة الأولى من خطته.
واعتبر شحادة، أن الحكومة اللبنانية تمكنت من نزع فتيل الأزمة الداخلية بتحويلها إلى أزمة خارجية، عبر تحميل المجتمع الدولي مسؤولية الضغط على إسرائيل. مشيرًا إلى أن الحكومة قدمت ما عليها من التزامات، وأصبح الدور الآن على إسرائيل، استنادًا إلى ما ورد في ورقة المبعوث الأمريكي الخاص، توم باراك.

وفي السياق ذاته، يقول العميد ناجي ملاعب، إن الضغط الأمريكي على إسرائيل قد يحقق نتائج خلال الأشهر الثلاثة التي طلبها الجيش كمهلة لإنهاء الوضع الأمني في الجنوب. كما أن فرنسا، المشاركة عبر ضابط في آلية وقف إطلاق النار، تؤكد على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون أن حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية يجب أن يبدأ بعد انسحاب إسرائيل ووقف الاعتداءات. ويرى ملاعب، أن لبنان عليه أن يستفيد من هذه الدبلوماسية الغربية.
وشدد على أن لبنان يحتاج حتى "لوعد بالانسحاب" من جانب إسرائيل، وليس انسحابًا فوريًا بالضرورة، كي يتمكن الجيش من التعامل مع مسألة السلاح خارج الدولة. لكنه اعتبر أن الوضع يبقى معقدًا. وختم بالقول إن الجميع بانتظار ما ستسفر عنه التطورات الإقليمية والدولية لتحديد مستقبل هذه الخطة.

جولة تصعيد بالنار على لبنان
وتحدث العميد منير شحادة عن جولة تصعيد جديدة تلوح في الأفق، موضحًا أن الولايات المتحدة وإسرائيل غير راضيتين عن القرارات اللبنانية الأخيرة، وتوقع أن تلجأ إسرائيل إلى تصعيد عملياتها العسكرية ضد الأراضي اللبنانية.
وأعرب شحادة عن قناعته، كمحلل عسكري، بأن إسرائيل "لن تنسحب من الأراضي التي احتلتها في جنوب لبنان" مهما قدّم لبنان من تنازلات، وحتى في حال سلم حزب الله والجماعات الأخرى سلاحها، وذلك استنادًا إلى خطة "إسرائيل الكبرى" التي بدأ تنفيذها بالفعل.