إعلان

شهادات ناجين من الموت بعد غزو العراق.. هل انتهت الحرب فعلاً؟

07:00 م الإثنين 20 مارس 2023

شهد واحدة من آلاف العراقيين الذين غادروا بلادهم بع

بغداد - (بي بي سي)

تتجلى الإجابة في صوت الطفلة العراقية شهد ذات الأربعة عشر عاماً، فرغم أن الحرب انتهت بمفهومها العسكري وانسحبت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من العراق، إلا أن مخلفاتها على أجساد عراقيين وحالاتهم النفسية ما زالت حتى اليوم.

وتقول شهد: "أذكر كلّ شيء، كنا صغاراً حين ذهبتُ للتنزه في منطقة القائم في محافظة الأنبار، وكان معي أطفالٌ آخرون أقرباء وأصدقاء، وأثناء لعبنا انفجرت عبوة ناسفة من مخلفات تنظيم الدولة، فقتلت طفلاً وقطعت أحشاء قريبتي، أمّا أنا فأصابتني الشظايا في قدمي".

رغم أن شهد لم تتجاوز الرابعة عشرة إلا أنها شهدت تجارب قاسية في حياتها، ويبدو بالفعل أن العُمر مجرد رقم تصقله تجاربنا وتُحدده، فما كان بانتظار شهد لاحقاً ليس بالأمر البسيط.

تتابع شهد قائلة: "هرع بنا والدي وعمي للمستشفى، ورغم إصابتي البالغة، إلا أنني كنت أمسك يد قريبتي التي همست لي بأنها ستموت، حاولت طمأنتها وإيقاظَها، إلا أنّ يدها ارتخت فجأة".

علاج مستمر منذ سبع سنوات

نجت شهد من الموت الذي نعرفه، وخضعت لعملية جراحية في قدمها وعادت للمنزل، لكن وقبل أن يمضي شهرٌ على ذلك تعرض بيتهم لضربة صاروخية من تنظيم الدولة الإسلامية، وتصف شهد تلك اللحظة قائلة: "نهضت من سريري مفزوعة باتجاه والدتي وأعتقد أن خوفي الشديد آنذاك أفسد العملية التي أجريتها في قدمي، لا أعلم لكنني اضطررت بعد شهرٍ تقريباً لإجراء عملية مجدداً، ولاحقاً جاء تنظيم الدولة لمنزلنا واختطف والدي، فاضطررنا للهرب من منطقة القائم إلى الحديثة حيث تعيش جدّتي وخالي، البعض يقول إن والدي قد مات، واخرون يقولون إنه ما زال على قيد الحياة، لذا فنحن لا نعرف عنه شيئاً حتى اليوم".

اختلطت المشاعر في أعين شهد، لمعت وانطفأت وفتحت وأُغلقت في ثوانٍ قليلة، ثم أسهبت بالقول: "أكرهُ داعش، قبل أن نهرب من منطقة القائم، كانت البيوت خاليةً من الرجال لأن داعش كان يعتقلهم، حتى إن بعض العائلات اضطرت لبيع مقتنيات المنزل لتتمكن من تأمين قوتها".

ومنذ ذلك الوقت تحاول شهد علاج قدمها التي تشوّهت، وبعد أن خضعت لأكثر من سبع عمليات في العراق وسوريا، تقول إنها لجأت للعلاج في إحدى المستشفيات التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود في الأردن، وهي واحدة من أربعة آلاف عراقي تقريباً ممن تلقوا أو يتلقون العلاج في هذا المستشفى، ما دفع والدتها "افتخار" لمرافقتها منذ ثلاثة أشهر، فسمعنا منها أيضاً عما تحمله ذاكرتها من جرّاء الحرب.

"كنت أجلسُ في المنزل لإعداد الخبز، وكان ابني بجانبي حين تعرضنا لإطلاق نار من عناصر تنظيم الدولة، فسقط ابني قتيلاً وتناثر دمهُ على جسدي".

كان والدة شهد ترتعش أثناء حديثها واستحضارها شريط الصور الطويل للخسائر الفادحة، فبدءاً من إصابة ابنتها انتقالاً لاختطاف زوجها ومقتل ابنها، تعرض طفلها الآخر لحالة صرع نتيجة الصدمة من غياب والده كما تقول، حتى إنه وبعد أن انتقلت لمنزل والدتها، كان يركض تجاه خاله ويناديه "بابا" فقد عرف الكلمة ولم يعرف صاحبها.

"لا يوجد رابحٌ في الحرب"

في طابق علوي من غرفة شهد ووالدتِها في المستشفى، تقع غرفةُ جرّاح العظام العراقي علي العاني، ومعه قصة أخرى عن هروبه من الاستهداف الذي كان يتعرض له الأطباء.

يقول العاني: "بعد الحرب بثلاث سنوات وصلت أحوالنا لوضع سيئ للغاية، كنا نجري أكثر من خمس وثلاثين عملية جراحية لإصابات حادة يومياً، وإلى جانب الضغط الجسدي والنفسي الذي تعرّضنا له، كنا نرى وطننا ينهار تماماً، وبدأت حالات اختفاء الأطباء أو العثور على جثثهم بالانتشار من حولنا".

وبعدما غادر العاني وطنه، أخذ على عاتقه العمل لمساعدة المصابين من الحرب، فالتحق بهذا المستشفى الذي يُعنى بعلاج مصابي الحرب ومعظمهم عراقيون، فسألناه عن الإصابات التي يتعامل معها رغم انقضاء عشرين عاماً على الحرب.

يقول العاني: "الإصابات التي نستقبلها هي إصابات غير حادة، أي أنه مضى عليها وقت منذ وقوعها، ومعظم هذه الحالات عبارة عن التهابات مزمنة في العظم أو التئام سيئ أو فقدان جزء من العظام أو إصابات الأعصاب المزمنة، وكلما مضى الزمن على الإصابة تزداد صعوبة التعامل معها، وأكثر ما قد أواجهه صعوبة هو اضطراري لبتر الأطراف عندما لا تكون قابلة للترميم، وبقدر ما هو مؤلم للمريض، فهو مؤلم كذلك لي".

رغم أن الترميم هو في صلب عمل العاني، إلا أنه لا يستطيع ترميم الأنفس المكسورة من جراء الخسارات الهائلة نتيجة الحرب، وكما يقول فإن "الحرب تترك في النفس جراحاً عميقة لا يمكن علاجها، وبالأحوال كافةً لا يوجد رابحٌ في الحرب".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: