إعلان

محتج عراقي يروي تفاصيل 14 يوما من التعذيب والاغتصاب بسجون الحشد: تمنيت الموت

04:50 م الأربعاء 19 فبراير 2020

جانب من الاحتجاجات العراقية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا أسامة:

سلّطت صحيفة "الجارديان" البريطانية الضوء على حملات الاختطاف والقتل التي مارستها مليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران لإرهاب الناشطين والمتظاهرين العراقيين، من خلال قصة اختطاف وتعذيب واغتصاب طبيب عسكري سابق في بغداد يُدعى حيدر (اسم مُستعار).

قالت الصحيفة في تقريرها المنشور على موقعها الإلكتروني إن "حيدر غادر ساحة التحرير في العاصمة العراقية يوم 14 ديسمبر، حيث كان يشُارك في علاج الجرحى والمُصابين منذ بدء الاحتجاجات في مطلع أكتوبر الماضي، وذهب لتناول العشاء برفقة عدد من الأصدقاء في حي الكرادة المجاور".

وكما آلاف الشباب العراقي الثائر، أشارت إلى أنه انضم إلى آلاف المُحتجين قبل شهرين، وكان يُردد شعارات تُطالب بخدمات أفضل، وتُندد بالأحزاب الحاكمة الفاسدة، عندما فتحت قوات الأمن النار على حشد المُحتجين. وحينها وقف على الطريق السريع المؤدي إلى ساحة التحرير، وشاهد متظاهرين شباب عُزّل يتساقطون من حوله، بعضهم قتلى وآخرون جرحى.

في اليوم التالي، عبّأ حيدر حقيبته العسكرية بالضُمادات والأدوية وعاد إلى الشارع. وفي نهاية أكتوبر، عندما كان المُحتجون يحتلون ساحة التحرير، كان حيدر يقود فريقًا من المُسعفين، حيث كانوا يعالجون ضحايا قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص البلاستيكي وكذلك الذخيرة الحية. وعندما اخترقت إحدى هذه القنابل يديه اليُمنى، نُقِل إلى مستشفى قريب، لكنه عاد إلى الساحة بعد 3 أيام. والخيمة الزرقاء التي كان يتقاسمها مع أصدقائه، بما تعُجّ به من أكوام البطانيات المُغطاه بالعفن، باتت منزله، وفق الجارديان.

وبدلًا من العودة إلى الساحة كما يفعل عادة، قرر حيدر بعد انتهائه من العشاء مساء 14 ديسمبر أن يذهب إلى منزله بأحد أحياء الطبقة العاملة في شرق العاصمة بغداد، لتفقّد زوجته الحامل ووالدته. وبعد منتصف الليل بقليل، قالت الصحيفة إنه "كان جالسًا على الرصيف خارج منزله -حيث كانت خدمة الإنترنت أفضل- يتفقد آخر تطورات الساحة على حسابه عبر تويتر، وحينها توقفت شاحنة صغيرة أمامه، خرج منها 3 رجال بزي عسكري أسود واقتربوا منه. سأله أحدهم: هل أنت حيدر؟"، كما يتذكر الشاب العراقي.

فما كان من حيدر إلا أن أجاب سريعًا: "لا، أنا شقيقه محمد". وقال حيدر للرجال إنه سيدخل إلى المنزل لإحضار الشخص الذي يبحثون عنه، بحسب الجارديان.

بيد أن حيلة حيدر لم تُكلّل بالنجاح؛ أمسك به أحدهم من عُنقه وسحبه إلى الشاحنة. وانتزع آخر هاتفه المحمول ومحفظته. عصّبوا عينينه، قيّدوه، ودفعوا به إلى أرضية الشاحنة تحت أقدامهم. وضع أحدهم مُسدسًا على رأسه وأخبره بأنه سيُطلق عليه النار إذا نطق.

عندما توقفت الشاحنة، بعد ساعة أو أكثر من ذلك، ترجّل الرجال في صمت وتوجّهوا به إلى غرفة كبيرة خاوية وأغلقوا الباب. في وقت مبكر من اليوم التالي، دخل الغرفة رجلان مُلثمان بنفس الزي الأسود الرسمي، حاملين عصى وكابلات سميكة. عصّبوا عينيه مُجددا، وبدون طرح أي أسئلة، بدأوا يُبرحونه ضربًا حتى فقد الوعي.

1

وأشارت الجارديان إلى أن رد الحكومة العراقية على حركة الاحتجاج الشعبية كان "عنيفا ووحشيا". فعلى مدى 4 أشهر، قتلت قوات الأمن 669 مدنيًا وأصابت أكثر من 25 ألفًا، وفق لجنة حقوق الإنسان العراقية ومنظمات محلية غير حكومية وناشطين. وورد أنه تم احتجاز حوالي 2800 شخص.

ونقلت الصحيفة عن مصادر- لم تُسمها- قولهم إن بعض قوات الأمن كانت تمشي على خُطى حملة موازية لقمع الاحتجاجات وإسكات الناشطين والصحفيين من خلال عمليات اختطاف وترهيب واغتيالات. في الشهر الماضي، قُتل مراسل تلفزيوني ومُصور في سيارتيهما فيما يبدو أن عملية اختطاف حيدر كانت جزءًا من الحملة ذاتها.

وقال مسؤول بارز في لجنة حقوق الإنسان العراقية للجاريان: "منذ اليوم الأول، اختارت الحكومة اتباع خيارات عنيفة في التعامل مع المتظاهرين".

2

وقال المسؤول الذي تحدّث شريطة عدم كشف هويّته: "وقع العنف في شكل موجات. أولًا حدثت عمليات قتل جماعية؛ قُتِل 157 في الأيام الثلاثة الأولى وحدها. وبحلول أوائل نوفمبر بدأنا في تلقي تقارير عن عمليات اختطاف، ليس فقط داخل بغداد ولكن أيضًا في العمارة والناصرية. بدأ الناشطون والصحفيون والأكاديميون وأي شخص يُشتبه في دعمه لحركة الاحتجاج لوجستيًا أو أخلاقيًا في تلقي تهديدات بالقتل قبل اختطافه".

وأضاف أن "ناشطين اثنين في كربلاء اُغتيلا بعد أيام قليلة من لقائه مع زملائه".

تعُج ساحة التحرير بصور لمُختفين تم لصقها على الجدران أو أعمدة الكهرباء أو الخيام. بعضها قديمة، صفراء وباهتة. والأخرى جديدة وواضحة.

وقال المسؤول الحقوقي العراقي البارز إن "عمليات الاختطاف ليست عشوائية"، موضحًا أنه "يتم تخطيطها وتنفيذها لترويع المتظاهرين".

وتابع: "لقد حدثت على مراحل. أولاً، بدأت بالنشطاء البارزين، لاسيّما أولئك الذين يظهرون في وسائل الإعلام، ثم الأكاديميين والشعراء، وبعدها الصحفيون، وصولًا إلى الممرضات والطبيبات. وكل ذلك من شأنه أن يُرهب المتظاهرين ويحول التظاهرت دون التوسّع".

وعندما استيقظ حيدر، قال إنه وجد نفسه يرقد عاريًا على الأرض في غرفة مظلمة صغيرة يملؤها البول والبراز. وكان هناك خُطّاف في السقف وحوض استحمام متسخ مليء بالمياه البنية والأسلاك الكهربائية، حسبما أوردت الجارديان.

بعد ساعات قليلة، دخل رجال ملثمون الغرفة وتحدثوا معه للمرة الأولى. أمروه بفتح هاتفه، عاودوا ضربهم المُبرح له، وبدأوا يستجوبونه بشأن انتمائه السياسي، وسألوه عن السفارة التي كانت تموله هو وأصدقاؤه المحتجون.

وحينها بكى حيدر وأخبرهم بأنه لم يذهب إلى أي سفارات، وتظاهر بأنه نسي كلمة المرور لفتح هاتفه. خضع لتعذيب متواصل لمدة ساعتين أو 3 ساعات تقريبًا. وعندما فقد الوعي، قاموا بغمره في حوض استحمام. وعندما استيقظ، علّقوه بالخُطاف في السقف، ووصّلوا أسلاك الكهرباء بأصابع يديه وقدميه وأعضائه التناسلية لصعقه لاحقًا.

3

بعد 3 ليالٍ من التعذيب- الذي كان يحدث بقدوم الرجال المُلثمين إلى غرفته ليلًا- فتح حيدر هاتفه. أخذوا يُقلبون في صوره وطلبوا منه الكشف عن أسماء قادة الاحتجاج في بغداد والمحافظات العراقية. وحينما قال لهم إنه لم يكن هناك قادة، ملأوا حوض الاستحمام بمياه مُثلجة وغمروه داخلها، وكدّسوا كتلا خرسانية فوق صدره، وقام أحد فريق التعذيب برفعه من أعلى وغمره تحت الماء. وكانوا يتلذذون بشكل خاص حينما يوسعونه ضربًا على ذراع اليُمنى المُصاب، كما يتذكر.

عندما أصرّ حيدر الكشف عن هويّة أي شخص أو إدلائهم بأي معلومات، بدأوا في اغتصابه بعصا كهربائية وأجبروه على الجلوس على قارورة حتى اخترقته. وقال "بحلول نهاية الأسبوع الأول، كنت أتمنى الموت. أردت أن يقتلونني، أردت فقط أن أموت وأن يتوقف التعذيب".

قالت الجارديان إن رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي لم ينفك يزعم في كافة في تصريحاته الإعلامية أن "طرفًا ثالثًا" يهدف إلى إثارة الفتنة بين الشعب العراقي، وكان يُنفذ عمليات الاختطاف والاغتيالات، وهو نفس "الطرف الثالث" الذي نشر القنّاصة في الأيام الأولى للاحتجاج. الامر الذي سخرت منها جماعات حقوق الإنسان والمتظاهرين، وعارضه بعض مسؤولي الأمن في الحكومة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع في مديرية وحدات التعبئة الشعبية، قوله: "في الأسبوع الأخير من سبتمبر (الفائت)، تلقينا تقارير استخبارية تفيد بأن مظاهرات حاشدة ستحدث، يتبعها انقلاب عسكري".

وقال المسؤول: "تشكلت غرفة عمليات بقيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية عبد المهدي، حيث جمع حوله قادة الجيش والشرطة الفيدرالية وقادة الحشد الشعبي وكذلك إيرانيين. اتفقوا جميعًا على أن التظاهرات جزء من مؤامرة أكبر واتخذوا قرارًا بقمعها بعنف، وهذا ما دفع جميع الوحدات إلى إطلاق النار".

وأضاف: "بعد ذلك، قررت بعض فصائل (قوات الحشد الشعبي)، وليس جميعها، استهداف الناشطين العراقيين ذوي الصلة بالسفارات الأجنبية والمؤسسات الإعلامية الراعية لأعمال الشغب".

وفي هذا الشأن، ذكرت الصحيفة أن مكتب عبدالمهدي رفض طلبها التعليق على هذا الادعاء.

4

فيما تدعم جماعات حقوق الإنسان الادعاء بتورط الحكومة العراقية في عمليات الاختطاف. قال المسؤول إن "قوات الأمن تتواجد بالقرب من ساحة التحرير لمراقبة أي شخص، كما توجد شبكة من كاميرات المراقبة عالية الدقة تراقب العاصمة العراقية بغداد، لذلك لا يمكن تصور أن الحكومة لم تستطع تحديد الأشخاص المُختطفين".

كما تحدثت الجارديان إلى ضابط استخباراتي في وزارة الداخلية العراقية زعم أنه تلقى أوامر بالمشاركة في التظاهرات من أجل التجسس على حركات المحتجين الحقيقيين. وقال ضابط المخابرات ويُدعى حسام (اسم مُستعار): "إدارة المراقبة السرية بالوزارة كلها في الميدان، للديها خيام منصوبة، تُراقب من يدخل ويخرج".

وأقرّ: "لدينا كاميرات ويمكننا مراقبة الساحات وجميع المداخل، ونعرف من يدخل ويغادر الساحة. نستفيد من شباب المحتجين وقلة خبرتهم، ونتحدث معهم، ونحصل على أسمائهم ونتابعهم لمحاولة الوصول إلى قادتهم".

كما زعم أن المراقبة تستهدف بشكل خاص أولئك الذين يوزعون الطعام ويزودون المحتجين بالخيام والبطانيات. وقال "تريد الحكومة (العراقية) أن نرفع لها تقارير يومية عن الجهة التي تموّل هذه الاحتجاجات، لكن لا يمكننا العثور على هؤلاء (الممولين) لأن الجميع يرسلون أموالا؛ النساء المسنات وأصحاب المتاجر والطلاب. لكن الحكومة مهووسة بفكرة المؤامرة وأن جميع المظاهرات تنظمها سفارات (أجنبية)".

كان حيدر يحصل على الطعام مرة واحدة يوميًا: قطعة خبز في يوم ما، وطماطم فاسدة، وأحيانًا أرز متجمد من بواقي الطعام في وجبات خاطفيه. إذا طلب الماء، كانوا يتبولون عليه، لذا كان عليه أن يشرب الماء من حوض الاستحمام المُستخدم لتعذيبه. وكان يقضي حاجته في كيس بلاستيك بجوار باب الغرفة.

وفي حين كانت تجري جلسات التعذيب ليلًا، لم يخل النهار من التعذيب أيضا، وإذا كان حيدر نائمًا، كان الخاطفون يضربونه بعصا أو يغمروه في مياه باردة. في أحد الأيام، يتذكر "دخل حارس الغرفة عندما كان نائمًا وأطلق عيارًا ناريًا في السقف، متلذذاً بصراخه من الرُعب".

في اليوم الـ14 من اختطافه، ألبس الحُراس حيدر "بيجامة"، معصوب العينين، وأخرجوه من الزنزانة. قال "كنت أعلم أنهم كانوا يأخذونني لكي يعدموني، وكنت سعيدًا؛ لقد أردت أن أموت".

قادوه إلى سيارة كانت تنتظرهم وأجلسوه في المقعد الخلفي. وبعد قيادة استمرت لبعض الوقت، خرج من السيارة وكان يشعر بالقمامة والأوساخ تحت قدميه العاريتين. أحد الحراس دفعه للسير إلى الأمام، جعله يسير لمسافة قصيرة ثم دفعه إلى ركبتيه.

قال حيدر للجارديان: "كنت أعلم أن الموت قادم، لكنني توسلت إليه أن يدعني أتصل بزوجتي. فقال لي أن أنتظر حتى يحصل على هاتف، وحذرني من أنه في حال أزلت العُصابة، سيُطلق عليّ النار".

انتظر حيدر لبعض الوقت، وعندما لم يعُد الحارس، نزع العُصابة ليجد نفسه في مكبّ نفايات مهجور فارغ. لم يكن يعرف الوقت أو المكان الذي كان فيه. وما كان منه إلا أن ركض، لكن حلّ عليه بشكل مُفاجئ ألم أسبوعين من التعذيب، وبدأ يرتعش من البرد والألم، بحسب الجارديان.

رأى منازل على مقربة منه وطريقًا سريعًا في الاتجاه الآخر. طرق الباب الأول الذي مرّ عليه لكن لم يرد أحد. وطرق ثلاثة أبواب أخرى حتى يتمكن من سماع صوت الناس من ورائها.

وحينما طرق باب المنزل الرابع، فتح ولد صغير، توسّل إليه حيدر للحصول على الماء والهاتف للاتصال بأسرته. سأله الصبي: "ماذا بك؟". وعندما أدرك أن الصبي يمكنه رؤيته، بدأ حيدر يبكي، حيث تأكد أنه لا يزال على قيد الحياة. قال "اعتقدت أنني ميت، وأن روحي التي كانت تركض".

لكن الصبي ظنّ أن حيدر كان سكرانًا، فدخل إلى المنزل وصرخت والدته في وجهه وأمرته بعدم الخروج مرة أخرى.

اتصل شخص ما بالشرطة وعندما وصلوا أرادوا اصطحاب حيدر إلى المستشفى أو قسم شرطة. لكنه توسّل إليهم أن يُعيدوه إلى ساحة التحرير، حيث شعر أن المتظاهرين سيحمونه.

وقال مسؤول من الحشد الشعبي للجارديان إن "الهدف ببساطة من اختطاف أُناس مثل حيدر هو إثارة الخوف، لإرهاب باقي النشطاء وقمعهم". وهو ما نجحوا إلى حد كبير في تحقيقه، وفق مسؤول حقوقي بارز لم تُسمه الصحيفة.

وأضاف المسؤول: "معظم الذين أُطلِق سراحهم يهاجرون ويغادرون، يرفضون التحدث أو تقديم شكوى، والكثير منهم لا يذكرون من اختطفهم".

فيديو قد يعجبك: