إعلان

العراق وداعش... حكاية انتقام لن تنتهي قريبا (الحلقة الثالثة)

11:34 ص السبت 05 يناير 2019

داعش

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- سارة عرفة ورنا أسامة وهدى الشيمي:

في الحلقة الثالثة من هذا التحقيق الذي أعدته نيويوركر ونشرته في أخر نسخها في 2018، سلط الكاتب الضوء أيضا على فظائع ترتكبها قوى الأمن العراقية ومليشات الحشد الشعبي الشيعية بحق المشتبه في أنهم من تنظيم الدولة الإسلامية وأيضا ما يجري مع أطفال المقاتلين الذين سقطوا في ساحات المعركة.

تحدث الكاتب عن كيف أن هذه الممارسات ستؤدي في نهاية المطاف إلى إحياء التنظيم الذي اندحر في أغلبه، أو ربما خلق تنظيم جديد يكون أكثر شراسة من ذلك الذي ظهر إلى الوجود قبل سنوات مستغلا الفساد وسوء الإدارة والتهميش والظلم الذي وقع على قطاع ليس بهين من الشعب العراقي.

نُقل المشتبه بهم الذين نجوا من الأسر إلى مراكز احتجاز في الموصل والمناطق المُحيطة بها، ينص القانون العراقي على ضرورة مثول المشتبه بهم أمام قاضي تحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من الاعتقال، إلا أن ذلك لم يحدث ففي بعض الأحيان بقى بعض الأشخاص في الحبس لأشهر.

ورغم أنه لم يكن في الموصل سوى ثمانية ألف من مقاتلي داعش، وعدد أقل كثيرًا في القرى المُحيطة بها، إلا أن قوائم الأشخاص المطلوبين ضمن مئات الآلاف من الأسماء. بعض مراكز الاحتجاز لم يكن لديها ميزانية لتقديم طعام أو مياه نظيفة للمحتجزين، ولم يتوفر فيها أدوية أو معدات طبية تسمح بعلاج بعض الجروح فتلوثت، وفي بعض الأحيان اضطر الأطباء إلى بتر أطرف المحتجزين منعًا لانتشار العدى في باقي أجسادهم. كما توفي بعض المحتجزين بسبب الاختناق الناجم عن الازدحام الشديد، أو انتشار الاوبئة.

أوضح مسؤول استخباراتي عراقي بارز أن مئات الأبرياء احتجزوا نظرًا لتشابه اسمائهم مع أسماء أشخاص أخرين مطلوب اعتقالهم، ولم تفعل السلطات أي شيء لتغيير الموقف حتى بعد علمها بالأمر.

3

تباطأت وتيرة حملات الاعتقال في الآونة الأخيرة. في الموصل، لا يُشنّ الآن سوى مداهمتين أو ثلاث فقط في الأسبوع. يُجرى معظمها من قِبل قوات العمليات الخاصة العراقية بالتعاون مع الجيش الأمريكي، الذي يمدّهم بمعلومات استخباراتية- أسماء وعناوين وصور فوتوغرافية أحيانًا- وكذلك يزوّدهم بالمركبات والأسلحة والدعم الجوي.

في المقابل، يُسمح للجنود الأمريكان بالوصول إلى مرافق الاحتجاز، لجمع بصمات الأصابع والعين للعناصر رفيعة المُستوى المُستهدفة. في بعض الأحيان، يأخذون المُشتبه بهم بعيدًا، ويُطلقون سراحهم بعد أيام أو أسابيع، عند الانتهاء من استجوابهم.

أقوى المليشيات الشيعية في العراق تجمعها علاقة مُماثلة مع الحرس الثوري الإيراني، في الوقت الذي يواصل ضباط الأمن والاستخبارات من مليشيات "الحشد الشعبي" القيام بدوريات على أنقاض المدينة القديمة، وشنّ حملات اعتقال في بعض الأحيان.

في 30 أغسطس الماضي، اعتقلت مجموعة من قوات "الحشد الشعبي" يرتدي أفرادها ملابس مدنية، شخصًا أمام منزل ثيون يونس عبدالله، واستجوبوه لمدة ثلاث ساعات. قاموا بتصوير وجهه وجواز سفره وتأشيرة دخوله العراقية، وهدّده قائدهم، وهو رجل واسع النفوذ يدعونه أبوعلي، باعتقاله حال عاد أرداجه إلى المدينة القديمة.

بعدها أمسك اثنان من ضباط المخابرات في "الحش الشعبيد" بنادق الكلاشينكوف الخاصة بهم، استقلّا سيارة الشخص المُحتجز، واصطحباه عبر الجسر إلى شرق الموصل، وكانت ترافقهما سيارة أخرى.

خلال الطريق، أظهر له الرجلين صورًا ومقاطع فيديو على الهاتف المحمول لأشخاص مُشتبه في كونهم من مُقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية قُتِلوا في جميع أنحاء العراق. سألهم بدروه عما إذا كانت وحدتهم تشاركت هذه المواد مع أي حكومات أجنبية أو تلقّتها منها، ليرد عليه أحدهم: "نرفض التحدث عن هذا".

أضاف الرجل الذي كان يرتدي سروالًا جينز وقُبعة بيسبول ماركة جوتشي: "لأن أمريكا ليست صديقة لإيران".

قد تستمر عمليات الاحتجاز التي تسبق المُحاكمة لسنوات، وحتى إذا لم يمُت المُعتقلون جراء الظروف التي يتعرّضون لها داخل مرافق الاحتجاز، فإنهم قد يواجهون الأسوأ من الموت داخل قاعة المحكمة. وتتعرض ملفات قضايا آلاف المُحتجزين للضياع نتيجة نقل المُعتقلين بين مواقع عِدة تديرها وكالات أمنية متداخلة، الأمر الذي يعني بدوره أن المُشتبه بهم لا "مفقودون"، رسميًا على الورق. في وقت سابق، قال لي مسؤول استخباراتي عراقي بارز إن "المئات قُتِلوا أثناء الاستجواب".

وعادة ما يحدد مسؤولو وزارة الصحة سبب الوفيات بأنها "جراء نوبة قلبية" أو يُبقون السبب "مجهولًا "، ثم يتخلصون من الجثث.

هذه العملية يتخلّلها الفساد لدرجة أنه، كما يقول المسؤول، فإن "الفقراء فقط من مُقاتلي داعش يُحالون إلى المحكمة. أما الأثرياء منهم فيمكنهم شراء براءتهم بالمال". علاوة على ذلك يلجأ بعض ضباط المخابرات إلى قتل المُحتجزين رفيعي المستوى.

منذ وقت ليس ببعيد، شاهد مسؤول استخباراتي رفيع مجموعة من مرؤوسيه يضربون جهادي سعودي بقضبان حديدية داخل مركز اعتقال خاص بالقرب من الموصل. وبّخ الجهادي المُحقّقين بطريقة مُهينة وقال لهم إنه "إذا تعافى سيعود إلى ساحة المعركة ويُقاتلهم مُجددًا". ما كان منهم إلا أنهم كسروا ذراعيه وساقيه وألقوا كُتلًا رمادية على ظهره حتى فارق الحياة.

قال المسؤول "لا يعلم أحد، على وجه التحديد، متى مات، لكنه أراد أن يصبح شهيدًا، وبالتالي لم يكن بيد المُحققين حيلة".

وحول ما إذا كانت الحكومة العراقية تُحيط السفارات الأجنبية علمًا عندما يقتل ضباط المخابرات أحد مواطنيهم. أوضح المسؤول أن "معظم المقاتلين الأوروبيين يُحالون إلى القضاء دون أن يمسّهم سوءًا، لأنهم معروفون على نطاق واسع وموضِع اهتمام من قِبل الإعلام الدولي.

لكنه أضاف أن "معظم المقاتلين الأجانب ذوي الأصول العربية لا يُحاكمون. ونحن لا نخبر حكوماتهم بما يحدث لهم، ولا تطلب حكوماتهم معرفة ماذا حدث لهم".

2

في بغداد، تستمر محاكمات المشتبه فيهم رغم عدم وجود أدلة قاطعة، وشدة الأحكام وقسوتها أثارت الشكوك حول ما إذا كان القضاة قد حصلوا على تقارير استخباراتية سرية لم يشاركوها في المحكمة.

قررت المجلة الأمريكية الحصول على تعليق أحد القضاة البارزين، فالتقت بالقاضي مُنير حداد، الذي ترأس محاكمة الرئيس العراقي السابق صدّام حسين، ولكنه ترك العمل في القضاء الآن وارتدى روب المحاماة ويعمل جنبًا إلى جنب مع محامي شاب يُدعى علي شيماري، وكلاهما يدافع عن الأشخاص المشتبه بهما في جرائم متعلقة بالإرهاب، ولكنهما يعتقدان أنهم غير مذنبين.

قال شيماري إن الأحكام تصدر على بعض الأشخاص دون وجود أي أدلة تثبت أنهم مذنبين. فيما يُعلق حداد على الاحكام الجائرة التي تصدر بحق أشخاص أبرياء بأن "العراق ليست أمريكا، فلا يمكن أبدًا الجدال مع القاضي، لأنه في حالة حدوث ذلك، سينتقم القاضي أشد الانتقام من المشتبه به".

ومن جانبه، يقول ثائر عبد علي الجبوري، المتحدث باسم وزارة العدل، إن جماعات حقوق الإنسان تركز على حقوق المشتبه بهم، ولكن ماذا عن حقوق الضحايا وعائلاتهم؟ ويشير المسؤول العراقي إلى أن بلاده مرّت بالكثير من الهجمات الإرهابية، كما أن السلطات القضائية تعاني ضغطًا شديدًا.

قال: "نحن نحارب الإرهاب يوميًا، ولكن لا أحد يهتم بمعاناتنا".

يقضي المشتبه بهم ما بين عدة أشهر إلى سنة في السجن حتى ينفذ الحكم القضائي لأن كل حكم بالاعدام يحتاج إلى توقيع الرئيس العراقي حتى يُنفذ.

يرفض برهم صالح، الرئيس العراقي الذي تولى المنصب في أكتوبر الماضي، وسُجن وعُذب خلال حكم صدام حسين، التوقيع على أوامر بالإعدام، ويرى أن الحاكم أو الدولة لا يجب أن تعاقب الأشخاص بأخذ أرواحهم. في عام 2002، عندما كان رئيسًا للوزراء في الجزء الشرقي من كردستان، رفض صالح التوقيع بأمر اعدام على مقاتلي تنظيم القاعدة الذين حاولوا قتله.

يرى صالح أن الحكومة العراقية تصدر أوامر بإعدام أعداد كبيرة من الأشخاص لتهدئة غضب الشعب، الذي عانى من هجمات إرهابية دموية على مدار الأعوام الماضية.

وبالنسبة لجماعات حقوق الإنسان والمسؤولين الأجانب، فإن غموض وزارة العدل مصدر للإحباط الشديد. وحسب أحد الدبلوماسيين الأوربيين، الذي أمضى عدة سنوات يعمل في بغداد، فإنه العالم يعلم بحدوث عمليات إعدام جماعية من خلال قراءة ذلك عبر الصفحة الرسمية الخاصة بوزارة العدل على فيسبوك.

قال: "تُعلم وزارة العدل العراقية الجميع باعدام 42 إرهابيًا، ولكنها لا تكشف عن جنسياتهم أو هويتهم، أو أي تفاصيل متعلقة بهم تؤكد أنهم فعلاً ارتكبوا جرائم".

1

كما كشفت السلطة القضائية العراقية استعداد الديمقراطيات الليبرالية الغربية مُراعاة العملية القانونية بهدوء، باعتبارها عائقًا استراتيجيًا. خلال معركة الموصل، نشرت فرنسا جنودا من قيادات النخبة الخاصة بها لتعقّب وقتل مواطنيها.

هناك نحو 5 آلاف أوروبي انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية. من بين ألف أو أكثر ممن عادوا إلى بلدانهم الأصلية، لم توجه اتهامات سوى في عدد قليل جدا من الجرائم، نظرًا لشِبه استحالة جمع الأدلة على مستوى المحاكم في منطقة حرب أجنبية. وفي الوقت ذاته فإن وكالات الاستخبارات الأوروبية يلزمها فريقًا لا يقل عن 30 شخصًا لمراقبة شخص واحد بشكل كامل.

لذا تشجع الدول التي حظرت عقوبة الإعدام، العراق ضمنياً على القضاء على مواطنيها الجهاديين

قال الدبلوماسي الأوروبي: "إذا كانت الحكومة العراقية تجمع وتقتل العراقيين بهذه الطريقة، فعلينا أن نشجب ذلك بصوت عالٍ... لكن ليس لدينا أي فكرة عما يجب فعله بشأن مواطنينا. لا توجد سياسة واضحة".

بالنسبة للكثير من المُدانين بالإرهاب، ثمة مرحلة يتوقّفون عندها قبل إعدامهم شنقًا، تتمثّل في وقوفهم لتصويرهم بينما يشرحون كيفية تنفيذ جرائم الشنيعة، ويتم ذلك أحيانًا في مواقع جرائمهم، ويُعرض ذلك على التليفزيون الرسمي العراقي من خلال برنامج يحمل اسم "في قبضة القانون".

يُعرض البرنامج مساء كل جمعة ويُتابعه ملايين المُشاهدين. ويعتمد على إشراك المؤسسات القانونية وأجهزة الاستخبارات الأمنية ويُمجّد عملهم.

قال مُجاهد أبوالهيل، مدير قناة العراقية: "إنه البرنامج الوحيد في هذا البلد الذي يُعزّز ثقة العامة في قوات الأمن والمكاتب القضائية. إنه ينقل رسالة إلى العالم كله مفادها بأن مصير هؤلاء الإرهابيين في قبضة القانون!".

وأوضح مُقدّم البرنامج، الإعلامي العراقي أحمد حسن (36 عامًا)، أن "في قبضة القانون" لا يُجري مقابلات تليفزيونية فقط، لكنه يعرض أدلة حقيقية على جرائم داعش الإرهابية في العراق، بما في ذلك لقطات مُسجّلة وأسلحة وسيارات مُفخّخة وعبوات ناسفة"، الأمر الذي يُزيد الضغط على الجماعات الإرهابية، ويُساعد أجهزة الأمن على معرفة كيفية عمل هذه الجماعات. كما أنه يُحذر المواطنين من التكتيكات الإرهابية، ويُعينهم على اكتساب الثقة في أجهزة الاستخبارات الأمنية، بحسب حسن.

فيديو قد يعجبك: