إعلان

"لطائفُ المِنن" .. نظرات فيما أُشْكِلَ من سلوك البشر

د.هشام عطية عبد المقصود

"لطائفُ المِنن" .. نظرات فيما أُشْكِلَ من سلوك البشر

د. هشام عطية عبد المقصود
07:52 م الجمعة 24 فبراير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يبدأ تاج الدين أحمد بن عطاء الله السكندرى نصه بالقول:" أحمد الله والحمد واجب لصفات جلاله وعظمته، وأشكره والشكر مستحق له لسبوغ نعمته، وأرجوه وكيف لا أرجوه وهو الذى وسع كل شئ برحمته... ليس للعبد منه إلا ما من به عليه ولا يضاف له من المحاسن إلا ما أضافه إليه، ولا ينصر فى المصادر والموارد إلا بالتوكل عليه".

ثم يواصل ابن عطاء الله السكندرى فى قسم مضيف من كتاب "لطائف المنن" المحقق بدأب وجهد كبيرين والذى بين يدينا: "لا تكونوا من أبناء الدهور ولا من أبناء العد والإحصاء.." ويفسر بالقول أن يقول أحدهم صليت كذا كذا ركعة، ختمت كذا كذا ختمة، وحججت كذا كذا حجة، فهؤلاء من أبناء العد والإحصاء فهم إلى عد سيئاتهم أحوج منهم إلى عد حسناتهم".

هذا بعض من نص محقق مضاف إليه تعليقات وشروح مفصله يقدمه لنا الدكتور أنس عطية الفقى محقق هذا النص فى كتاب أنيق موسع صدر هذا العام 2023 متضمنا تقديما وتعليقا وشرحا وافيا لنص ابن عطاء الله السكندرى تبيانا وأثرا وعرضا لما جاء فى تراث أبى العباس المرسى وأقواله وأثره، وهو كتاب ضمن منظومة مكتبة تراثية موسعة يقوم عليها مركز تحقيق التراث العربى بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وهو مركز يعنى بتحقيق تراثنا العربى وذخائره التى تحمل تنوعا حضاريا يمتد ليشمل الجوانب العلمية والمعرفية المتنوعة، يقدم تحقيقا وافيا لكتب التراث العربى التى لم يتح لها التحقيق أو الشروح والتعليق الضافيين وحيث يتصدى المركز لهذا الدور المعرفى الرائد المتفرد فى منظومة الجامعات المصرية والعربية.

ويقدم الدكتور أنس عطية الفقى لهذا النص المحقق فيؤكد أن ما يزيد من أهمية الكتاب هو أن مؤلفه هو من كبار العلماء العارفين ابن عطاء الله السكندرى صاحب الحكم الشهيرة، وحيث كان لهذا الكتاب المحقق نشرات سابقة أشهرها نشرة فضيلة الإمام الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر وهو ما كان سببا فى التعريف بهذا الكتاب، لكنها كانت فى احتياج الى مزيد من تحقيق بأدوات عصرية وقواعد تحقيق صارت موضع اعتبار لدى محققى التراث العربى، ووفق ما ذكره المحقق فإن ذلك لأجل إبراز الصورة المثلى لهذه النصوص التراثية القيمة حيث احتاجت التجارب السابقة إلى عودة الى نسخ خطية قديمة ومنهج تحقيق معاصر فضلا عن احتياجها الى تعليقات وشروح.

ويعرض الدكتور أنس عطية الفقى طبيعة النسخ الخطية للنص المحقق ويصنفها حسب رتبتها فى منهج التحقيق، ويذكر منها ثمانية مخطوطات تتمثل فى نسخة مكتبة آبا صوفيا وهى تم نسخها عام 729 ه، ونسخة مكتبة تشستر بيتى بأيرلندا وكتبت عام 740 ه، ونسخة مكتبة الإسكوريال بإسبانيا وكتبت بخط نسخ حسن باللون الأسود قبل عام 757ه، ويذكر نسخا أخرى خطية محفوظة فى مكتبة جامعة ميتشيجان الأمريكية قرب القرن العاشر الهجرى، ونسخة مكتبة جامعة الرياض بالسعودية وترجع الى عام 920 ه، إضافة لنسخ أخرى فى تواريخ أبعد.

وحيث قام المحقق بتحديد مراتب النسخ ومقابلة النسخ مع بعضها البعض وتقديم الشروح والتعليقات فضلا عن تزويد النص بكشافات وافية لجميع ما ورد فيه من معلومات، وحيث يضيف: "تبرز أهمية الكتاب فى أنه قد اشتمل على عبارات وماثورات لم ترد فى كتاب مماثل آخر كما أنه به أعلاما لم نجد لهم ذكر فى كتب الطبقات المتداولة بين أهل العلم".

ويتضمن الكتاب سياقا مهما يعنى بشرح مختلف أبعاد انتاج هذا النص من حيث التعريف بعصر ابن عطاء الله السكندرى، وحيث هو ضرورة لفهم ما يرد فى النص من عبارات أو أحداث أو مواقف، وحيث بدأت حياة ابن عطاء الله مع بداية عصر المماليك الأول وهو العصر الذى نقلت فيه عاصمة الخلافة إلى القاهرة بعد سقوط بغداد على أيدى التتار سنة 656ه، وشهد انتصارات الظاهر بيبرس والقضاء على التتار وحيث – وفق ما أشار المحقق- كانت القاهرة عامرة بدور العلم والعلماء غاصة بأسواق الكتب والمكتبات والوراقين وانتقلت لمصر الزعامة الفكرية والحضارية منذ منتصف القرن السابع وما يليه من قرون، وينقل محقق الكتاب عن ابن خلدون ما قاله عن زمن انتاج هذا النص: "واختص العلم بالأمصار الموفورة بالحضارة ولا أوفر اليوم فى الحضارة من مصر فهى أم العالم وإيوان الإسلام وينبوع العلم والصنائع".

وننقل هنا بعضا من محتوى النص وشروحاته حيث يقول ابن عطاء الله السكندرى عن العلم والعلماء: "وحيثما وقع العلم فى كلام الله تعالى " بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم"، فإنما المراد به العلم النافع المُخْمِد للهوى الذى تكتنفه الخشية وتكون معه الإنابة، ثم يضيف: "فشاهد العلم الذى هو مطلوب الخشية لله، أما علم تكون معه الرغبة فى الدنيا والتملق لأربابها وصرف الهمة إلى اكتسابها والجمع والادخار والمباهاة والاستكتار وطول الأمل ونسيان الآخرة فما أبعد من هذا العلم من أن يكون من ورثة الأنبياء.

ويتضمن النص بعضا مما ينقله ابن عطاء الله نقلا عن شيخه أبى العباس المرسى:"صلاح العبد فى ثلاثة أشياء، معرفة الله ومعرفة النفس ومعرفة الدنيا، فمن عرف الله خاف منه، ومن عرف الدنيا زهد فيها، ومن عرف نفسه تواضع لعباد الله".

إعلان