إعلان

مدد يا شهداء "ملحمة البرث"

د. أحمد عمر

مدد يا شهداء "ملحمة البرث"

د. أحمد عبدالعال عمر
08:28 م الخميس 21 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

نحن جيل انتمى أبطالنا دائمًا إلى زمن سابق ومعارك ماضية خاضها أجدادنا وآباؤنا دفاعًا عن أمن ووحدة واستقرار وكرامة هذا الوطن. وما أكثر هؤلاء الأبطال والشهداء، وإن كان أبرزهم حضورًا في الوعي الجمعي المصري في القرن الماضي، الشهيد عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الذي استشهد على الجبهة وسط جنوده في صبيحة يوم 9 مارس 1969. والشهيد إبراهيم الرفاعي، قائد المجموعة 39 قتال في حرب أكتوبر، الذي استشهد يوم الجمعة 19 أكتوبر 1973، بعد أن ضرب المثل الأعلى في الفدائية والشجاعة. والشهيد إبراهيم عبدالتواب بطل ملحمة كبريت، الذي استشهد بعد إصابته بدانة مدفع في 14 يناير 1974، أثناء إحدى الغارات الإسرائيلية على موقع كبريت المُحاصر.

ولكن شاءت إرادة الله، أن تجعل لنا شهيدًا من جيلنا، سوف يُكتب اسمه بحروف من نور في التاريخ المصري المعاصر، وفي وجدان ووعي الشعب المصري لقرون قادمة، هو الشهيد أحمد صابر منسي قائد الكتيبة 103 صاعقة، الذي استشهد على أرض سيناء يوم 7/7/2017، بعد مواجهة بطولية مع التكفيريين في معركة "كمين البرث"، ومعه مجموعة من أنبل وأجمل وأشرف أبنائنا من الضباط والجنود، مثل النقيب أحمد الشبراوي، النقيب خالد حسين المغربي، النقيب محمد صلاح، الملازم أحمد شاهين، الجندي علي السيد، الجندي أحمد العربي مصطفى، الجندي محمد محمود حسن، الجندي فرج محمود، الجندي مؤمن رزق، الجندي محمد إسماعيل، الجندي محمد رجب السيد.

وهم الشهداء الأبرار الذين عرض مسلسل "الاختيار" طوال شهر رمضان لمحات من بطولاتهم، وأوجع قلوب المصريين بمتابعة تفاصيل ولحظات استشهادهم. بلغ فعلهم وإحساسهم بالواجب تجاه وطنهم أقصى درجات البلاغة الوطنية والإنسانية.

وقد دفعني هذا الفعل، ووجعنا الوطني على فقدهم، إلى طرح الكثير من التساؤلات، وإلى التأمل في فعل "الشهادة" ذاته، والبحث في بواعثه ودلالاته؟ وإلى البحث عن عناصر وأصول الإحساس بالواجب الذي يجعل الإنسان يستهين بالحياة، وُيضحي بنفسه من أجل وحدة وسلامة وأمن وكرامة وطنه؟

وكيف يفكر هذا البطل في زوجته وأطفاله وأسرته، وهو مُقدم على تلك التضحية؟

وما هو واجبنا تجاه تضحياته، وكيف لا نجعلها هدرًا من بعده، بأن نستمر في الدفاع عن الوطن وكل ما ضحى الشهيد من أجله، وأن نجعل على هذه الأرض بالفعل ما يستحق الحياة لكل المصريين؟

وكيف نكرم أطفاله وأسرته، ونجعلهم في قلب وعقل الوطن والقائمين على إدارته؟ وكيف نحافظ على استمرار ذكراه وبطولته وتضحياته في ذاكرة الوطن والأجيال الحالية واللاحقة؟

ولماذا يضحي هؤلاء الأبطال بأرواحهم وحياتهم فداءً للوطن، في الوقت الذي تتصارع فيه النخب السياسية والثقافية والإعلامية، وبعض من هم في موضع المسؤولية على الغنائم والمصالح والمكاسب الشخصية، ويستهينون بكل مبدأ وقيمة؟

هذه بعض التساؤلات التي طرحها على قلب المرء وعقله فعل الاستشهاد، واستحضار بطولة وتضحيات شهداء كمين البرث، وأبطال مسلسل الاختيار.

وحتى البحث عن إجابات لها، لا أملك إلا أن أقول الآن: رحم الله الشهيد الأسطورة الذي لن ينسى أبداً أحمد صابر منسي. ورحم ضباطه وجنوده الأبطال. ورحم الله شهداء الوطن في معاركه الوطنية المختلفة عبر العصور، ولهم وأبنائهم وأسرهم، كل المحبة والاحترام والتقدير؛ لأنهم هم الأبطال والنبلاء، وهم القدوة والمثل الأعلى في نكران الذات والشرف والتضحية.

وهم الذين يصدق فيهم كلمات الراحل نجيب سرور:

الأبطال بمعنى الكلمة

ماتوا ولم ينتظروا كلمة

ما دار بخلد الواحد منهم

حين استشهد

أن الاستشهاد بطولة

أو حتى أن يعطي شيئًا للجيل القادم بعده

فهو شهيد لا متفلسف

ماذا يتمنى أن يأخذ

من أعطى آخر ما يملك في سورة غضب أو حب.

ومع ذلك فإن واجبهم علينا أن نتفلسف من أجلهم، وأن نسعى لتأسيس وعي جديد بالواقع والوطن والمرحلة التاريخية التي يعيشها، وأن نجعل هؤلاء الشهداء قدوة للأجيال القادمة من بعدهم؛ لأن هذا الوطن لن يخرج من أزمته ويتجاوز التحديات والمخاطر والتهديدات التي تواجهه، إلا بعد أن يحمل كل أبنائه من الحكام والمحكومين إرادة كإرادة الأنبياء في طريق الإصلاح والتغيير، وشجاعة كشجاعة الشهداء في طريق التضحية بالذات وما هو شخصي من أجل الوطن والصالح العام.

ولهذا سوف نظل نستلهم من تضحيات الشهداء الكثير من المعاني والأفكار، ونسوف نردد دائمًا: مدد يا شهداء "ملحمة البرث".

إعلان