إعلان

عطاء القرآن المتجدد من خلال الإعجاز العلمي

د. عبدالهادي مصباح

عطاء القرآن المتجدد من خلال الإعجاز العلمي

د. عبدالهادي مصباح
07:01 م الخميس 14 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هنا يبرز سؤال: هل يمكن أن تؤدي كثرة التفسيرات العلمية لآيات القرآن الكريم وتغير المفاهيم العلمية مع التقدم العلمي الرهيب إلى زعزعة الإيمان بالإعجاز العلمي للآيات القرآنية، وهل التفسيرات العلمية مع تطورها وإلغاء بعضها البعض تزيد من ذلك؟

يجيب فضيلة الإمام العالم الشيخ محمد متولي الشعراوي –رحمه الله- عن هذا قائلاً: القرآن كلام الله، وكلام الله هو صفته، وصفة الكمال في الله لا تتناهي ولا تنتهي، فلو أن القرآن أعطى كنوزه كلها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، لاستقبل الناس القرآن في القرون التي تليه بلا عطاء، ويريد الله أن يمتد عطاء القرآن إلى أن تقوم الساعة، ولذلك جاءت الأشياء التي فيه تباعاً، فكلما ارتقى وتقدم العلم يكتشف الناس ما بالقرآن من عطاءات متعددة ومتجددة ترسخ إيمانهم وتزيد من يقينهم، ثم إن هذا الكون المليء بالأسرار والعجائب التي جعلها الخالق محجوبة ومصونة إلى أن تكتشف من الخلق أنفسهم لكي لا يقال إنها موجودة فقط من أجل دعم الرسول والرسالة فقط، وعندما تكتشف نوقن بأن الذي كان غيباً أمس أصبح حقيقة مشاهدة لنا اليوم، فإذا حدثنا الخالق سبحانه عن غيب غيره فإننا نصدقه حتى لو لم نره مشاهدة أو نكتشفه بعد.

ويجيب فضيلة الإمام الشعراوي حين سئل في حديث تليفزيوني عن أفضل تفسير للقرآن قائلا: لا يوجد شيء اسمه أفضل تفسير، فلو أن الإنسان أباح لنفسه أن يفسر القرآن لكان أولى بالذي أنزل عليه القرآن صلى الله عليه وسلم أن يفسره، إلا إنه لو فسره فليس لنا أن نحيد عن هذا التفسير الذي ربما يحمل معاني وإشارات لا تطيقها العقول في ذلك الوقت فيكفر الناس بها، كما أن ذلك يغلق باب الاجتهاد والعطاءات المتجددة للقرآن.

وفي برنامجه الرائع "العلم والإيمان" يؤكد الدكتور مصطفى محمود أن البحث في النشأة ليس محظورًا على المسلم، وأنه عندما نتكلم في التطور أو غيره من كيفية النشأة الأولى، فإن ذلك لا يعتبر حرامًا أو غير مقبول أو خروجًا عن الإيمان، فهذا خطأ فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتفكير والبحث "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق" العنكبوت 20، فهذا أمر صريح بالبحث والتفكير في النشأة الأولى للخلق، فليس هناك حرمة مهما شطح بك التفكير، فعليك أن تفكر وتجتهد وتختلف ولا يكفر أحد الآخر على اجتهاده، فنحن مأمورون بالسير في الأرض للبحث عن "كيف بدأ الله الخلق"، وذلك على الرغم من إقراره سبحانه وتعالى "ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا" الكهف 51، وليس في الإسلام على الإطلاق حجر على البحث أو العلم، وليس فيه بابوية ولا كهنوت، فالباب مفتوح للاجتهاد والتفكير، وعندما يقول عز وجل "قل سيروا في الأرض فانظروا" معناها أن المسألة تحتمل وجهات نظر متعددة يمكن أن توصلنا إلى "كيف بدأ الخلق" وأن هناك شرعية كاملة للبحث العلمي في الحقائق العلمية الواردة في القرآن الكريم مهما شطح بك التفكير، حتى لو تغيرت هذه النظريات العلمية مع الزمن، فالذي يتغير أو يتكشف لنا إنما هو فهمنا للآية على ضوء الاكتشافات الحديثة -وليس إيماننا بالآيات أو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- فعندما تختلف وجهات النظر العلمية في تفسير بعض آيات القرآن، فليس هذا معناه أن هناك طرفين أحدهما مؤمن والآخر كافر، ولكن ذلك هو صميم الإسلام الذي يحث على البحث والتفكير والتدبر؛ لكي نصل في النهاية إلى خالق هذا الكون سبحانه بعقولنا.

ولنأخذ مثالاً آخر يظهر إعجاز القرآن اللغوي ومناسبته لكل العصور والعقول وهو أننا عندما درسنا الذرة ونحن طلبة علمونا أنها تتكون من نواة من البروتون والنيوترون، ويحيط بالنواة مدارات للإلكترونيات، وعلمونا أنه لا يوجد ما هو أصغر من الإلكترونات، هكذا تعلمنا.

وكنا نقرأ الآيات: "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ "، الزلزلة 7-8، وقوله أيضا: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا" النساء 40.

وفي الستينيات من القرن الماضي اكتشف العالم "موري جيلمان" Murray Gell man ما هو أصغر من الإلكترون، وهي عبارة عن جزيئات داخل بروتون ونيوترون النواة ذات تردد عال، وأطلق عليها اسم "كواركات" Quarks، ولكنه لم يستطع أن يثبت وجود "الكواركات" عمليًا، حيث أتى التأكيد فيما بعد حيث تأكد العلماء من وجود "الكواركات" عندما أطلقوا الإلكترونات على البروتونات بسرعة تساوي 99% من سرعة الضوء، فتتحطم البروتونات إلى مكوناتها، وبناءً على ذلك حصل "جيلمان" على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1969.

ثم تبين بعد أن ظن العلماء أن الكون مصنوع من الكواركات والإلكترونات فقط لا غير، أننا لم ننتبه للمعنى الذي ورد في القرآن الكريم عندما يتحدث عما هو أصغر من الذرة بمنطق الحساب بالعدل المطلق فيصغر سبحانه وحدات قياس العدل والميزان فيقول "وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" النساء 124؛ لأن "الكوارك"، أصغر من الذرة بمائة ألف مرة وهو يتحرك حركة اهتزازية مستمرة داخل الذرة أشبه بالنقر، وبعد ذلك تبين أن هناك ما هو أصغر من "الكواركات"، حيث تبين أن "الكواركات" نفسها تتكون من بلايين من "الفتائل" (جمع فتيل)، والأوتار Strings، وهي عبارة عن أغشية من الطاقة متعددة الأبعاد ومتغيرة، ذات تردد عالٍ جدًا قد يكون لها نهايات مفتوحة فتلتصق بغشاء النواة، أو نهايات مغلقة حلقية فتكون حرة الحركة كما في وحدة الجاذبية والتي تسمى "جرافيتون" Graviton، لذا يمكنها الحركة بين الأبعاد المختلفة، لذا فقد ذكر بعض علماء المسلمين أن "الكوارك" هذا هو النقير في القرآن الكريم نظرًا لتردده العالي كما ورد في الآية الكريمة: "ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً" النساء 124، ولم ندرك إلا حديثاً أن الفتائل أو الأوتار المكونة للكواركس هي المقصودة بالفتيل، وهي أصغر مكون في الذرة نعرفه حتى الآن في قوله تعالى "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا" (النساء 49)، وقد كانت كل التفسيرات القديمة تشير إلى أن المقصود بالنقير والفتيل إنما هي التي تتوجد في نواة التمر أو البلح، والتفسيران مقبولان كل حسب المتلقي، فلو أن الرسول صلى الله علية وسلم فسر لعرب الجزيرة العربية في ذلك الوقت الذرة والكوارك والفتيل لكفر الناس به؛ لأن عقولهم لا تحتمل هذا التفسير لذا فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟

وكل هذه الأجسام يجمعها داخل الذرة الطاقة الكهرومغناطسية (الضوء)، وهي الطاقة نفسها التي تجمع الذرات؛ لتكون جزيئات، وأيضًا تجمع الجزيئات من أجل تكوين الأجسام في النهاية.

"الله نور السماوات والأرض"، النور35، على مستوى ما تحت الذرة، هناك 4 قوى أساسية تتحكم في هذا الكون وهي:

الطاقة الكهرومغناطيسية ووحدتها: "الفوتون".

القوة النووية الضعيفة وهي مسؤولة عن تحلل نواة الذرة ووحدتها: "بوزون".

القوة القوية التي تمسك بمكونات نواة الذرة معًا ووحدتها: "جلون".

قوة الجاذبية ووحدتها: "جرافيتون".

ومصدر كل هذه المكونات يأتي من المادة المظلمة (السوداء)، إذًا فالضوء أو النور الذي يؤثر على الأوتار داخل "الكواركات" هو الأصل فيما يشكل كل هذا الكون؛ لأن "الله نور السماوات والأرض" النور:35، وعندما خلق سبحانه آدم من طين لم يكتسب آدم كل الصفات الإنسانية والحياتية إلا من خلال نفخة من روح المولى والخالق عز وجل الذي قال "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ(7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ(8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ(9)" سورة السجدة 7-9.....

وكلما تعمقنا في دراسة المكونات تحت الجزيئية أو تحت الذرية وجدنا أن الزمان والمكان والمادة تفقد كل خواصها الفيزيائية المعروفة لنا في هذه المنطقة، وتتلاشى تمامًا، حيث لا زمان ولا مكان ولا مادة عند هذا المستوى تحت الذري، مع علمنا بأن أجسادنا تتكون من هذه المكونات المتلاشية، والتي تعمل خارج مجال الزمان والمكان ولا تخضع لقوانين الفيزياء الكلاسيكية التي نعرفها.

إعلان