إعلان

"ديليت هيستوري، أختي الصغرى، والمرأة التي هربت" في البرليناله الـ٧٠

د. أمــل الجمل

"ديليت هيستوري، أختي الصغرى، والمرأة التي هربت" في البرليناله الـ٧٠

د. أمل الجمل
07:21 م الخميس 27 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا شك أن أفلام هذا العام أقل من مستوى أفلام دورة العام الماضي لمهرجان برلين السينمائي -البرليناله - في دورته السبعين. ليس في المسابقة الرسمية فقط، ولكن على جمع الأقسام. كانت دورة العام الماضي أجمل دورة حضرتها بمهرجان برلين منذ العام ٢٠١٤. وكأن ديتر كوسليك كان يُصر بإرادة وعزيمة على أن يختتم مشواره مديرًا فنيًا للمهرجان بتحقيق إنجاز كبير، على كافة أقسام المهرجان.

بينما هذا العام، نجد المستوى بشكل عام متوسطًا، لا شيء مبهر، أو يصل إلى مستوى التحف أو الجواهر السينمائية، لا شيء يخطف الأنفاس وأنت تشاهده، هناك بعض الأفلام المتميزة، لكنها ليست سينما استثنائية، أو "ماستر بيس". مع ذلك سنكتب عن عدد من أبرز تلك الأعمال التي سيتعين على أعضاء لجنة التحكيم برئاسة الممثل البريطاني جيريمي آيرونز، الاختيار من بينها، وتوزيع الجوائز عليها - بعد غد - بعد أن شاركت في المسابقة الرسمية التي تضم ١٨ فيلمًا، منها فيلمان عُرضا من قبل بمهرجانات أخرى، وهو أمر أعتقد أنه كان يستحيل أو يصعب حدوثه في وجود ديتر كوسليك، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمسابقة الرسمية.

ديليت هيستوري

من بين أبرز الأعمال التي جاءت موشاة بخطوط كوميدية ساخرة، إضافة إلى أهمية موضوعها فيلم فرنسي بعنوان delete history ، من إخراج اثنين هما جوستاف كرفرن وبونوا دولبين. تتوزع البطولة بين ثلاث شخصيات لديها مشكلات وصعوبات تسبب التورط في عالم الإنترنت، وما ينجم عنها من فضائح جنسية تُهدد مستقبلهم العائلي.

نعيش تفاصيل من حياة الشخصيات الثلاث، فهناك أب يعيش على القروض وبطاقات الائتمان يكتشف أن ابنته تتورط في فيديو جنسي يسبب لها مشاكل في المدرسة، وهناك أم تضطر لأن تترك ابنها الذي تعشقه؛ ليعيش مع والده لأنها لا تملك أموالاً كافية لإعالته، والمرأة الثالثة تعمل وتريد رفع مستوى تقييمها بنجوم إضافية ليزداد دخلها، لكنها لا تحصل إلا على نجمة واحدة، ثم نكتشف أن التقييمات وراءها جيوش جرارة يتم تأجيرهم.

نتعرف على الشخصيات وأفراد عائلتها، نتعاطف مع مشكلة كل منهم، خصوصًا في ظل توابعها النفسية والاجتماعية، ثم محاولات هؤلاء الثلاثة لإلغاء هذه الفيديوهات فإذا بهم يكتشفون الكارثة أن إلغاءها من على جهاز الكمبيوتر لم يعد كافيًا؛ لأنها صارت مخزنة على الكلاود أي "السحابة". هنا، يقررون خوض مغامرة أكبر لإلغاء الفيديوهات من الكلاود؛ ليخلقوا مشاهد مغزولة بشكل كوميدي في عدد منه، وإن لم تخلُ من المبالغات أحيانًا. مع ذلك يظل الفيلم خارج إطار التحف واللآلئ السينمائية.

أختي الصغرى

على عكس الفيلم السابق الكوميدي يأتي فيلم "أختي الصغرى"، حيث في أجزاء عديدة منه ينتزع الدموع، وستسمع صوت نساء تنهنه - همسًا - في القاعة ومناديل تتسلل بخفة لتمسح الدموع. هنا ممثل مسرحي مشهور يُدعي سفين، يُصاب بالسرطان في مراحله الخطيرة. أخته إلزا هي توأمه لكنها ولدت بعده بدقيقتين؛ لذلك يطلق عليها الأخت الصغرى، إنها تحبه جدا، ومتعلقة به بشكل كبير، لكنها متزوجة ولديها طفلان، الآن صارت تصب كل اهتمامها على رعاية أخيها الذي يحتضر، ستفعل كل شيء لمنعه من الرحيل. أثناء ذلك ندرك ارتباك علاقتها هي وأخيها بالأم القاسية الفوضوية إلى حد ما، ندرك آثار مرض أخيها على بيتها وعلاقتها بزوجها. هناك أيضاً المخرج المسرحي الذي لا يخضع للعواطف ويحسم أمره بتوقيف المسرحية التي كان يقوم سفين ببطولتها. الآن يعمل المخرج على مسرحية جديدة. منطق رأسمالي عملي بحت، وهذا القرار بالفعل كان سببا في التدهور السريع لحالة سيفن. بينما أخته إلزا تحاول إنقاذه والبحث عن كافة العوامل التي ترفع معنوياته وأهمها التمثيل والعودة للأداء المسرحي. إنها تدفعه للحياة، للمقاومة، حتى عندما تتوقف المسرحية تواصل إلزا كتابة مسرحية جديدة له. هنا المعضلة الإنسانية في الفن ودوره في مقاومة الموت والمرض، بينما المخرج لا يتجاوب مع العواطف، لذلك حسم أمره؛ لأنه لا يعمل فقط من أجل المقاومة. إضافة إلى ارتباك علاقة إلزا مع زوجها الذي يتخذ قرارات نيابة عنها، قرارات تخصهما معًا، منها تبديل مقر وطبيعة العمل ومدارس الأولاد، ما يجعل إلزا تنفجر وتنفث عن غضبها الذي ظل مكتومًا طويلاً، وتتحول إلى كائن وحشي يهاجم زوجها حينما حاول اختطاف الأطفال لإرغامها على قراره، وذلك بعد أن اتهمها بأنها تبتزه بمرض أخيه. إنه يرفض لأولاده أن يعيشوا تجربة وفاة الخال، ربما لذلك كان يخطط لتلك النقلة في العمل والمدارس.

طرق غير مطروقة

يأتي فيلم "طرق غير مطروقة" متشابهًا بدرجة ما، مع فيلم "الشقيقة الصغرى"، في حكاية المرض الذي يصيب أحد أفراد العائلة، ويتولى رعايته طرف آخر من الأسرة يضطر أن يُضحي بعمله واستقراره المهني، وآثار ذلك نفسيًا عليهما. هنا البطل يقوم بدوره خافيير بارديم الذي يعاني من حالة من التشوش الذهني، والخلط بين الماضي والحاضر. بينما تتولى رعايته ابنته التي ستخسر عملها بسبب انشغالها مع والدها المريض.

هنا نعايش ثلاثة أزمنة، الزمن الحاضر، وهو زمن الأحداث، ثم الزمن الماضي البعيد جدًا عندما ارتبط خافيير بقصة حب كبيرة مع حبيبته الأولي التي تقوم بدورها سلمي حايك لكنها تقرر هجرته في لحظة حاسمة. ثم زمن وسط بين الاثنين - الماضي والحاضر- حيث نرى البطل وهو يحاول تأليف ختام روايته، ومترددًا هل يترك البطل يعود لجذوره، أم لا؟

كذلك، يتميز الفيلم الكوري "المرأة التي هربت" للمخرج هونج سانجوسو، بخفة روحه بشكل كبير، إضافة إلى بعض الملامح الكوميدية به. إنه عمل بسيط جدًا، عبارة عن أحاديث وثرثرة عادية بين الصديقات، مع ذلك لا نشعر معها بالملل، ولا نخرج عن عالم بطلتها. إنها فتاة شابة زوجها يسافر فجأة بعد خمس سنوات من الزواج وعدم الافتراق، بسبب هذا السفر المفاجئ يتركها بمفردها فتزور صديقاتها وتلتقي ببعض النساء، فتقيم عند امرأة خمسينية، من دون أن تنسى أن تأخذ لهم الهدايا التي تفتح بابًا لمزيد من الثرثرة الجذابة. أما عنوان الفيلم بسبب جملة أثناء الثرثرة نتعرف من خلالها على هروب الجارة ليلاً تاركة وراءها ابنتها وزوجها؛ لتسجل اختفاءً أبديا، من ذكر الأسباب. وإن كان العنوان يمكن أن نجد لها صدى رمزيًا عند البطلة التي واجهت خيانة الحبيب والصديقة في فترة الجامعة لكنها هربت من تلك الآلام وتجاوزتها.

والفيلم السابق هو أحد ثلاثة أفلام من آسيا تشارك في المسابقة الدولية لبرلين السبعين، أما الفيلم الثاني فيحمل عنوان "ريزي"، أو "الأيام" سنشاهده بعد كتابة هذا المقال بدقائق. إنه للمخرج تساي مينج ليانج، في حين تتمثل المشاركة الثالثة في الفيلم الوثائقي الوحيد المشارك في المسابقة الرئيسية، "إيراديز"، للمخرج ريثي بأنه، المولود في كمبوديا، والذي تدور أحداثه حول الأهوال التي حدثت في بلاده في الماضي.

إعلان