إعلان

ساكن البيت الأبيض و"تويتر".. هل يفعلها ترامب ثانية؟

د.هشام عطية عبدالمقصود

ساكن البيت الأبيض و"تويتر".. هل يفعلها ترامب ثانية؟

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 30 أكتوبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

اعتدنا متابعة منافسات الانتخابات الأمريكية في سياق نمطي عبر العقود، وقد أحب أن يأخذ منه الخبراء والمحللون عبرًا واستخلاصات وشروحات دائمة يدونونها في ثقة ويقين باعتبارها تجليات وعناصر النموذج الأمريكي، وكأنه غير قابل لتحول أو تعديل أو تبديل، خالدًا يتحدى طبع البشر الزائل.

وهكذا داومت استخلاصات معظم تكرارات تجربة الانتخابات ذاتها على تغذية النمط النموذج، وعرفنا أنه تدور المرحلة النهائية بين مرشحين ينتميان لقطاع نخبوي عام بالمعني والمفهوم البيروقراطي والكلاسيكي، ومهما اختلفا بشأن قضايا المناخ والإجهاض وغيرهما من الفروع، تظل تسود منظومة تقاليد أداء في الانتخابات ثم في الحكم، ومجموعة قواعد سلوك وتصريحات صارت عبر الوقت تصنع ما يسمونه التقاليد المؤسسية الأمريكية التي يتم تقديمها لمحبي وشغوفي النموذج والنمط في العالم وكأحد أهم الصادرات الأمريكية.

وبعد أن ينتهي سباق كل فترة انتخابية، ينتصر أيضًا ماكثًا ومسيطرًا عرف وتقاليد المؤسسات، يدخلها الرئيس الأمريكي المنتخب طائعًا أو على مهل؛ ليكون في قلب دوائرها، فيسلك غالبًا ويمارس جوهريًا ذات الممارسات والسلوكيات في السياقين داخليًا وخارجيًا، طبعًا فيما عدا شذرات متفرقات لا تصيب العمود الفقري لهذا البناء بتصدع مؤثر، حتى لقد شاع عبر الزمان وكما قرأنا كثيرًا – وكلما عقدوا رجاء عربيًا ممدودًا على قاطن جديد لهذا البيت الأبيض ثم يكون لا شيء -بأنه لا ثمة تغير كبير يحدث مع تغيير اسم القاطن في البيت الأبيض، مبررين ذلك بأنه تقاليد ودور المؤسسات الكبرى الراسخة يشد في اتجاه إيقاعها وتوجهاتها.

ثم جاء عصر ترامب فأحدث قطيعة مع كل هذا، وحيث فرض شخصيته نموذجًا في الإدارة والحكم مواجها كثيرًا من التقاليد المؤسسية، وليضفي طابعه وأسلوبه في الإدارة والحكم -قل إن شئت نمطًا مؤسسيًا جديدًا بمواصفاته هو- وقد يراه البعض لا مؤسسي بحكم رؤيتهم وتعريفهم للمؤسسي بحذو الحافر والتقليد والاتباع، لكن بحكم الواقع والدور والتأثير والتغيير فقد فعل ترامب ما أراد، ووضع معايير جديدة في الإدارة وفي الخطاب الرئاسي وفي كيفية التفاوض وإعلان المواقف والتوجهات داخليًا وخارجيًا، بل وحتى النقاش مع الجماهير والإعلام، وارتبط بذلك اقتحام وتواجد وانخراط شخصي كامل في كل ذلك يحمل من طابعه ولا يخشى الهجوم ولا اللوم ولا الإساءة ولا يختبئ أبدًا خلف آخرين، يمكن أن نقول مارس حضوره مكتملاً –بكل ما في الطفولة من صدق وصفات أخرى– ودخل متفاعلاً مع كل المواقف والآراء والطروحات حتى الفردية منها؛ ليصنع حالة فريدة في ذلك السجل الرئاسي، لم يفسح لها قط أبوابًا خلفية نخبوية بل قرر وأعلن وطبعا أُجيب طلبه، وهكذا جعل الدوائر والأطر المؤسسية داخليًا وخارجيًا والمنظمة لحركة من سبقوه والتي قولبت أو أطرت أدوارهم وأداءهم، جعلها خاضعة له تتشكل وفق رؤيته وقراره، وأجبر مؤسسات وشخصيات بل ودول عظمى وصغرى، حليفة أو خصمًا على أن تعيد ضبط مؤشراتها على أسلوبه وطريقة إدارته وهجومه ومباغتاته وأيضًا طلباته، محفزًا لسلوكه بنشاطه المكثف وإيقاعه المتوثب غير الهادئ وانطلاقاته التي لا يؤسس لها مسبقًا.

ربما فعل هذا ترامب –بحكم موقعه- بوعي حاد بتأثر ببناء دوره في التاريخ كما يتصوره، فالبعض يحلو لهم في حياتهم وبعد أن مضى زمن الشغف بالثروة أو الجاه بفعل الاعتياد أن يتذوق ثمار الخلود، فأزمع على تغيير القيم المؤسسية وإعادة الصدارة لدور الشخص، الذي يمكنه أن يعيد تشكيل ومأسسة جديدة لكل ما سبق، الحضور الكبير والمتسع لدائرة أسرته عبر ابنته وزوجها في مجال السياسة الخارجية، وهو الذي طالما قدمه الخبراء والمحللون بأنه يخص العالم الثالث فقط، و أصبح زوج ابنته (صهره) جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس، وهو الذي حضر من خلفية العائلة وليس من حيز خبرة مطولة وتجارب في مؤسسات السياسة، وهكذا يحظى كوشنر بنفوذ كبير دوليًا، بل ويقوم بجولات مكوكية ويحضر اتفاقات ويدلي بتصريحات هي من الاختصاص الأصيل لوزارة الخارجية ودوائرها.

هناك تقاليد جديدة إن شئت تسميتها كذلك صنعها ترامب، ويكون السؤال هل هي مرهونة به كشخص؟.

الإجابة نعم وببقائه في الحكم، وسيكون الرهان في هذه الانتخابات على المواطن، وعلى هل يفضل الأمريكيون ذلك النمط الجديد الذي منح الدهشة وقلص ملل العادي في دوائر الحكم والسياسات، وأعاد النبض لخطاب حالة الاتحاد الكلاسيكي؛ لينعش موته الإكلينيكي السنوي بنبضات البث والاشتباك اليومي الذي يكون الجمهور –عموم الأمريكان– شهودًا ومشاركين ومتفاعلين معه، فيجعل السياسة، وكل الحياة الأمريكية مائدة نقاش وحكي وجدل وربما ثرثرات يومية مندفعة متجددة كأننا نعيش الحالة الديمقراطية البكر لنقاشات الساحات القديمة.

وحيث ترامب يفضل –حتى في عزل كورونا– البث المباشر والتصريحات والتواجد بالهجوم والرد على منصات التداول الاجتماعي، يتحدث عن كل شيء في العالم عن الصين والاتحاد السوفيتي وكوريا الشمالية، وكل شاردة تطرأ على ذهنه في الكون، مقدمًا رؤيته وتوصيفاته المنسابة –على البحري– بل يعلن نواياه ومقاصده تجاه الداخل والخارج، ولا يتأخر عن وصف رئيسة مجلس النواب -مثلا- بأنها مجنونة فترد عليه بأنه غير لائق أخلاقيًا، ثم ينبري حين تقاضيه وتتهمه كاتبة في إحدى المجلات بأنه تحرش بها في الرد نافيًا حدوث ذلك، ثم مضيفًا في دلالات متوارية يسهل التقاطها: "هي ليست من النوع الذي أفضله" هكذا يعلن رئيس الولايات المتحدة.

عندما نضع ذلك ونقارن كيف وقف ترامب في مواجهة التسريبات من شخصيات عملت دوائر السياسة معه أو بالقرب منه، ثم استقالت أو أقالها فنشروا كتبًا وتصريحات تدين ممارساته، ثم مضى عليها جميعها متجاهلاً مفندًا متهمًا، وقارنه بما حدث من دهشة تم تصديرها ضمن عناصر النموذج الخالد في قضية "ووترجيت"؛ لتجوب العالم عن كيف للعالم عن الديمقراطية الأمريكي، قارن سلوك ترامب أيضًا بكيف واجه الرئيس الأسبق كلينتون اتهامات التحرش ملتزمًا بكامل تقاليد المؤسسة والنموذج.

صنع ترامب لا شك مزاجًا وحالة جديدة في ممارسة السياسة وفي تقاليد نخبة الحكم في الولايات المتحدة، فهل يستطيع إدامتها وتغذية الشغف بها لدي الكتلة الأكبر من الناخبين!، فتكون هذه الانتخابات كما سابقتها تثبيتًا جديدًا لكل ما صنعه ترامب من تغيير للمناخ النفسي والشعبي للأمريكيين؛ لينتهي نسبيًا عصر المنافسة بين شخصيات بيروقراطية من مرجعية نخبوية منسجمة نسبيًا، فيصنع عصر الكاريزما الشعبية ودور الشخص الذي يفوق دور دولة المؤسسات التي طالما وصفها محللون بأنها حائط أمريكا العظيم، أم أن انتخاب ترامب في عام 2016 كان نتيجة نفور مؤقت من التقاليد المهيمنة لدي الجمهور ونزوعًا مترفًا مؤقتًا نحو تغيير للأطر والتوجهات في اتجاه يتشبه ويتشبث معًا بواقع تصدر منصات التواصل الاجتماعي لحياة البشر، أو أنه سيظل الجوهر –وإن أصابه تحول وقتي- كامنًا محافظًا ويتملكه الحنين دائمًا إلى قاعدته ونمطه المؤسسي البيروقراطي القديم الهادئ المعتاد فيكون الفائز جو بايدن.

إعلان