إعلان

شحاتة بتاع بين السرايات على شبكة الإنترنت

د. جمال عبد الجواد

شحاتة بتاع بين السرايات على شبكة الإنترنت

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الأحد 15 سبتمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عندما كنا طلابًا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية قبل أربعة عقود كان هناك عدد من الخريجين النابهين الذين سبقونا بسنوات، والذين لم يصادفهم الحظ للحصول على وظيفة مناسبة، فاحترفوا كتابة الأبحاث للكسالى من الطلاب الميسورين.

كان شحاتة أشهر وأنشط هؤلاء الكتيبة من كتاب الأبحاث الجامعية، وكنت تجده دائما في الكلية وعلى المقهى القريب في بين السرايات، مستعدًا دائمًا لتلبية احتياجات الطلاب المتعثرين، وكله بثمنه.

الآن وفي عصر الإنترنت يمكنك الحصول على الخدمة نفسها، بشكل أكثر كفاءة، عبر شبكة من الباحثين المنتشرين حول العالم، والمستعدين لكتابة الأبحاث الجامعية في تخصصات عدة.

لقد جعل الإنترنت كل شيء أسهل. لقد أصبح فعل الخير أسهل، وكذلك السرقة والنصب والتجسس والاحتيال، أصبحت كلها أكثر سهولة بكثير.

لقد أصبح العالم كله نطاقاً لأنشطة الغشاشين، ولم تعد حدود الدول تحد أو توقف أي أحد، وأصبح هؤلاء منظمين في شبكاتٍ وشركاتٍ متخصصةٍ في الغش الجامعي تعمل من كينيا والهند ودول فقيرة أخرى، تبيع جهد أبنائها لطلاب كسالي في أمريكا وبريطانيا وأستراليا الغنية.

منعًا لتشتيت الجهد تركز شبكات الغش الجامعي هذه أنشطتها على طلاب الجامعات المتحدثة بالإنجليزية؛ ولأنهم في بلاد الغرب يدرسون أي ظاهرة بعناية وشفافية، فقد دلت الأبحاث التي تم إجراؤها على أن 7% من طلاب الجامعات الأمريكية والبريطانية استعانوا في وقتٍ ما بخدمات هذه الشركات.

تتميز الخدمة التي تقدمها هذه الشركات بصعوبة كشف الغش الذي تقوم عليه، فحتى برامج الحاسب الآلي المصممة لكشف الغش الجامعي تعجز عن كشف هذا النوع من الغش؛ لأن كل شيء في هذه العملية سليم تمامًا، باستثناء أن الورقة البحثية مكتوبة بمعرفة كاتب خفي غير شرعي، فيما يذهب الفضل في كتابتها إلى شخص آخر.

تعتمد شركات وشبكات الغش الجامعي على قوة العمل المتوافرة في بلاد مثل الهند وكينيا، والتي يوجد بها الكثير من المتعلمين النابهين، والذين تم تأهيلهم جامعيًا بشكلٍ جيدٍ، ولكن ظروف بلادهم لا تسمح لهم بالحصول على عملٍ بأجرٍ مناسبٍ، تمامًا كما كان الحال مع صاحبنا شحاتة في بين السرايات؛ ومن بين هؤلاء تجند شركات الغش الأكاديمي قوة العمل اللازمة لها.

تسهل وسائل الدفع الحديثة، عن طريق كروت الائتمان وما شابه، إتمام هذه الصفقات عبر البحار والحدود. يدفع الطالب 15 دولارًا مقابل كل صفحة في البحث المطلوب، بشرط أن يتقدم بطلبه أسبوعين قبل التاريخ المطلوب لتسليم البحث، أما إذا كان متعجلاً، وكان من الكسل والغفلة بحيث إنه نسى حتى أن يطلب مساعدة خدمات الغش الدولية في الوقت المناسب، فإن عليه أن يدفع 42 دولارًا مقابل كل صفحة من البحث إذا أراد تسلم بحثه خلال ثلاث ساعات.

إلا أن الباحث الحقيقي القادم من بلاد الفقر والحاجة لا يحصل على كل هذا المبلغ، فهو لا يحصل عادة على أكثر من ثلثه، فيما يذهب نصيب الأسد لرؤوس عصابة الغش، والذين يأتي معظمهم من بلاد الشمال الغنية، فتحول الغش الجامعي إلى مناسبة جديدة يستغل فيها الأغنياء القادمون من شمال العالم الفقراء المساكين القادمين من بلاد الجنوب.

إعلان