إعلان

الأحزاب في مصر... إلى أين؟

د. غادة موسى

الأحزاب في مصر... إلى أين؟

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م السبت 11 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تُقاس حيوية الحياة السياسية ليس فقط بالتعددية الحزبية، وإنما أيضًا بحيوية الأحزاب الموجودة. ويقصد بالحيوية قدرتها على التأثير في مجريات السياسات العامة، واتصالها بالجماهير بشكل مستدام ومبادرتها في تقديم حلول للمشكلات التي تواجه المجتمع.

وبديهي أن يعقب التحولات السياسية التي تشهدها الدول ظهور أحزاب جديدة وأفول أحزاب قديمة. بحيث يُسفر المشهد السياسي عن "إفاقة وانتعاشة حزبية" تعبر عن نفسها في عدد كبير من الأحزاب السياسية. وخلافاً لفترة الأربعينيات والخمسينيات التي شهدت ظهور أحزاب ارتبطت أسماؤها وأهدافها بأهداف عبر وطنية، كالقضاء على الاستعمار والتحرر منه ومن التبعية السياسية والاقتصادية للغرب وتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، فإن الأحزاب التي نشأت أو بعبارة أدق أنشئت عام ١٩٧٦، فيما يُعرف باسم "المنابر الحزبية" كانت لها مسحة أيديولوجية على مسطرة يسار الوسط ويمين الوسط، إلى أن شهدت الساحة السياسية بداية من التسعينيات سيادة توجه سياسي يميني محافظ انعكس في تشكيل حزب واحد يحكم وأحزاب أخرى تحاول أن توجد لها مكانًا في السلطة. ولما كان نظام الحزب الواحد قد تهاوى في معظم دول العالم الثالث والأقطاب اليسارية عقب سقوط نظم سياسية اشتراكية تأثرت بها العديد من دول العالم، بالإضافة إلى تمدد موجات ما أطلق عليه الربيع العربي منذ ٢٠١١ وحتى الآن، فقد صار لدينا خليط من الأحزاب التاريخية والأحزاب الوليدة الحديثة، ويخلو معظم الحديث منها من ملامح التوجهات السياسية التقليدية، حيث من الصعب أن نطلق عليها يسارية أو يمنية أو وسط، إذ تميل معظمها إلى اعتناق أفكار سياسية ذات طبيعة "قومية"، حيث انعكس ذلك في أسمائها التي تحمل كلمة "وطن" أو "ثورة" أو "شعب" أو "مصر".

ومن ثم غاب عنها اللون السياسي "الأيديولوجي" الذي ما يميز عادة الأحزاب السياسية في كل دول العالم، فأصبح لدينا ما يزيد على عشرين حزبًا متشابهًا سياسيًا، أو بعبارة أخرى "أحزاب تكرارية".

ونتيجة لهذا التكرار، تصاعدت أصوات الخبراء والمعنيين لتطالب بضم المتشابه ودمج المتكرر، لتكوين كتلة أكثرية "حزبية" عُرفت باسم "ائتلاف دعم مصر"، وهو ائتلاف تشكل تحت قبة مجلس النواب، ولم يمتد إلى داخل الأحزاب التي شكلته، وأصبحت جزءًا عضويًا منه، مثلما لم يمتد إلى الشارع السياسي. واللافت للانتباه أن الائتلاف السياسي ضم بين طياته بعض المستقلين من خارج الأحزاب السياسية.

وكان من المفترض أن يكون ائتلاف دعم مصر الحاضنة الأكثر ملاءمة سياسيًا للأحزاب المتشابهة التي لا ترى إمكانية أو رغبة في الانصهار مع أحزاب أخرى حتى وإن كانت متشابهة.

وما لبث أن تراجع ائتلاف دعم مصر ليحل محله أحد الأحزاب السياسية القومية لتبدأ عملية انصهار أخرى لم تعرفها الأدبيات السياسية ولا الممارسة السياسية الحزبية لا على مستوى الفكر السياسي ولا على مستوى الخبرات السياسية.

فلأول مرة، نشهد حراكًا سياسيًا حزبيًا تحت قبة البرلمان يفسح المجال لأن ينتقل نواب ينتمون سياسيا لأحد الأحزاب لينضموا لحزب آخر في نفس الدورة البرلمانية خلافا لما تنص عليه لائحة المجلس، فالذي انتخبته كمستقل صار حزبيا، والذي انتخبته كعضو في حزب سياسي ما صار انتماؤه الآن لحزب سياسي آخر.

وجميعها تحركات أربكت الحياة السياسية والحزبية تحت القبة وفي الشارع السياسي، حيث نشهد استقطابات حزبية، بل "بورصة حزبية ".

وزاد من هذه الظاهرة الحديث عن نظام انتخابي يتكون معظمه أو نصفه من القوائم التي من المفترض أن تشكلها الأحزاب السياسية المختلفة، مما قد يجعل فرصة المستقل في الدخول للدورة البرلمانية القادمة شبه ضعيفة، خاصة إذا انتفى عنصر وجود ملاءة مالية مناسبة.

إذن، نحن نعيش حالة من المنافسة السياسية الحزبية غير محمودة العواقب، لأنها ليست منافسة سياسية حزبية على من يضع سياسات وخطط أفضل، وإنما من يستطيع استقطاب أكبر عدد من العضويات والرموز وأصحاب المال والنفوذ، أكثر منها أصحاب الفكر والرؤى السياسية. وهذا المسار لا يقود إلى حياة سياسية صحية أو مستدامة. صحيح أننا ما زلنا في مرحلة مبكرة على وجود حياة سياسية حزبية مستقرة، إلا أن ما يحدث الآن لا يشير إلى أننا نسير في هذا الاتجاه.

إن إدارة مخاطر ارتباك الحياة السياسية الحزبية في مصر قد لا تحلها أفكار من قبيل الدمج أو الإلغاء أو الاستبعاد؛ لأن مثل هذه القرارات ستؤدي حتمًا إلى شكل من أشكال "الاحتراب الحزبي" من جهة، كما قد تعيدنا إلى النقطة "صفر" وهي حزب واحد، وليس حزب أغلبية، وشتان ما بين المفهومين.

كما قد تفتح المجال لنشأة "كارتلات أصحاب المصالح السياسية" تبسط سيطرتها على الحياة النيابية، وبالتبعية يكون لها تأثير ملحوظ على السلطة التنفيذية.

كما أن الذين يرون أن الحل سهل يجانبهم الصواب؛ فالوضع جد معقد، ويحتاج إلى حوار بين الأطياف السياسية الحزبية كافة، يقوده الخبراء من الساسة ومن الفقهاء القانونيين للحفاظ على استقرار الحياة السياسية من جهة، وعلى وجود حياة حزبية من جهة أخرى.

إذن، لا بد من وجود منصة تقود الحوار بين الأحزاب المختلفة، على أن تكون منصة مستقلة عن الأحزاب المختلفة، وعلى أن تقوم بإجراء الحوار على دورات متتالية تتناول فيها إعادة تعريف مهام الأحزاب ودورها في ضبط الحياة السياسية في المجتمع، بالإضافة لوضع رؤاها حول قانون الانتخابات وانتخابات المحليات وسياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويمكن أن تكون هذه المنصة جامعة القاهرة أو مكتبة الإسكندرية أو المجلس الأعلى للثقافة على سبيل المثال.

إعلان