إعلان

حول الصلة بين العراق ولبنان

حول الصلة بين العراق ولبنان

محمد جمعة
09:00 م الخميس 28 نوفمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تطرح الاحتجاجات الشعبية في العراق ولبنان جملة من القضايا والإشكاليات المشتركة، كون الساحتان تمثلان حلقتين في سلسلة " الهلال الشيعي" في المنطقة. وتؤكد كذلك عددًا من المستجدات السياسية ذات العلاقة بالصراع وموازين القوى في الإقليم.

فمن ناحية: يسلط الحراك الجماهيري هناك الضوء من جديد على إشكالية العلاقة بين "الديني" و"السياسي"... صحيح أنها ليست المرة الأولى التي تُطرح فيها هذه المسألة على جدول أعمال المنطقة بمجتمعاتها المختلفة، بيد أنها في الحالتين المذكورتين تشتبك مع الإسلام السياسي في طبعته الشيعية.

ثانيا: من المعروف أن القوى الرئيسية الحاكمة والمتحكمة (بدرجات متفاوتة) بمقاليد السلطة والثورة في البلدين، محسوبة على إيران (الحشد الشعبي وحلفائه في العراق، وحزب الله وحلفائه في لبنان).. وأي اهتزاز في المعادلات والتوازنات سيفقد طهران موقعها المهيمن. ولهذا يبدو واضحا تخوف إيران وحلفائها في الدولتين... فمع دخول "الشارع" لاعبًا جديدًا ووازنًا، لا بد لتوازنات القوى أن تتغير وأن تتبدل كذلك، وإن كان ليس بنفس الدرجة المتوقعة في البلدين.

ثالثا: إذا كانت طهران قد اعتمدت "سياسة مذهبية" لتوسيع قاعدة نفوذها الإقليمي (الهلال الشيعي) فإن خصومها من الحكومات العربية، قد اعتمدوا "السياسة المذهبية" ذاتها لمواجهة نفوذ طهران والحد من طموحاتها في التوسع والهيمنة، إلى أن انتهى الوضع بالإقليم إلى حدوث هذا "الفالق المذهبي" الذي شطر المنطقة وما زال يشطرها إلى معسكرين متصارعين.

رابعا: النقطة السابقة لا تنفى بالمقابل أن انضمام بعض شيعة لبنان إلى حراك الشوارع والميادين في بيروت وغيرها من المدن اللبنانية، وانخراط مئات الآلاف من الشيعة العراقيين في الاحتجاجات في العراق مطالبين بإزاحة أحزاب الفساد (وغالبيتها شيعية ومحسوبة على إيران)، تسلط الضوء بشكل أكبر عن ذي قبل حول الجدل الدائر الآن في دوائر الشيعة العرب بشأن طبيعة العلاقة مع إيران، وما إذا كان يتعين تعزيزها وتوطيدها، أم الاحتفاظ بمسافة واضحة عن "دولة المركز الشيعي".

بمعنى أن بعض المرجعيات السياسية والدينية الشيعية، تجادل اليوم ضد ما بات يُعرف بنظرية "حلف الأقليات" في المنطقة، ويبدو أن بعض الشيعة، يصلون اليوم (وبعد اصطدام "طموحاتهم التحررية" بجدار الهيمنة الإيرانية) إلى نتيجة مفادها: "ألا حل شيعياً لمشاكلهم في المنطقة"، وأن "الترياق" الذي انتظروه مطولاً من إيران، لن يأتيهم. وأنه لا مفر من إعادة التموضع في صفوف حركات التغيير والإصلاح الوطنية، بدلا من الاستمرار في البحث عن "خلاص فئوي" من أنظمة الفساد.

خامسا: مثلما دخلت إسرائيل على خط المواجهة مع إيران في العراق (عبر سلسلة الضربات العسكرية لأهداف تابعة للحشد الشعبي هناك) يبدو أن " تل أبيب" تبحث كذلك عما يفاقم من كلفة "الحراك" في لبنان على مصالح طهران وحلفائها هناك. فها هو الجنرال غيورا آيلاند مستشار الأمن القومي السابق، يقول: إن لدى إسرائيل فرصة نادرة لتوجيه ضربة ساحقة لحزب الله وسلاحه، من دون اضطرار للدخول في حرب مكلفة ومقامرة غير محسوبة.. ما هو مطلوب من إسرائيل اليوم، هو أن تضغط على يد الحزب المجروحة، وهو يقترح أن تسعى إسرائيل في إقناع مجتمع المانحين لاشتراط سحب سلاح الحزب، نظير حصول لبنان على المساعدات والقروض الميسرة.. فالضغط على المواطن اللبناني معيشياً، وإقناعه بأن الحزب هي سبب شقائه، هي السبيل القصيرة لنزع شرعية الحزب وشعبيته.

طهران كما "تل أبيب" لا تريان في لبنان سوى حزب الله وسلاحه.. الأولى تخشى عليه وتريد الاحتفاظ به وتعزيزه، ولذلك تخشى الانتفاضة وتتحسب لتداعياتها واتجاهات تطورها.. والثانية، تسعى لاستئصال الحزب وتقليم أظافره ومخالبه، وهذه المرة، من دون كلفة ولا مجازفة بمواجهات عسكرية غير مضمونة العواقب.. أما مطالب الشعب اللبناني المنتفض، وتطلعه للعيش الكريم وضيقه بالفساد والفاسدين، فهي ليست مدرجة على جدول أعمال العدوين اللدودين.

الخلاصة، أن "الانتفاضتين" في العراق ولبنان تجذبان اهتماماً إقليمياً ودولياً متعاظماً، وتتعرضان لانخراط إقليمي مكثف، ولا يمكن فصلهما عن دهاليز صراع المحاور وحروب الوكالة المحتدة في المنطقة منذ عشر سنوات على الأقل.

وفى كل يوم يمر تتعاظم تأثيرات تلك التدخلات الإقليمية وتزداد مواقف هذه الأطراف سفورا وتبجحا.

إعلان