إعلان

 أردوغان في مصيدة صدام ..!

محمد حسن الألفي

أردوغان في مصيدة صدام ..!

محمد حسن الألفي
09:00 م الثلاثاء 15 أكتوبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ما أشبه الليلة بالبارحة! والبارحة كانت في عام ١٩٩٠، حين منحت إبريل جلاسبي، سفيرة أمريكا في بغداد، الضوء الأخضر لصدام حسين لغزو الكويت، وبعد دخوله جيشت عليه أمريكا جيوش العرب والعالم !كان ذلك طبيعيا، لأنه أول استعمار عربي لدولة عربية. تم تدمير العراق.. ولا يزال متداعيا نتمنى له السلامة.

لا نتمنى لنظام أردوغان السلامة جزاء إرهابه وجموحه وعدوانه على العراق تارة وعلى سوريا مرات ومرات، وعلى ليبيا، وعلى مصر .

إشارة الأمريكان مع أردوغان: خضراء ثم حمراء ثم صافرة إنذار. ادخل ولكن. لما دخل. تبرأوا منه.

ترامب يسحب القوات الأمريكية. ترامب بضغط من الكونجرس ومعه البنتاجون يعيد القوات. ترامب يأمر البنتاجون بسحب القوات. البيت الأبيض منقسم وجنرالات البنتاجون والجمهوريون من حزب ترامب الحاكم والديمقراطيون المعارضون كلهم متفقون على وجوب إلغاء قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا .

بريطانيا بدورها أعلنت سحب قواتها، وفرنسا، وغيرهما.. في الوقت ذاته حدثت الكارثة المتوقعة: حرر الأكراد بعض مساجين داعش وعائلاتهم للضغط على ترامب للتدخل. هروب الدواعش أطار صواب برلين وباريس ولندن وواشنطن.

الخطرون منهم تم نقلهم إلى جهة مجهولة. غزو تركيا لسوريا دمر الإنجاز البارز للتحالف.. وهو القضاء على تنظيم داعش الدموي وسجن ما بين ١٥ و٤٠ ألف إرهابي .

كان ترامب حذر أدوغان من هروبهم وكلفه بحماية السجون. فشل أردوغان، وباتت أوروبا وليبيا وسوريا والعراق ومصر مهددة من جديد. النتيجة المرعبة لفوضى الموقف هناك الآن: إحياء داعش، وتغلغلها في سوريا والعراق وتمددهم خارجهما. ...

اللاعب الأذكى وسط كل هذا الارتباك الدولي الناجم عن الغزو التركي كان الثعلب الروسي. لا يجوز تسميته الدب من الآن فصاعدا. هو ثعلب. بالحكمة والتأني والثبات على المواقف وعدم خذلان الصديق تقدم الروس في المنطقة، حيث ينسحب الأمريكيون لافتقادهم الأسباب المذكورة آنفا. اتفاقيات أمنية وعسكرية واستثمارية بالجملة مع السعودية والإمارات أثناء زيارته الحالية لهما .

نعم، فاجأنا بالطبع الفيتو الروسي أكثر مما فاجأنا الفيتو الأمريكي على قرار أوروبي مطروح للتصويت في مجلس الأمن لإدانة تركيا .

كانت روسيا تنسق سرًا بين دمشق حليفتها والأكراد وواشنطن. الأكراد قبلوا الاتفاق عسكريًا مع الجيش السوري بعد الضربات القاسية من الأتراك، وتهدم البنية الأساسية ونزوح ٢٧٥ ألف كردى سوري حتى كتابة هذه السطور.

كانوا متمردين طالبين الحكم الذاتي المستقل أسوة بأكراد العراق، تحت مظلة الحماية الأمريكية. سحب ترامب المظلة، فكشفهم وعراهم، وخذلهم. اختاروا الرجوع إلى حضن الدولة الأم.. تحت الضعف والحاجة.

كان لمصر دور بارز غير معلن في هذا المجهود؛ فقد زار وفد كردي القاهرة في بداية اشتعال الموقف، كما كان ذلك بتنسيق بين رئيسي الأركان الروسي والأمريكي .

سبق ذلك إعلان بوتين وجوب تحرير سوريا من الجيوش الأجنبية كافة. وقال إنه مستعد لسحب قواته الروسية حال وجود حكومة شرعية جديدة منتخبة.

تزامن مع ذلك ما أبداه ترامب من رفض لاستمرار وجود الجيش الأمريكي حارسًا لحدود تركيا في نزاعها المستمر مع الأكراد منذ مائتي عام !

كلهم، إذن، يريدون الخروج.. أو خرجوا.. لكنهم جميعا صمتوا على دخول أردوغان، فلما دخل.. هاجوا عليه.. فقد وقع في الفخ!

كيف نفسر عدم المجابهة حتى الآن بين الجيش العربي السوري والقوات الغازية؟

هل تم دخول الجيش السوري بموافقة أردوغان؟ وجود الروس حاجزًا يعنى وجود ضمانات روسية.

هل سيحرس الروس الحدود السورية مع تركيا جنبا إلى جنب مع الجيش السوري؟

ما مصير المنطقة العازلة إذن؟ بعد دخول القوات السورية النظامية والقوات الروسية لم تعد تركيا بحاجة للعازل الأمني بعرض ٤٤٤ كيلومترًا وعمق ٣٢ كيلومترا.

السؤال الأخير: هل سيسحب أردوغان قواته الغازية بعد الأمر المباشر من ترامب له صباح اليوم: انسحب فورًا وأوقف إطلاق النار!

أردوغان قال: مهما جرى لن أنسحب.

موقف غاية في التعقيد والتداخل والارتباك، والحسابات متناقضة ما بين حليف لعدوي وصديق لي وعدو للجميع: تركيا صديقة روسيا، وروسيا صديقة سوريا، وتركيا عدو سوريا، وأمريكا صديقة تركيا، وتركيا تناوئ أمريكا وأمريكا تعاقب تركيا.. والأكراد دهست الدبابات طموحاتهم في الانفصال وإنشاء حلم الدولة الكردية على طول الحدود مع إيران وسوريا والعراق وتركيا، حيث يتكاثرون.. والدراما لا تزال تتوالى فصولا مع اشتعال النيران والمواقف !

وأخطر ما سيقلب المائدة رأسا على عقب اندلاع القتال بين الجيشين السوري والكردي من ناحية والجيش التركي ..

ونظن أن الروس لن يسمحوا .

تلك قصة أخرى .

إعلان