إعلان

علاء الغطريفي يكتب: الإعلام الساكت يتكلم..!

علاء الغطريفي رئيس التحرير التنفيذي لمؤسسة أونا

علاء الغطريفي يكتب: الإعلام الساكت يتكلم..!

علاء الغطريفي
03:54 م الثلاثاء 01 أكتوبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

للإعلام قصة تروى.. كانوا، في الماضي، زعماء سياسيين، ولم يكونوا إعلاميين. لم يكن ذلك معلنًا، وقتها، لكنّ الظرف السياسيّ والاجتماعيّ ساعد فى إبراز هذه "الظواهر" الصوتية..!

الإعلام "ديالوج" أم "مونولوج"؟ كان عند الكثيرين وقتها "مونولوج"، وصارت منابر تلفزيونية منصاتٍ للآراء لا تعبر عن تيار أو توجه فكري، بل تعبر فقط عن رأي مذيع الهواء وارتباطاته بطبقة أو مجموعات مصالح.

هل كان صوابًا ما فعلوه؟ لم يكن بالقطع صوابا، فقد مهّد الطريق للإساءة للإعلام المهني؛ بدعاوى ظاهرها حقيقي، وباطنها العكس، ومنحوا الفرصة لوأد مساحة أو هامش الحرية المتاح، وأضيف إلى عوامل أخرى أسهمت في التراجع عن الإعلام ذاته.

لم تكن هناك سياسة، فمورست مساءً في البرامج بأسوأ الأشكال، فأضرت بالإعلام، وكذلك السياسة، وصرنا إلى ما صرنا إليه.

هل كان الحوار وقتها جيدًا؟ نعم، كان جيدًا، غير أنه افتقد الانضباط الذي لو توافرت إرادته في أجواء مناسبة، لكُنا في وضع مغايرٍ تمامًا، وما وصلنا إلى ما وصلنا إليه..!

افتقدنا التنظيم وقتما كانت هناك مساحة للحركة والعمل والمهنة. وعندما غابت المساحة جاء التنظيم، فأصبح رقْمًا إضافيًا في معادلة التراجع؛ فهو يدار بعقلية رجل إطفاء من قرن ماضٍ.

هل كانت هناك تجارب تستحق الثناء والإشادة؟ نعم، لكنها تضررت كثيرا من صور الخلط بين الإعلام والسياسة، وقتما كان المشاهدون يبحثون عن السياسة على الشاشات.

الممارسات الجيدة لم تستمر أو تدوم أو جرت مقاومتها، تأثرت بما يحدث في المجتمع الذي ارتاح أكثره لفوضوية الدعاية وترّهات السوشيال ميديا وغيبة قواعد التحقق والإنصاف.

القاعدة تقول إن الإعلام ينتصر للحوار والتنوع، فهناك صيغ مهنية وأشكال معيارية في إنتاج المحتوى حتى يخرج من دائرة الدعاية الفجة.

الإعلام خرج عن زمانه الاجتماعى؛ فلم يعد معبرًا عن الجماهير، وانفصل عنهم وعن قضاياهم وهمومهم، فذهبوا إلى ما ذهبوا إليه.

الانحياز حقيقة لا ينبغى نكرانها حتى لو رفعنا ألْوية المهنية. والقياس هنا مدى اقترابك أو ابتعادك عن الالتزام بالقيم المهنية وتقديم الرأي الآخر، والنهاية الحكم عند الجمهور وقبوله ما تقدم.

الضجيج حول ما ينبغي أن يفعل الإعلام في اللحظات الفارقة في تاريخ الأوطان مسألة مردود عليها بأن الإعلام هو الإعلام، لا ينبغي أن ينقطع عن الجماهير أو ينسى ارتباطه بحركة مجتمعه وفى نفس الوقت عليه ألا ينسى وظائفه وأدواره، ولا يتجاوزها أيضًا.

هناك من رأى أن السيطرة على الإعلام ضرورة، فقمنا بإدخال المريض "الإعلام" غرفة الإنعاش، ووضعنا ورودا فى كل الأركان ونعلن بين الحين والآخر عن استمرار النبض، واللافتة "ممنوع عن الإعلام" مرفوعة.

التجربة تصنع التعلم.. وتجربة الإعلام في العقدين الأخيرين بدت مراحلها كالتالي: "بداية- ازدهار ظاهري- تراجع- ما قبل الغروب".. وفي فترات ما قبل الغروب ينطق الإعلام بالسكوت.

لا يمكن أن نضع البيض في سلة واحدة، ولا يمكن أن يكون مصدر الماء واحدًا، فهذه مخاطرة، والفردانية ليست صوابًا.

الدول تملك في الإعلام بشرط الالتزام بصيغ المهنة الذكية وقوالب التناول المعيارية، لأنه بغير ذلك تفقد الجمهور، ومن ثم التأثير وتصبح الرسائل نسيًا منسيًا.

المساحة التى أتيحت، مؤخرًا، للإعلام جاءت من رحم الأزمة، والجميع كانوا على قدرها، فالوطن لا يتحمل أي مغامرة أخرى، وذاكرة الجماهير ما زالت تحمل كوابيس غياب الاستقرار، غير أنه في لحظات الانكشاف تصعب العودة؛ فالعودة ترتبط بالمصداقية، والساكت عندما يتكلم يحتاج استعادة اللياقة، وشكرًا لمن يفتح النوافذ فى أي وقت.

سيبحث الناس عمن يعبرون عنهم، ويصدقونهم، ولن يهتموا بضرب الدفوف أو الفزاعات. الخطاب الإعلامي تسبقه سياسة إعلامية وقبله رغبة في التغيير- رأينا شيئًا منها- تستحق البناء عليها.

الإصلاح كلمة قد نكتبها، ترجمتها إلى واقع تلزمها الكثير. بدايته تشخيص موضوعي لما كنا عليه طوال ست سنوات.

الإعلام يستحيل أن يزدهر، أو يؤثر دون أداء وظائفه الأساسية: (الإفادة المعرفية، والإخبار الحقيقي، والرقابة الشعبية، والتسلية"... إذا لم يفعل الإعلام ذلك، فهو لا يحرث في بحر، بل يحرث في محيطات..!

إعلان