إعلان

ما خفي فيها كان أعظم

سليمان جودة

ما خفي فيها كان أعظم

سليمان جودة
07:00 م الأحد 07 ديسمبر 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

من الواضح أن المكالمة المسربة إلى جريدة دير شبيغل الألمانية سوف تظل حديث أوروبا لفترة غير قصيرة قادمة.

المكالمة المسربة تفجرت فجأة قبل أيام قليلة، ومما جاء فيها أن قادة أوروبيين حذروا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من خداع الأمريكيين له ولأوروبا كلها معه، وصارحوه بأن عليه أن ينتبه وهو يتكلم مع المبعوثين الأمريكيين اللذين يسعيان هذه الأيام لوقف الحرب الروسية الأوكرانية بتكليف من الرئيس ترمب، وهما جاريد كوشنر، مستشار الرئيس وصهره، وستيف ياتكوف، مستشار ترمب إلى الشرق الأوسط.

تفاصيل المكالمة العجيبة تقول إن الساسة الذين شاركوا فيها مع زيلينسكي كانوا من أكثر من عاصمة أوروبية، ولكن أهمهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، وجيورجيا ميلوني رئيسة الحكومة الإيطالية.

هذه القصة على بعضها لها سبب معروف، والسبب أن الرئيس ترمب منذ جاء في ولايته الثانية هذه، يبدو في شأن الحرب الروسية الأوكرانية منحازاً بلا سبب مقنع إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد وصل في انحيازه إلى حد أنه استقبل الرئيس بوتين في ألاسكا صيف هذه السنة، وبغير أن يكون الرئيس زيلينسكي موجوداً على المائدة بينهما، مع أنه طرف أصيل في الحرب شأنه شأن بوتين بالتمام.

وليس لقاء ألاسكا سوى شيء من أشياء على مدى ما يقرب من السنة التي قضاها ترمب في البيت الأبيض، فالأوروبيون كانوا طوال هذه السنة يشعرون ولا يزالون بأن سيد البيت الأبيض يلعب في الموضوع من ورائهم مع القيصر في موسكو!

وليس سراً أن الأوروبيين صاروا مقتنعين بأن عليهم ألا يعتمدوا على الولايات المتحدة الأمريكية في الشأن العسكري الدفاعي الخاص بهم. لقد عاشوا يعتمدون عليها لفترة طويلة مضت، وبالذات منذ الحرب العالمية الثانية التي أسست لأمريكا قوة عظمى أولى في العالم.

منذ تلك الحرب تأسس حلف شمال الأطلنطي الشهير بالناتو، وكانت الولايات المتحدة تجلس على رأسه وإلى جوارها العواصم الأوروبية الأعضاء في الحلف، وكانت بحكم قوتها العسكرية تتعهد بالدفاع عن أوروبا ضد أي خطر.

وبالتأكيد فإن روسيا هي التي يمكن أن تكون مصدر هذا الخطر، لأنها وريثة الاتحاد السوفييتي السابق، ولأنها ورثت عنه أغلب قوته التي كان يناطح بها الولايات المتحدة في السابق. وحين اشتعلت الحرب الروسية الأوكرانية في الرابع والعشرين من فبراير ٢٠٢٢ ثم تواصلت كل هذه الفترة ترسخت الشكوك والمخاوف داخل الأوروبيين أكثر وأكثر.

فلما بدا ترمب منحازاً إلى الجانب الروسي، رغم ارتباطات بلاده التاريخية بأوروبا، وجد الأوروبيون أنهم في موقف لا يُحسدون عليه، وأحسوا بأن إدارة ترمب تبيت لهم ما لا يرونه، وظهر هذا كله أو بعضه على الأقل في المكالمة المسربة، ولا بد أن ما خفي فيها كان أعظم، ولا بد أن ما خفي فيها سوف لا يلبث حتى يظهر، وسوف نجد أنفسنا أمام تراجيديا سياسية أوروبية أمريكية من النوع المثير.

إعلان

إعلان