إعلان

سر القنبلة النووية

سر القنبلة النووية

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 09 يوليه 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الطريق الرئيسي في داخل مدينة الشروق ملغم بقنابل بشرية يومية. نساء يكنسن الشارع، بينما طفل معلق على كتف، وتوليفة أخرى من الأعمار المختلفة تركض حولهن.

سائق التاكسي يئن، ويشكو، ويسب، ويلعن العيشة ومن يعيشونها، لأن عمله الحكومي الصباحي والآخر الإضافي على التاكسي لا يكفي لتلبية احتياجات العيال الخمسة وأمهم.

الموظف الصغير في المكتب الكبير يتبع سياسة الدرج المفتوح رغم أنف الملصق الورقي الاستفساري بغرض التهديد والوعيد والمثبت أعلى المكتب: "هل صليت على النبي اليوم؟" الدرج الذي بات مفتوحًا على مصراعيه ليس إلا وسيلة اضطرارية تعينه على تربية الطفلات الخمس.

يقول إن الأولى جاءت مقصودة، والثانية لتخاويها، والثالثة غير مقصودة، والرابعة غلطة، والخامسة سهوة! وبمزيد من التضييق وبعض من الترذيل يقول بنبرة ملؤها التهديد والوعيد: "ربنا قال "وأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم". نعمل إحنا العكس بقى؟!".

العكس الذي لا يمت بصلة بالطبع للدرج المفتوح صار مثار شد وجذب، وتنابذ وتناحر، وتمادٍ وتماهٍ. وما توغل احتكار الدين وتفاسيره، والإيمان وموديلاته في المجتمع المصري إلا نتاج تسرب غير حميد على مدى عقود.

الموجة الأولى من التسريب بدأت عبر العائدين من العمل في دول مجاورة ناقلين معهم مروحة وكاسيت وبطانية وأسلوب حياة منقولا عن ثقافة وهوية غير مصرية.

عاد الكثيرون بفكر عبارة عن مسخ، حيث مظهر مستنسخ من آخرين وجوهر مشتت وجذور، تم تسميمها بأفكار هدامة متنكرة خلف عباءة.

واستمر التسرب بانسحاب الدولة على مدى عقود أيضًا من مهامها الرئيسية تاركة جانبا كبيرا من صداع قطاعات الخدمات الرئيسية من تعليم وصحة وتنشئة وتشغيل، وبالطبع تربية دينية لجماعات رجعية وأفكار ظلامية.

ومع الوهن الشديد الذي أصاب المؤسسات العريقة والكيانات المعتبرة التي كانت ملجأ ومرجعية للعالم العربي والإسلامي، أصبح لشيخ الزاوية ذي اللحية المشعثة والجلباب القصير والشبشب الأصيل اليد العليا في تسيير أمور الملايين من المصريين. يحرم هذا، ويكفر ذاك، وينشر سمومًا فكرية ويزرع أسسًا مميتة لحياة لا تليق بالإنسانية في القرون الوسطى فما بالك بالألفية الثالثة؟!

في الألفية الثالثة ما زال هناك من يرى أن "العيل بييجي برزقه" ويؤمن بأنه طالما الزوجة في سن الإنجاب فعليها أن تصارع الأرنبات في الحمل والولادة. وهناك من يصطاد في المياه العكرة فيدق على وتر أن الموارد البشرية كنز ثمين، وأن دول العالم المتقدم تعاني تقلصًا في أعدادها، وأن جانبًا مما يموج به عالمنا العربي من مؤامرات وكوارث وحروب منبعه غيرة الغرب المتقدم من خصوبتنا اللامتناهية.

وهناك من يروج بين البسطاء – بحسن نية أو سُوئها- أنه لولا الظلم والقهر وانعدام العدالة الاجتماعية لكانت أسرهم المكونة من عشرات العيال تعيش عيشة في العلالي، وتنعم بنعم لا تعد أو تحصى، فالبلد مليء بالخير ومتخم بالأموال، لكن سوء التوزيع يجعله يتركز لدى الأقلية المسيطرة.

ولعل مثل هذه الترهات تفسر النبرة العدائية التي بات أرباب العائلات التي تحوي العيال الكثيرة يتحدثون بها طلبًا للمعونة الإجبارية أو زيادة الرواتب دون وجه حق. وإذا أضفنا إلى ذلك تسرب الخطاب الظلامي الرجعي المحتكر لتفسيرات أكل عليها الزمان وشرب، وجميعها يحرم ويكره ويحذر من تنظيم الأسرة، نكون بذلك قد توصلنا إلى سر تركيبة القنبلة النووية ذات الجزيئات البشرية والانشطارات الذاتية والانفجارات المدوية.

ولحين تجديد الخطاب الديني وتطهيره وتعقيمه، وشن حملات توعية حقيقية، لا ضرر أبدًا من فرض قوانين تكبح زمام سباق الأرانب. وللعلم والإحاطة فإن أعدادًا متزايدة من أبناء الطبقة المتوسطة ممن اكتفوا بطفل أو اثنين يشعرون بغضب متنام واحتقان متزايد جراء تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية من جيوبهم. أنت تخلف دون وعي وتملأ الشوارع مواطنين بلا تعليم أو عي أو إدراك، وواجبي دعم هذا الجنون ومساندته بالضرائب والسكوت على تدهور الخدمات والشعور بالذنب كلما حكى أحدهم عن معاناته من أجل إعاشة أرانبه.

إعلان