إعلان

بين ما تريده القاهرة وما يريده الآخرون من "المصالحة الفلسطينية"

بين ما تريده القاهرة وما يريده الآخرون من "المصالحة الفلسطينية"

محمد جمعة
09:00 م الثلاثاء 03 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ونحن نتابع في هذه الآونة بدايات عودة السلطة الفلسطينية مرة أخرى إلى قطاع غزة، من المهم أن يجري الالتفات إلى مسألة هامَّة أتصور أنه من الضروري التوقف عندها، وهي أن ما تريده مصر من "المصالحة" شيءٌ، وما يريده بعض الأطراف شيء آخر مختلف.. بل ربما يتعارض معه تماما!

سواءً أكانت تلك الأطراف إسرائيل أو الولايات المتحدة، أو حتى بعض الفصائل الفلسطينية ذاتها، أو أية قوى إقليمية لطالما اعتادت اللعب بـ"الورقة الفلسطينية" لمصالحها هي.

لمصر مصلحةٌ أكيدةٌ في إتمام "المصالحة" بالمعنى الذي يُنهي الانقسام السياسي بين الضفة وغزة، ويعيد سيطرة السلطة الفلسطينية مرة أخرى على القطاع، بعد إنهاء حكم حماس فيه.

ذلك أن استمرار سيطرة حماس على غزة لم يكن هو فقط ما يُثير قلق القاهرة وتخوفاتها، بالنظر إلى ارتباط حماس وعلاقاتها بالإخوان المسلمين.

وإنَّما استمرار الانقسام بحد ذاته بين الضفة وغزة (حتى مع افتراض وجود فصيل آخر غير حماس يسيطر على غزة) يُعد سببًا كافيًا لكي تشعر القاهرة بعدم الارتياح، ومن ثم تعقد العزم على ضرورة تغيير هذا الوضع عاجلًا أم آجلًا.

ذلك أن أحد محددات السياسة الخارجية لمصر تجاه غزة، هو ضمان استمرار فك الارتباط بين مصر والقطاع. لذلك رفضت مصر- وما تزال ترفض- أي إجراءات تخص إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، لا تشمل قطاع غزة.

وترفض كذلك أي صيغة للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية لا تضمن وحدة المصير السياسي بين الضفة وغزة.

في هذه الآونة، مصر قادت جهود الوساطة بين فريقي الانقسام، وهي نجحت في مسعاها (إلى الآن على أقل تقدير)، وهي مدفوعة بمصالح عديدة ( بالإضافة إلى ما سبق ) منها:

1-التهديد الأمني الذي يضرب مصر في سيناء.. إذ أن ثمة تداخلات أمنية غير خافية على أحد، بين غزة الفلسطينية، وسيناء المصرية.
وتتأكد أهمية هذا الأمر بالنظر إلى التقارير الأمنية الإسرائيلية التي لطالما حذرت – مؤخراً - من خطر انفجار وشيك، في القطاع.. هنا المصالحة تبدو مطلوبة لتنفيس حدة الاحتقان، وتبديد موجات الانفجار قبل وقوعه.
ذلك أن اندلاع مواجهة جديدة بين غزة وإسرائيل، في هذه الآونة، أمرٌ غير مطلوب على الإطلاق، بحسابات القاهرة قبل غيرها من الأطراف الأخرى، وذلك بالنظر إلى التداعيات السلبية لتلك المواجهة على الوضع الأمني الحرج في سيناء.

2- فلسطين، وغزة بالذات، بوابة مصر، وأحد مظاهر دورها الإقليمي، خصوصًا في المشرق، وفي هذه الآونة.
3- رغبة تعبر عن مصلحة مشتركة مع عواصم ثلاث أخرى في دول الرباعي العربي الذي يتصدى لقطر، بعزل حماس عن الدوحة، واحتواء تأثير الثانية على الأولى.

هذه التوجهات المصرية تختلف بالتأكيد عن أهداف واستراتيجيات إسرائيل وتصوراتها لمستقبل العلاقات بينها وبين الفلسطينيين، وموقع غزة ضمن "المشروع الوطني الفلسطيني".

ففي هذه الآونة لا يكاد أحد يرى في السياسة الإسرائيلية أبعد من "دولة غزة"، فالسياسة هناك انتقلت من "الجنرالات" إلى "الحاخامات" بعد الانزياح الحاصل نحو اليمين وانعكاساته على القرار السياسي في إسرائيل.

وارتباطًا بذلك فإن حل الدولتين انتهى تمامًا بالنسبة لقادة اليمين الإسرائيلي. وأمامنا الممارسات الاستيطانية، وكافة السياسات الأخرى التي تستهدف الحسم على الصعيدين، الجغرافي والديموجرافي في الضفة.

لكن إسرائيل لا تستطيع في نهاية الأمر إلا إقامة كيان فلسطيني أمام العالم؛ لأنها لا تستطيع للأبد أن تكون دولة احتلال، ولا مكان سوى غزة.. بمعنى أن غزة هي العنوان بالنسبة لإسرائيل للحل مع الفلسطينيين، ولكن هل تقام تحت حكم حركة "حماس"؟ بالقطع لا، لأن منظمة التحرير (عنوان الفلسطينيين) ستظل تُطالب بدولة فلسطينية، وبالتالي يتطلب ذلك نقل قيادة المنظمة والسلطة إلى غزة لتكون على رأس المشروع، الذي سيأتي يومًا ما، إذا لم ينته الفلسطينيون، وإذا استمر الصراع بينهم على هذا النحو المدمر.

لهذا ليس بلا مغزى تلك الموافقة الأمريكية المفاجئة على المصالحة، وذلك الصمت الإسرائيلي المثير للريبة. خاصة وأن "تل أبيب" التي تصمت اليوم ولا تعترض على المصالحة، وعلى عودة السلطة إلى غزة، تستكمل (على الجانب الآخر) سيناريو إضعاف السلطة في الضفة الغربية. ومن يراقب السلوك الإسرائيلي هناك يمكن أن يلمس ذلك بدرجة كبيرة. والشاهد هنا أن الإدارة المدنية التي كان يجب أن تنتهي عند توقيع اتفاق أوسلو فتحت قبل أشهر صفحة إلكترونية للتعامل المباشر مع المواطنين، في خطوة اعتبرها المراقبون سحبًا لصلاحيات السلطة.

إن تمتْ المصالحة في هذا الوضع فقد يعني هذا إزاحة "حماس" عن السلطة وتعزيز غزة ونقل القيادة الشرعية إليها.

لذلك يجب التحذير من الفخاخ الإسرائيلية.. ويجب أن يذهب الفلسطينيون باتجاه مصالحة تجعل غزة تابعة للسلطة وليستْ حاضنة لها.. فرعًا للقيادة الفلسطينية وليست مركزًا لتلك القيادة، لأنَّ الصراع الحقيقي في الضفة وعليها.

إعلان

إعلان

إعلان