محلل سياسي يحذر من استغلال إسرائيل الفراغ الأمني في سوريا
كتب- حسن مرسي:
سوريا
قال المحلل السياسي، ياسين الحمد، إن سوريا بقيادتها الجديدة تحاول اليوم الانفتاح على العالم وعلى الدول الفاعلة، من أجل مساعدتها في التعامل مع الإرث الثقيل لنظام الأسد، بالتوازي مع بحثها عن التوازن المطلوب وسط العديد من الصراعات المحتدمة والقوى الإقليمية والدولية الساعية لضمان مصالحها.
وأضاف الحمد، خلال تصريحات تليفزيونية، أن الإدارة السورية الجديدة نجحت في التواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية في قمة الرياض التي جمعت الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو 2025، حيث مثّل اللقاء نقطة تحوّل في السياسة الأمريكية تجاه دمشق، التي تزامنت مع الإعلان عن بدء رفع العقوبات، مقابل التزامات سياسية وأمنية محددة، فيما قرر مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً شطب سوريا من قائمة "الدول المارقة".
وتابع الحمد، أنه في المقابل يتخوف المراقبون من خطر محدق على سوريا رغم هذا التحول الأمريكي والاتصالات المباشرة مع الدول الغربية وما ارتبط بها من مناخ إيجابي، بسبب استغلال إسرائيل حالة التحول السياسي والفراغ الأمني في سوريا، بتعزيز وجودها العسكري بشكل غير مسبوق، مضيفا أن القوات الإسرائيلية توغلت بعمق في الأراضي السورية، بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، واحتلت مواقع استراتيجية مثل قمة جبل الشيخ التي تمنحها تفوقًا استخباراتيًا وعسكريًا على الحدود السورية اللبنانية، في الوقت الذي أعلنت فيه إسرائيل عن خطط لإقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 65 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، مستغلةً ظروف التعافي التي تمر بها سوريا.
وأوضح الحمد أنه رغم تبرير إسرائيل تحركاتها بدعوى "تعزيز الأمن"، فإن الوقائع تكشف عن سياسة توسعية تهدف إلى فرض واقع جيوسياسي جديد، فقد دمرت إسرائيل أكثر من 80% من القدرات العسكرية للجيش السوري عبر عملية عسكرية موسعة أطلقت عليها اسم "سهم باشان"، شاركت فيها 350 مقاتلة ونفذت نحو 500 غارة جوية، كما توغل الجيش الإسرائيلي بريًا لمسافة 26 كيلومترًا بدءًا من مرتفعات الجولان، ووصل إلى مسافة أقل من 22 كيلومترًا من دمشق.
وأكد الحمد أنه بحسب التقارير الميدانية، فإن إسرائيل تسير وفق خطة استراتيجية تسمى "ممر داود" تهدف إلى إعادة تشكيل شرق البحر المتوسط، وأنه في حال نجاح هذه الخطة، ستصل إسرائيل إلى جنوب سوريا عبر مرتفعات الجولان، وإلى شرق الفرات عبر دير الزور، وصولاً إلى الحدود التركية، حيث هذا المشروع يهدف إلى خلق نفوذ إسرائيلي على مساحة جغرافية واسعة، وتحقيق الجزء الأكبر من حلم "دولة إسرائيل الكبرى"، موضحا أن الإدارة السورية الجديدة تواجه هذه الخطة الإسرائيلية بخطوات دبلوماسية، حيث أعلنت التزامها باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، وطالبت بانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المحتلة، فيما اقتصرت ردود الفعل الدولية على إدانات لفظية من بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا، وسط صمت إقليمي ودولي شبه كامل.
وأكمل الحمد أن المراقبين أكدوا على أن الاستراتيجية الإسرائيلية الراهنة التي تقوم على الضغط العسكري الدبلوماسي تأتي لإجبار الحكومة السورية الجديدة على قبول الوجود الإسرائيلي على أراضيها وفي أجوائها كأمر واقع، ووضع ضغوط مستمرة على الإدارة الجديدة في دمشق، وأن كل هذا يحدث وسط صمت أمريكي وانسحاب متدرج للقوات الأمريكية والبريطانية من شمال شرق سوريا.
وشدد الحمد على أن الولايات المتحدة وإن انتهجت مؤخراً مساراً مغايراً تجاه سوريا، ورفعت عنها العقوبات مقابل حصولها على حصص ومزايا لشركاتها النفطية في سوريا، فإنها تضع مصالح حليفتها إسرائيل في المرتبة الأولى، وهو ما أثبتته السنوات الأخيرة الماضية في حرب إسرائيل على غزة، ووقوفها الى جانب إسرائيل أثناء ممارساتها الوحشية تجاه دول وشعوب المنطقة، كما أثبته يوم أمس في قصفها لإيران رغم المحادثات الطويلة بين الأخيرة والولايات المتحدة حول مشروعها النووي.
واستطرد: "التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل من أكثر التحالفات استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، حيث توفر واشنطن دعماً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً غير مسبوق لحليفتها، بالإضافة إلى ذلك، تحتفظ الولايات المتحدة بمخزون احتياطي عسكري في إسرائيل يمكن استخدامه في حالات الطوارئ، مما يعزز القدرة الدفاعية الإسرائيلية في مواجهة أي تهديد إقليمي، وأنه بما أن إسرائيل تخطط لتحقيق مصالحها في سوريا، فإنها بلا شك لن تواجه ممانعة أو رفض أمريكي أو حتى غربي شاملاً بريطانيا وفرنسا اللتين تواصلتا مع دمشق وأقامتا علاقات دبلوماسية واقتصادية معها.
وأشار إلى أنه عندما تتوافر هناك مصالح إسرائيلية في مكان ما في الشرق الأوسط تتوافر هناك العمليات العسكرية والأمنية والحرب بلا شك، كما حدث ويحدث في قطاع غزة ولبنان وإيران، وأن سوريا اليوم ليست مستثنية من ذلك المصير حتى لو عززت علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، فالأخيرة تعد سوريا شريكاً مؤقتاً الى حين تنفيذ شروطها، بينما تتخذ من إسرائيل حليفاً تاريخياً.
ولفت إلى أنه في المحصلة، ترسم هذه الوقائع معادلة دقيقة بين قدرة الإدارة السورية الجديدة على كبح جماح إسرائيل في خطتها التوسعية دبلوماسياً والحفاظ على أمن البلاد واستقرارها في حين أنها قد فقدت السيادة على جزء من أراضيها.