إعلان

زيارة موت في العقار 41.. حكاية مقتل الخالة نعمات في "نص الليل" (صور)

09:00 ص الأربعاء 19 ديسمبر 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - محمد شعبان:

ضاقت به الأرض بما رحبت، جُل تفكيره توفير تكلفة علاج نجله الأكبر، بحث عن طوق نجاة ينتشله من أزمته فوقع اختياره على خالته التي بلغت من العمر أرذله، وراح يطرق بابها ظنا أنها ستساعده، إلا أن مساعيه لم تكلل بالنجاح مع رفضها الشديد، لتتأزم الأمور ويضطر لقتلها.

مساء الإثنين قبل الماضي، استعد "أحمد" لإنهاء يوم عمل شاق في ورشة إصلاح السيارات، يتلقى اتصالا من زوجته تسأله عن تكلفة الحقنة الأسبوعية لنجلهما الذي يعاني ضمورًا بالمخ فطمأنها بأن الأمور ستكون على ما يرام. بدّل صاحب الـ35 سنة ملابسه، حاملا حقيبة العمل دون معرفة وجهته، يتجول بين الشوارع شارد الذهن حتى ساقته قدماه إلى العقار رقم 41 بشارع ياسين مرعي المتفرع من شارع العشرين ببولاق الدكرور حيث مسكن خالته "نعمات".

الثانية عشرة منتصف الليل، صقيع مصحوب بانخفاض درجات الحرارة أجبر قاطني المنطقة على التزام منازلهم، يكاد يسير "أحمد" وحيدا في الشارع الضيق، يصعد درجات السلم وصولا إلى الطابق الرابع "افتحي يا خالتي أنا أحمد.. عاوزك في حاجة مهمة". تفتح ذات الـ70 سنة الباب مُرحبة بابن أختها مبدية قلقها حول سبب حضوره في ذلك التوقيت ليطالبها: "محتاج 400 جنيه علشان علاج ابني والدنيا ملطشة معايا يا خالتي" إلا أن طلبه قوبل بالرفض "مش معايا.. هتبقى انت وشريف عليا (حفيدها).

مشادة كلامية حادة دارت بين العجوز وابن شقيقتها انتهت بدفعه لها لتسقط على الأرض، إذ ارتطمت رأسها بالأرضية فقدت معها الوعي بعدما تفجرت الدماء من رأسها خاصة مع تقدمها في العمر وإصابتها بمرض السكر.. تسمّر الشاب الثلاثيني.. لحظات تسارعت خلالها دقات قلبه حتى استفاقت الخالة ليتنفس الصعداء، وحمل جسدها الضئيل إلى غرفتها.

"ماتزعليش مني يا خالتي ماكنتش أقصد" اعتذار "أحمد" لم يجد له مكاناً لدى خالته مستنكرة فعلته "إنت بتعمل معايا كده ليه.. لو أحمد ابني -الذي رحل منذ 3 سنوات عن 50 عاما- لسه عايش ماكنتش عملت ده" ليجدد اعتذاره "أنا هنادي على حد ونروح نطمن عليكي في المستشفى".

ثمة شك راود الخالة التي ارتفع صوتها طلبا للنجدة، وتشبثت بملابس ابن أختها "استنى خليك هنا" ليباغتها الأخير بضربة قوية بالرأس مستخدما "لافيه" فأرداها قتيلة في الحال.

الثامنة صباح الثلاثاء قبل الماضي، اشتم أحد قاطني العقار رائحة كريهة تنبعث من شقة الحاجة نعمات التي تقيم بمفردها ليبلغ النجدة، فكانت المفاجأة غير السارة للجميع بأن عُثر على جثة المُسنة مسجاة على ظهرها أعلى سرير غرفة النوم بينما أغرقت الدماء الأرض.

دقائق معدودة امتلأ معها الشارع برجال الشرطة (نظام - مباحث) بقيادة العقيد شامل عزيز مأمور قسم شرطة بولاق الدكرور الذي جاءت تعليماته صارمة: "ممنوع اقتراب أي حد من مسرح الجريمة.. ساعدونا نجيب حقها" تزامنا مع وصول العقيد محمد الشاذلي، مفتش مباحث قطاع غرب الجيزة، الذي عمد إلى معاينة الشقة ليجد بعثرة في محتوياتها ولفت انتباهه عدم وجود كسر في باب الشقة الأمر الذي يشير إلى أن الجاني دخل بطريقة شرعية وأنه ليس غريبا.

داخل مكتبه بقسم شرطة الهرم، وجه العميد أسامة عبد الفتاح، رئيس المباحث الجنائية لقطاع غرب الجيزة، فريق البحث بفحص علاقات المجني عليها خاصة الأقارب، والبحث عن كاميرات مراقبة يمكن الاستعانة بها في رصد المشتبه بهم فضلا عن سماع أقوال الجيران الذين أجمعوا على أمرين، الأول "بُخل" الضحية منذ وفاة زوجها تاركا لها العقار سكنها ومن بعده نجلها الأكبر، والأمر الثاني "الست دي مش بتفتح الباب لأي حد إلا اللي تعرفه كويس".

لم يغادر النقيب كريم عبد الرازق، معاون مباحث بولاق الدكرور، مسرح الجريمة حتى وقت متأخر من الليل، جلسات متتالية استمع خلالها للأهالي خاصة أقارب المجني عليه الذين يقيمون في نفس العقار، أعد بعدها قائمة أولية للأشخاص الذين يترددون على الحاجة "نعمات" وتحديدا أقرباؤها من الدرجتين الأولى والثانية باعتباره خيطاً قد يقوده لفك طلاسم الجريمة في ظل عدم وجود كاميرات مراقبة بطول الشارع.

5 أيام من أعمال البحث والتحري لضباط وحدة مباحث بولاق الدكرور بقيادة المقدم هشام بهجت وكيل الفرقة، والرائد محمد الجوهري رئيس المباحث، ومعاونيه الرائد أحمد عصام والنقيبين أحمد مندور وأيمن سكوري، عكفوا خلالها على جمع المعلومات حول أقارب المجني عليها، في الوقت الذي اتخذ اللواء محمد الألفي نائب مدير مباحث الجيزة من ديوان القسم محل إقامة لا يغادره: "لما نشوف إيه آخرة القضية دي".

مع انسدال أشعة الشمس وقت المغيب، استدعى النقيب كريم عبد الرازق ابن أخت الحاجة نعمات "أحمد.ر"، 35 سنة، وطرح عليه أسئلة عدة حول مكان تواجده ليلة الواقعة، لكن علامات ارتباك بدت عليه، مما أثار شكوك الضابط الشاب، وازدادت مع صمته ورفضه الإجابة عن بعض الأسئلة، ليوجه مدير المباحث بإعادة مناقشته.

"يا بيه أنا اللي خلّصت عليها.. ماكنش قصدي أقتلها" توقف الشاب الثلاثيني عن مراوغته لرجال المباحث وأقر بجريمته معلّلا السبب: "كنت عاوز فلوس علاج ابني اللي بيموت.. بس هي ست بخيلة" مشيرا إلى أنها حاولت الاستغاثة بالجيران مما أثار مخاوفه، خاصة أن نافذة غرفتها مطلة على الشارع "طلعت لافيه من شنطة العدة وضربتها".

وأوضح المتهم أنه بعد تأكده من وفاتها، لم يجد ما يأخذه إلا قرطها الذهبي، وأغلق باب الشقة بالمفتاح الخاص بالضحية: "علشان يبقى في صعوبة في الدخول.. كنت متوتر ومش داري بأي حاجة".

بالعودة إلى شارع ياسين مرعي، سيطرت حالة من الحزن الممزوجة بالصدمة مع انتشار الخبر، وأن قاتل الحاجة نعمات هو ابن شقيقتها حتى أن شقيقتها الصغرى افترشت الشارع محاولة استيعاب ما حدث مطالبة بإعدامه.

فيديو قد يعجبك: