إعلان

المالية توسع الاقتراض المحلي.. هل دخلنا الحلقة المفرغة؟

كتب : أحمد الخطيب

04:03 م 20/10/2025

وزارة المالية

تابعنا على

أكد خبراء تحدث إليهم "مصراوي" أن الاقتراض المحلي أصبح الخيار الأسرع أمام الحكومة لسد عجز الموازنة، لكنه يظل أداة مؤقتة لا يمكن الاعتماد عليها بشكل دائم، خاصة مع خطط تنويع مصادر التمويل وخفض الدين تدريجيًا لتجنب تفاقم أعباء خدمة الفوائد.

جمعت مصر في وقت قياسي نحو 91.1% من إجمالي القيمة المستهدفة من إصدارات الدين المحلية خلال السنة المالية الجارية، في الربع الأول من العام الحالي فقط، بدعم الطلب القوي من المستثمرين الأجانب وإغراءات السيولة المعروضة في العطاءات وسط عجز الموازنة.

باع البنك المركزي المصري، بالنيابة عن وزارة المالية، أذون وسندات خزانة محلية وصلت إلى نحو 3.26 تريليون جنيه خلال الربع الأول من العام المالي الحالي (يوليو إلى سبتمبر)، من مستهدف سنوي بقيمة 3.575 تريليون جنيه.

وخلال العام المالي الماضي، طرحت وزارة المالية أذون وسندات خزانة محلية قياسية تخطت قيمتها 6 تريليونات جنيه، وهو ما يعكس اعتمادًا متزايدًا على أدوات الدين المحلي لتغطية العجز.


خيار مؤقت لا يخلو من المخاطر

أوضح محمد عبد العال، الخبير المصرفي، أن الزيادة الكبيرة في الاقتراض المحلي خلال الربع الأول من العام الحالي جاءت كإجراء تكتيكي ومؤقت لا يمثل خطراً استراتيجياً على الاقتصاد، مدفوعًا بارتفاع الطلب من المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية على أدوات الدين المصرية، في ظل توقعات بانخفاض أسعار الفائدة مستقبلًا.

في المقابل، اعتبر محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت في شركة الأهلي للاستثمارات المالية، أن الاقتراض المحلي أصبح خيارًا شبه إلزامي في المدى القصير لسرعة توفير السيولة.

لكنه شدد على أن الحكومة بدأت بالفعل في تنويع مصادر التمويل عبر السندات طويلة الأجل، وجذب المستثمرين الأجانب، والتوجه نحو أدوات دين جديدة، لضمان ألا يتحول هذا المسار إلى ركيزة دائمة.

حلقة مفرغة

وأشار عبد العال إلى أن ضخ هذه السيولة جاء أيضًا بالتنسيق مع البنك المركزي لسحب الفوائض من السوق وخفض التضخم، مع رغبة وزارة المالية في تجميع حصيلة عاجلة لتغطية العجز، على أن تستفيد لاحقًا من تراجع تكلفة الاقتراض.

وأضاف أن المخاطر الناتجة عن هذه الخطوة تبقى محدودة، كون الدين مقوماً بالجنيه المصري، إلى جانب توافر سيولة مصرفية فائضة حالت دون تأثر تمويل القطاع الخاص، فضلاً عن تحوّل البنوك نحو الاستثمار طويل الأجل في أذون الخزانة تحسباً لانخفاض أسعار الفائدة، وهو ما عزز من الإقبال على هذه الأدوات.

أما نجلة فأوضح أن العلاقة الدائرية بين عجز الموازنة والاقتراض المحلي ما زالت قائمة؛ فكلما ارتفع العجز لجأت الحكومة للاستدانة، وكلما زاد الدين تضخمت مدفوعات الفوائد، ما يفاقم العجز من جديد.

لكنه أكد وجود خطة حكومية لكسر هذه الحلقة عبر زيادة الإيرادات الضريبية بعدالة من خلال ضم الاقتصاد غير الرسمي، وترشيد الدعم ليصل لمستحقيه، والاستثمار في قطاعات مدرّة للدخل كالصناعة والطاقة المتجددة والزراعة الحديثة.

تأثير مباشر على الإنفاق العام

لفت نجلة إلى أن تراكم الدين المحلي يضغط بالضرورة على قدرة الدولة في الإنفاق على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، موضحًا أن كل جنيه يذهب لخدمة الدين يعني جنيهًا أقل لهذه القطاعات.

لكنه أشار إلى مؤشرات إيجابية، إذ تراجعت نسبة الفوائد إلى الإيرادات من 54% قبل ثلاث سنوات إلى نحو 46% حاليًا، مع استهداف وزارة المالية النزول بها إلى أقل من 40% خلال العامين المقبلين، وهو ما يتيح مساحة مالية أكبر للإنفاق الاجتماعي والاستثماري.


وبيّن نجلة أن المفاضلة بين الاقتراض المحلي والخارجي لا تقوم على الأفضلية المطلقة؛ فبينما يتميز الخارجي بانخفاض تكلفته، فإنه يظل معرضًا لمخاطر سعر الصرف وشروط المؤسسات الدولية، فيما يمنح المحلي أمانًا وسيطرة أكبر لكنه أكثر كلفة.

وارتفع الدين الخارجي بنحو 8 مليارات دولار خلال العام المالي الماضي ليتخطى إجمالي الدين نحو 161 مليار دولار بنهاية يونيو 2025.


واعتبر نجلة أن الحل الأمثل هو مزيج متوازن بين النوعين: توجيه الخارجي طويل الأجل للمشروعات الاستراتيجية الكبرى، بينما يغطي المحلي الاحتياجات العاجلة، مع التركيز على زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحويلات المصريين من الخارج لتخفيف الضغط على الديون.

وأكد نجلة أن الاقتراض، محليًا أو خارجيًا، يظل أداة تمويلية لسد الاحتياجات، موضحا أن أمام مصر فرصة حقيقية خلال السنوات الخمس المقبلة لكسر الحلقة المفرغة من العجز والديون عبر تنويع أدوات التمويل وتوجيه القروض لمشروعات منتجة، ما قد يساهم في خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي وتوسيع المساحة المالية الموجهة للخدمات العامة بدلًا من تآكلها في خدمة الدين.

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان